إشارات جديدة تنم عن ارتفاع درجة الوعي والإدراك لدى الناخب السوداني وعلى ضوء جولات بعض الساسة في دوائرهم التقليدية، يعكس المشهد السياسي فتوراً ملحوظاً لدى الجماهير تجاه ما يُسمى بالقيادات التاريخية.. فالحماس والهتاف لم يعد حاراً بفعل حزمة الإحباطات التي أصابت القواعد الحزبية قبل الانتخابات بالإضافة إلى إهمال القيادات لقواعدها وقطع الاتصال بينهما.. وكما كانت الوعود بالسابق يؤمن بها الناخبون، أصبحت الوعود الآن لا تجد آذاناً صاغية، ولسان حالهم يقول «شيكات الخرطوم رصيدها زيرو في بنوك الأقاليم».. هذه الصورة تؤكدها حقيقة ما حدث للقواعد الحزبية منذ أبريل 1985 وحتى الآن موعد قيام الانتخابات.. فالمزاج السياسي المتقلب لقيادات الأحزاب،التي بات همها الأول البحث عن كراسي الحكم، ونسيت تماماً قواعدها الجماهيرية واستحقاقاتها لنضالها أيام العهد المايوي. وبعد زواله حدث ما حدث وخرج المناضلون المنتمون للأحزاب السياسية الكبرى من المولد بلا حمص أو قطعة من الكيكة التي التهمها أصحاب الخطوة ورواد الفنادق ذات السبعة نجوم «أصحاب النضال الفاخر»، ولذا فشلت الأحزاب طيلة سنوات مضت في استقطاب عضوية جديدة بل ان غالبية أعضائها انسلخت منها للبحث عن أحزاب أخرى لها مقومات وإمكانات وبرنامج سياسي مقنع «وهكذا لأول مرة نسمع بعدد من الانشطارات في أحزاب كانت تتحكم فيها قياداتها.. وكانت تصوب رصاصة الرحمة لأي عضو من أعضائها يعتزم الخروج عن موجهات القيادة. الآن ولأول مرة في السودان نشاهد تغييراً جوهرياً في عقلية الناخب السوداني.. وتهتز صورة المرشح المقدس أمام ناخبيه بشعور صادر دون خوف أو تردد، فثورات التغيير في السنوات الماضية كسرت حاجز الخوف بين الناخب ومرشحه التقليدي، ولذا فإن من يقرأ ما يدور في خلد المعارضة يجد أنها تتجرع كؤوس الندم والحسرة نتيجة بُعدها عن ناخبيها، حقيقة هناك «بعد ومسافة» بين بعض أحزابنا السياسية وقواعدها الجماهيرية وهنالك أيضاً سبب جوهري ورئيسي أدى إلى ذلك فالجماهير لاتشارك القيادات في الأفكار السياسية فالقرارات تنزل من الراعي إلى القواعد ولا تفسير لذلك وبشهادة الجزء الاكبر من الجماهير بعض القرارات مليئة بالطلاسم فمن يحلها أو يفسرها للناخب؟ الجدل المحتدم بين مرشحي الرئاسة عن كيفية خوض الانتخابات تمخض عنه التراشقات التي حدثت، وتوجيه الاتهامات بالتقاعس والانشقاق والخروج عن الإجماع وأن أحزاب معارضة بعينها صوبت نيرانها هذه الأيام نحو المفوضية القومية للانتخابات تدينها بعدم الجدية والنزاهة في قراراتها، بل اتهمتها بأنها آلية من آليات حزب المؤتمر الوطني وهذا تغيير ملحوظ في نظرة المعارضة.. بعد أن تيقنت أن حزب المؤتمر الوطني صمم وبكل تأكيد على خوض الانتخابات في موعدها المحدد دون أي تأخير حتى ولو ليوم واحد. وعلى ضوء ما تقدم يفسر المهتمون بالشأن السياسي الداخلي أن المعارضة فقدت مقدرتها على التركيز لكيفية دخول العملية الانتخابية، وكل سلوكياتها وترددها يدل على أن أحزابها غير مستعدة وفشل مرشحوها للرئاسة على الاتفاق على استراتيجية موحدة.. فهي التي نادت من قبل بتقديم مرشح واحد لمنافسة المرشح الرئاسي لحزب المؤتمر الوطني.. والآن مترددة مما يدل على اختلاط أوراق اللعبة الانتخابية وأدى ذلك إلى التخبط في خطابها الدعائي لحملاتها الانتخابية. والسؤال هنا من يعيد لقيادات المعارضة البوصلة للسير في الطريق الصحيح من أجل مصالح البلاد العليا.. وحفظ السودان من المهددات الخارجية.. التي كما تزعم المعارضة أن هذه المهددات ستمزق وحدة السودان ونسيجه الداخلي..عموماً نقول: إن أحزاب المعارضة تدرك تماماً أهمية الانتخابات فهي نادت بقيامها بحجة الانتقال من مرحلة الشمولية إلى الديمقراطية لترجمة شعار التداول السلمي للسلطة لبناء سودان جديد.. لكن المعارضة أيضاً تغض النظر عن اتفاق نيفاشا الذي تتضمن أجندته بنداً مهماً هو قيام الانتخابات تمهيداً للوصول إلى مرحلة الاستفتاء على مصير الجنوب.. فهل قرأت أحزاب المعارضة دفتر اتفاق نيفاشا جيداً؟ إذا كانت الإجابة بنعم.. إذاً فلماذا هذا الصراع والعويل للمناداة بتأجيل الانتخابات أو الغائها.. وإذا غاب على أحزاب المعارضة الاطلاع على اتفاق نيفاشا فيعني ذلك أن المعارضة ما زالت محلك سر و لم تخطو خطوة واحدة للوقوف على التطورات والتغيرات التي حدثت في السودان على مدى عقدين من الزمان.. وفي منحى آخر نقول إن هنالك قضايا خلافية كثيرة تخيم على أجواء وأوساط أحزاب المعارضة الآن وأهم هذه القضايا السؤال الحائر والذي يصعب على الأحزاب التي قدمت مرشحيها للسباق الرئاسي للإجابة عليه.. من يتنازل لمن لمنافسة مرشح حزب المؤتمر الوطني للرئاسة..؟