تظل الكلمة هي المبتدأ والمنتهى، وتظل الفنون والثقافة تلعب أهمية كبرى في حياة الإنسان، في تشكيل وجدانه وتهذيب سلوكه وتحديد قيمه ومدى تدرج المجتمعات البشرية في سلم التمدن والحضارة، ومدى استطاعة هذه المجتمعات أن تحقق قدراً من السعادة للفرد في مسيرة الحياة الدنيا قبل الآخرة. المقدمة التي بدأت بها هذا المقال مدخل لمشروع متفرد تم طرحه في ساحات العون الإنساني، وابتدرته منظمتان من المنظمات الطوعية الوطنية التي تجاوبت مع حق النازح في ولايات دارفور، بأن يتم تقديم عون فكري وثقافي وفني له، إلى جانب العون الغذائي والكسائي والإيواء.. في تحقيق فاعل لمقولة -ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان- فكانت الفكرة الأولى التي انطلقت من مجموعة عافية سودان بمشروعها(عافية دارفور)، إذ تم اصطحاب عدد من الفنانين والمغنين على رأسهم فرقة عقد الجلاد لإحياء ليالٍ فنية وغنائية للنازحين في المعسكرات، وللمتأثرين بالحرب في أطراف مدن ولايات دارفور.. والفكرة لحظة التنفيذ لفتت انتباه بعض من الأجانب من أمريكا، الذين يتواجدون في تلك المعسكرات باسم العون الإنساني، وآذانهم وعيونهم تلتقط كل همسة وحركة، وحين عادت إحدى الناشطات إلى الولاياتالمتحدة أطلقت دعوة لثقافة النازحين في ولايات دارفور، من خلال حملة لجمع الكتاب في مختلف أنواع المعرفة، وكانت الحصيلة ما يزيد عن الأربعين ألف كتاب في ضروب العلم والثقافة، ومراجع علمية في المعرفة التراكمية من هندسة، وطب وزراعة، وعلوم التكنولوجيا الحديثة، ودائرة المعارف وكتب الأطفال، والقصة العالمية، والشعر، والتربية والآداب، وتم ترحيل حصيلة الدعوة للخرطوم. الإبداع السوداني في لحظات الحاجة لا يتوقف، فكما البدايات واصلت منظمتان سودنة الكتاب وسودنة الثقافة، والموازنة بين المعرفة الإنسانية التي هي مباحة لكل بني البشر والمتوائمة مع الذوق السوداني. الهيئة الشعبية لتنمية دارفور، وهي تخطو في دروب البحوث والدراسات، وتثبيت قيم الحوار والمصالحة مع الذات، في أزمة دارفور من خلال أطروحات المنتديات والملتقيات، وتصميم المحاور الفكرية في تحقيق السلام السياسي والاجتماعي، والأمن المعيشي، ورشد العلاقة بين مكونات الدولة السودانية، التقت المنظمة مع شقيقتها المبادرة عافية سودان، وهي التي أدركت دور الفن والثقافة في حياة الإنسان، وتحقيق التوازن النفسي للمتضررين والحانقين على أوضاع استثنائية بفعل الطبيعة، أو بفعل بني البشر.. لتقوم المنظمتان بتنمية الفكرة وصولاً إلى الغايات النبيلة في هذه الظروف الاستثنائية. المشروع الذي يتم إطلاقه هو مشروع جمع مليون كتاب بالجهد الشعبي، ومشاركة المجتمع السوداني تحت شعار (نقرأ لعافية دارفور)، مشروع لجمع مليون كتاب لسلام السودان، وصفتها إحدى الصحف بأنها الفكرة الأولى من نوعها، من حيث التفرد وقابليتها للتنمية الممرحلة، في مدى زمني ومكان غير محدود. الفن يقوم بدور التحريض النبيل، فالبداية التي توجهت لها المنظمتان أن تقوم فرقة عقد الجلاد- التي هي الأصل- في منظمة عافية سودان بإقامة حفل ساهر بالمسرح القومي بأم درمان مساء الأربعاء 17 مارس الجاري، قيمة الدخول لهذا الحفل الساهر عبارة عن مساهمة بكتاب أو أكثر بديلاً عن التذكرة ذات القيمة المادية، وتستهدف المنظمات إيصال الرقم أربعين ألف كتاب إلى مليون كتاب في كل ضروب المعرفة، من أجل دعم المؤسسات العلمية والثقافية في ولايات دارفور ممثلة في توفير المراجع العلمية للجامعات وإحياء مكتبات المدارس الثانوية، ودعم مكتبات المجتمعات الثقافية والمكتبات العامة والعدد لا يقتصر على ولايات دارفور ويتعداها إلى المؤسسات التعليمية العليا القومية ممثلة في جامعات السودان بالعاصمة القومية، وولايات السودان الأخرى، ودعم المكتبات العامة والمكتبات الوطنية. لقد لفت انتباهي ونحن نقوم بخطوات تنفيذ هذا المشروع مقال للأستاذ/ عبده مصطفى داوود بصحيفة آخر لحظة عدد الأحد 7مارس 2010م في صفحات الرأي بعنوان: مجلس أمناء المكتبة الوطنية والدور الغائب، أشار إلى تعثر مسيرة المكتبة الوطنية بأم درمان الذائعة الصيت والشهرة، وعدم تفعيل القانون الخاص بها، والصادر من رئيس الجمهورية منذ عام 1999م رغم الحاجة القومية الماسة لإحياء نشاطها وتطويرها. المقال السابق أظهر أن جهات عديدة تحمل هم وضع الكتاب في بلادنا، والمبادرة التي أطلقتها منظمتا الهيئة الشعبية لتنمية دارفور، ومنظمة عافية، تصلح كأساس لبداية قومية في تصحيح المسار، وترتيب أوضاع العلم والمعرفة في بلادنا وإعادة مكانة الكتاب، وروح الإطلاع في شباب اليوم.