نعم إن الغناء للأشجار يعتبر جريمة لأنه يعني السكوت عن جرائم أشد هولاً.. ولا اعتراض لديّ.. على ذاك المثل السوداني الشاهق.. (الناش في شنو.. و«الجماعة ديك في شنو).. وأضحك بل أسخر من مفارقة ذاك الذي جاء إلى أحد العلماء.. وأيديه مخضبة.. بدماء حفيد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وهو يسأل العالم عن حرمة دم «البعوضة في الأشهر الحرم».. وتعود روحي.. ويحتل السلام كل مساحة في فؤادي.. والعالم يقول له في سخرية بل في مرارة تشق الحلوق.. تخوضون في دماء حفيد النبي المعصوم.. وتسألون عن حرمة دم البعوضة في الأشهر الحرم.. نعم أنا أعرف وأعلم كل تلك المفارقات الضاحكة العابثة الباكية.. ونعم أنا أعرف إن الوطن الأيام هذه.. منصرف بكلياته.. إلى صياغة سودان.. إما أن يكون أو لا يكون.. أعلم وأعرف كل ذلك.. ولكن لا بأس أن أتصفح وأقرأ «يوماتي» كل الصحف الاجتماعية والفنية والثقافية.. لأن الحياة كل لا يتجزأ.. ولأن الوطن لا يكون وطناً إلا اذا تلون.. بالأصباغ.. والألوان.. نسيج.. بهيج.. ديباجة.. ملونة.. أنيقة رائعة ومبهرة.. تضيء فيها دائرة من السياسة.. وتنهض فيها فتلات باهرة أو بائسة من الرياضة.. و مربع.. تحتله خيول الابداع الثقافية المطهمة.. والمواطن هو قلب كل هذا.. ومحور كل نشاط.. أموت ألف مرة عندما تموت الدهشة.. في العيون.. والدهشة هي.. أول خطوة في خطوات الاكتشاف.. وأذهب أبعد من ذلك.. لأقول.. في ثقة وصرامة وحديدية وانضباط.. أن الدهشة.. هي.. التي.. تحدد الشخص.. إن كان حياً أو من الأموات.. وأذهب مباشرة إلى صحيفة «آخر لحظة».. وتحديداً عددها الصادر يوم السبت.. 20/3/2010م.. واطالع حواراً.. مع المذيعة الاعلامية الأستاذة/ ريم علي مصطفى لا شيء.. يعنيني في جل ذاك الحوار.. ولا شيء أدهشني ويدهشني.. في كل الأسئلة والردود.. فقط جزئية صغيرة.. وسؤال واحد.. أضرم النار في فؤادي.. ليس خوفاً على فؤادي.. أو حتى كل جسدي.. فليحترق ما شاء له الاحتراق.. ولكني أشفق على عدم دهشة.. القائمين على أمر الثقافة.. ثم القائمين على أمر قناة النيل الأزرق.. ثم الأوصياء على صياغة وصيانة هذا الشعب المسكين.. ثم أولئك المنقبين في ضمائر الناس.. وكيف هو مطبق ذاك الصمت المخيف..لا معركة في الأفق.. ولا قتال تجرد له السيوف.. بل حتى لا مداد يراق.. على صفحات الصحف.. لأسأل في فزع.. ماذا حل بهذا الوطن.. لماذا لا تدهشنا أشياء مثل ذلك.. وحتى.. أضعكم في الصورة تماماً.. إليكم سؤال الصحفي.. منقولاً بالنص من الصحيفة.. وأكتب لكم إجابة المذيعة منقولة بالحرف.. من ذات الصحيفة.. فإلى السؤال.. ثم الاجابة.. يسأل المحرر.. «ما هي نوع المضايقات التي تعرضت لها؟!» إجابة المذيعة «على سبيل المثال يحسسني بعض العاملين بالضعف من خلال تهميش رأيي.. كما سجل الكثيرون أصوات لوم ضدي.. لمدير القناة الذي قال لي إن الموظفين قالوا إنك انسانة غير «ودودة» لأنني لا أجلس وأتبادل الكلام معهم.. فقلت له أنا في مكان عمل ولا يوجد ما يدعني أجلس بعد الانتهاء من عملي فهل أخطأت؟!». وقبل أن أجيب على المذيعة.. على سؤالها الأخير.. أقول إن الأقواس التي «حاشت» كلمة ودودة ليست من عندي فقد نقلتها بالكربون من الجريدة.. أما إجابتي على المذيعة.. ليس في تصرفك أي خطأ.. إن كان ما أوردتيه صحيحاً ومؤكداً. ثم.. أنتم أحبتي القراء.. هل أدهشتكم تلك المقابلة الصحفية.. أم مرت عليكم هذه الصواعق.. كما يمر نسيم الفجر.. الذي يغري.. بالاسترخاء والنوم.. وحفظ الله الوطن.. وأدام.. على شعبه فضيلة الدهشة.. عندما.. يلوم غير المألوف.. في أرض.. تتساكن مع المألوف.