لأن الإعلام المرئي والمسموع يكون دائماً أسرع من المقروء في نقل الحدث أو التعليق عليه، فقد لاحقتني عدة هواتف يوم الأربعاء من قناة الشروق التلفزيونية لأكون ضيفاً على برنامج (صدى الحدث) الذي يشرف عليه الأستاذ فخري عبد القادر علي وتقدّمه الأستاذة إيمان بركية، وقد ذكر لي القائمون بأمر «الشروق» أن موضوع الحلقة سيكون عن قمة رؤساء دول وحكومات الإيقاد التي انعقدت لمدة يوم واحد - الثلاثاء 9 مارس - في العاصمة الكينية بصفتي أحد المشاركين في تغطية أعمال تلك القمة، ولم أجد بداً من القبول والمشاركة رغم أنني لم أقل كل ما أريد في الصحيفة، إذ نشرتُ مشاهداتي وانطباعاتي أول أمس على أن أكملها في اليوم التالي، ووجدتُ أن نصف ما سأكتبه آجلاً سأقوله عاجلاً أمام مشاهدي قناة «الشروق».. و على الهواء مباشرة، لكنني أخذت في الاعتبار أن المشاهد غير القاريء، وأن من قرأ ليس كمن سمع أو شاهد التعليق، لأنني على قناعة - شبه ثابتة - بأن المقروء أرسخ في ذهن المتلقي من المشاهد أو المسموع، لذلك تشكل الصحافة الرأي العام بينما تشكل أجهزة الإعلام الأخرى - من غير الحملات المنظمة - الذوق العام.. وليس الرأي العام. نعود الآن إلى «نيروبي» وندخل إلى قاعة «جومو كينياتا» للمؤتمرات، وهي قاعة ضخمة وفخمة أنشئت في أعقاب نيل كينيا لاستقلالها في 12 ديسمبر عام 1963م.. وقد أعلنت جمهورية في السنة التالية للاستقلال أي في 12 ديسمبر عام 1964م وهو اليوم الذي يحتفل به الشعب الكيني تحت اسم (Jamhory day) أي يوم الجمهورية وهو عطلة رسمية سبق لي أن شهدتُ الاحتفال به عام 2004م خلال المراحل الأخيرة لمفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية التي كانت تتم في منتجع سيمبا السياحي بضاحية نيفاشا في ذلك الوقت والتي كان يقودها منِ الطرف الحكومي النائب الأول لرئيس الجمهورية - آنذاك - الأستاذ علي عثمان محمد طه، ومن طرف الحركة الشعبية مؤسسها وقائدها الراحل جون قرنق النائب الأول لرئيس الجمهورية - لاحقاً - وقد تذكرت ذلك ونحن بعدما يزيد عن الخمس سنوات قليلاً هي عمر الفترة الانتقالية لمراجعة مسار تنفيذ اتفاقية السلام الشامل. جومو كنياتا .. القاعة والتاريخ يحتل الرئيس الكيني الراحل جوما كنياتا - واسمه الأصلي هو كامو جوناثان كينياتا - يحتل مكانة خاصة في قلوب الشعب الكيني وفي تاريخ بلاده، وهو من قبيلة «الكيوكيو» إحدى أكبر وأغنى القبائل الكينية ولد في أكتوبر 1894م وتوفي في مومبسا بتاريخ 22 أغسطس 1978م وهو في السلطة، وكان أميناً عاماً للاتحاد الكيني الأفريقي من أجل كينيا، أنشأ العملة الوطنية (هارومبي) وسبق أن تم سجنه من قبل السلطات البريطانية بتهمة تأييد منظمة ال (ماو ماو) السرية مع صديقه الرئيس السابق دانيال آراب موي الذي يعتبر أحد عّرابي اتفاقية السلام الشامل بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. إذن نحن الآن داخل جزء من تاريخ كينيا الحديثة، وكنتُ قبل وصولنا مساء الاثنين الماضي إلى مطار جومو كنياتا الدولي أتحدث لزملائي في الرحلة عن المدينة وعن أشهر أسواقها السياحية المعروف باسم (سوق الماساي) الذي تعود تسميته إلى قبيلة الماساي الأكثر شهرة حيث يتم فيه عرض المنتجات اليدوية والفنون التراثية والمنحوتات، وكنتُ أقول لهم من واقع عيشي في نيروبي فترة من الزمن، إن يوم غد الثلاثاء سيكون فرصة لكم للتعرف على جزء من ثقافة الشعب الكيني وقبائله العريقة، وما كنتُ أحسبُ أنه (لا سوق.. ولا يحزنون).. إذ علمتُ ونحن في طريقنا إلى مقر إقامتنا في فندق إنتركونتينتتال من الأستاذة سمية عبد الصادق، الملحق الإعلامي بسفارتنا في نيروبي أن سوق الماساي الذي يقام كل ثلاثاء قد ألغي وانتقلت ساحات عرضه إلى أطراف المدينة، وأصبح يقام يومين في الأسبوع ليس من بينهما الثلاثاء.. وما كنت أضع في حساباتي أن يوم الثلاثاء التاسع من مارس 2010م سيكون واحداً من الأيام الطويلة الممتدة إذ انعقدت خلاله القمة الرابعة عشر للإيقاد وأصدرت بيانها الختامي وعدنا في آخره للخرطوم.