السيناريوهات الجارية في الشارع السياسي وما يثار عن حمى الانتخابات والجدل المثير حولها وبالونات الاختبار التي يطلقها المرشحون على مستوى الرئاسة بالأخص التحالف الجماعي، كل هذه البالونات المضادة تصب في مصلحة الرئيس البشير لأنه الأكثر حظاً في الفوز بالمقعد الرئاسي.. الرئيس البشير الآن في نظر أي سوداني صار الرمز والرقم فقد تصدى البشير للكثير من التحديات ووقف موقفاً أثبت أنه رمزاً للدولة والوطن ومواطنيه وبرهن على أنه صلب ومدافع جسور تتجسد فيه خصائص القيادة وأنه بالفعل رجل دولة وحكم. وفي السباق الرئاسي المحموم وسيناريوهات التحالف والتآمر ومسك العصا من منتصفها يظل موقف بعض الساسة والرموز غامضاً نسبة للمواقف المتأرجحة لهم التي تميل الى تحقيق مكاسب شخصية وأحياناً أخرى حزبية.. فحقيقة باءت كل محاولات المؤتمر الوطني بالفشل حيال توحيد الصف الوطني من خلال اللقاءات التي تمت بين الحزب وأحزاب القوى السياسية.. وحتى حزب الحركة الشعبية الشريك في الحكم احتار المؤتمر الوطني في تفسير مواقفه المتقلبة فتارة مع المعارضة الشمالية لوضع ضغوط على المؤتمر الوطني وتارة يميل إلى شريكه في الحكم ليحافظ على قسمة الثروة والسلطة أهم مكتسبات اتّفاق نيفاشا. وقبل انعقاد الانتخابات والتي بدأ موعدها يقترب.. نقرأ في الخارطة السياسية أن بعض الأحزاب السياسية التي وافقت على خوض الانتخابات في جميع مستوياتها لم تشكل قوامها بعد ولم تستعد فعلياً ولم تبلور فكرها وبرنامجها الانتخابي استعداداً للعملية الانتخابية لذا بدأت الآن تنادي بتأجيل الانتخابات أو إلغائها لأسباب واهية.. هذا بالإضافة الى أحزاب بعينها أصابتها لعنة الانقسام وتشتت عضويتها وتحتاج الى دمج أطرافها في حزب واحد بأهداف وإستراتيجية جديدة ومحددة لكن الوقت المتبقي للعملية الانتخابية لا يكفي لترتيب أوضاعها واسترجاع عضويتها واستقطاب عضوية جديدة مقتنعة بالبرنامج السياسي للحزب. السؤال المطروح الآن ونحن نشاهد التحركات الداخلية والخارجية سعياً لإيجاد الحلول الحاسمة لقضايا الوطن الساخنة مثل قضية دارفور وما يدور في الجنوب من رؤية الجنوبيين المزاجية لفكرة الانفصال أو الوحدة وضغوط التيار اليساري داخل الحركة الشعبية يجعل الموقف في الجنوب معقداً.. فما هي احتمالات التوافق الوطني لكل القوى المعارضة.. للالتفاف حول مرشح رئاسي واحد واستراتيجية واحدة لمنازلة مرشح المؤتمر الوطني الذي يعمل جاهداً لإسكات الأصوات التي تنادي بتفتيت وحدة النسيج السوداني.. إن أكبر معضلة تواجه السودان الآن هي المعارضة نفسها، قضية دارفور التي ظهرت شعاعات أمل للوصول للحل عن طريق الوساطة القطرية والاجتماعات التي تشهدها الدوحة القطرية الآن بين فصائل دارفور المسلحة وممثلي الحكومة لا نرى سنداً أو تشجيعاً أو تأييداً من الأحزاب المعارضة للمشاركة في حلها لكنها تقف بعيداً وفي نفس الوقت تسكب الزيت على النار لكي تظل القضية مشتعلة.. والآن مفاوضات الدوحة والمساعي الجارية تحمل بشريات التوافق وحلحلة كل المشاكل العالقة بين الحكومة والحركات الدارفورية والحسم النهائي لمشكلة المناوشات الحدودية وتحركات المعارضة السودانية التشادية عبر الحدود المشتركة بين الدولتين.. وقد قاربت على الانتهاء ويبرز هنا مؤشر التفاؤل بأن وتيرة المشكلة الدارفورية في تضاؤل ورسالة واضحة للحركات المسلحة الدارفورية لتحكيم صوت العقل للانحياز لمتطلبات مواطني المنطقة وتحقيق تطلعاتهم للاستقرار والعودة وممارسة حياتهم الطبيعية ورفع شعار لا عودة للاقتتال والحزب مرة أخرى. وطبقاً للمشهد السياسي الراهن يشعر المرء بأن هنالك انفراجاً كبيراً في الموقف السياسي وأن الغالبية مقبلة على الانتخابات بروح طيبة هذا إذا آمنت القوى الوطنية السياسية جميعاً بأن السودان بلد الجميع ولا فرق بين معارضة وحكومة طالما أن الاثنين يجتهدان من أجل السودان البلد الواحد دون النظر لأي مفارقات قبلية أو جهوية أو عرقية ولكن يبقى سؤال عالق ماذا في جعبة أحزاب المعارضة لكي نراها مختلفة الرؤى ومتباينة الأفكار وأين اختفت شعارات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ولماذا أظهرت حالات التخندق والتشرذم والتحالف ضد مرشح واحد وأين هي مفاهيم الديمقراطية التي رفعوا شعاراتها.. عموماً فالمسافة الآن بين المواطنين وصناديق الاقتراع ليست ببعيدة.. فهنيئاً للمعارضة في حالة توحدها.