عندما طلب الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر التصديق له بمركز لمتابعة الانتخابات ورصد مجريات الأحداث حتى قيامها وإعلان نتائجها.. صادقت الحكومة السودانية على طلبه.. وكارتر الذي يتردد على السودان من حين لآخر متابعاً نشاطاته ومشاريعه التي أقامها بالسودان، بعد أن انتهت فترات ولايته يعرف جيداً القوانين المنصوصة بالدستور السوداني، وهي قوانين معروفة لحفظ الأمن واقرار الطمأنينة والاستقرار بأرجاء البلاد. لذا فمن المستغرب ومع قرب الانتخابات أن يفاجئنا المستر كارتر أنه من الضروري تأجيل الانتخابات بسبب القوانين التي تسمى بأنها مقيدة للحريات... هذا أمر غريب ومنهجٌ لا يقبله أي سوداني يجري في دمائه تراث وتقاليد وأعراف السودان.. ومن المضحك الباكي أن يدخل المستر كارتر في خط المعارضة، ويتوافق مع رؤاها واستراتيجيتها الرامية إلى إحداث بلبلة واضطرابات في ربوع البلاد، وتطالب المعارضة في نفس الوقت بتأجيل الانتخابات حتى نوفمبر القادم، بالرغم من أن الاستعدادات قطعت شوطاً طويلاً ولم يتبقَ إلا أيام قليلة لانتقال السودان لمرحلة جديدة. منطق المستر كارتر غريب ومفاجئ للقوى السياسية الداخلية، وبالتالي أيضاً لكل الجهات الخارجية التي باركت قيام الانتخابات في موعدها، وبدأت بالفعل اتصالات بالسلطات السودانية، وإرسال مراقبيها لمتابعة سير الانتخابات ورصد كل شاردة وواردة للعملية الانتخابية.. ولذا فإن تصريحات كارتر لا يقبلها العقل والمنطق.. ويمكن تفسير منطق كارتر أنه يكابر القوى السياسية المعارضة لحزب المؤتمر الوطني، وهنا يبرز تساؤل.. هل التمس كارتر أن كفة ميزان النتائج تميل نحو فوز مرشحي حزب المؤتمر الوطني من المستوى الرئاسي وحتى المجالس التشريعية؟ الأمر يحتاج إلى تحليل دقيق من فقهاء السياسة وخبراء الانتخابات. كل الدلائل والمؤشرات تقود إلى أن هناك خلافاً في الرؤى بين الأحزاب المعارضة، وخاصة أحزاب جوبا في إجراء الانتخابات، بينما تُعقد الاجتماعات بصفة مستديمة بين المرشحين للرئاسة للوصول إلى اتفاق على مرشح رئاسي واحد لينازل الرئيس البشير، نجدهم حتى الآن يفشلون في توحيد الرأي.. يجتمعون وينفضون دون الوصول إلى نتيجة محددة.. والمتابع لحركة المعارضة يصل إلى نتيجة واحدة هي أن رؤساء المعارضة المرشحين للرئاسة لن يتفقوا ولن يصلوا إلى قرار يوافق عليه الجميع بالاجماع.. ظهرت بوادر انشقاق بين أحزاب المعارضة، فنجد أن حزب الحركة الشعبية يقف بعيداً، وفي الجانب الآخر حزب المؤتمر الشعبي يصر اصراراً كاملاً على قيام الانتخابات في موعدها، وهذا الاتجاه يعتبر ضربة مؤلمة في ظهر القوى المعارضة التي هو جزء منها.. والحزب الشيوعي نجده يتخندق في موقعه لأن سلوكيات بعض الأحزاب لا تتماشى مع أدبياته وفلسفته التي يؤمن بها. عموماً نقول.. إن المستر كارتر طرح سيناريو مرفوض من كل مستويات الرأي العام السوداني، وعلى المستوى الرسمي أيضاً، وأن تصريحه المستهجن يفسر على أنه تدُّخل سافر من الشأن السوداني.. باعتبار أن مركزه تم تصديقه لرصد العملية الانتخابية حتى اظهار النتيجة وليس لكارتر أو مركزه حق التدخل وإبدأ أي رأي بخصوص إجراء الانتخابات في موعدها أو تأجيلها.. وكان من المفترض ألا يتدَّخل في شأن لا يخصه، فمركزة كغيره من المراكز الأخرى التي تعمل في مجال الانتخابات، أن يعمل في حدود التصديق الممنوح له.. مرة أخرى نقول لا... يا مستر كارتر وما هكذا!.