{ الذي تابع الحملات الانتخابية يقف كثيراً عند سلوكيات بعض الأحزاب المتنافسة التي شاركت في الانتخابات هذه السلوكيات في كثير من الأحيان شابها بعض الانفعالات ونبرة التوتر والخوف من الفشل وحقيقة أن الأحزاب المعارضة والمقاطعة تجيد لعبة الاستفزاز لكن حزب المؤتمر الوطني ضاق ذرعاً بأساليب المعارضة وانفعل إلى الحد الذي كاد أن يشوه صورة حملته الانتخابية. {قيادات الأحزاب مشهود لها بالحنكة السياسية واستخدام لغة المناورة والتراشق بمدلولات ومصطلحات لا تتوفر لدى الأحزاب حديثة الولادة.. وهؤلاء القيادات رضعوا السياسة من ثدي حكماء وعظماء ومن خلال تجربة سياسية ثرة أثقلتهم.. وعندما يخاطبون مستمعيهم يتكلمون بنبرة هادئة وبلغة محشوة بالألغام وقنابل الملتوف الحارقة. { المتابع أيضاً يجد أن بعض قيادات الأحزاب المقاطعة خرجوا عن الخط السياسي المألوف وجنحوا إلى التجريح والتشويه والقدح في حق حزب المؤتمر الوطني وظلوا يستخدمون مصطلحات لا يقبلها الناخب السوداني ويشمئز منها رجل الشارع، وفي بعض اللقاءات عمدوا إلى إحداث مشادات كلامية يشوبها الوعيد والتهديد. { هنالك مفاهيم خاطئة في العقلية السياسية السودانية.. وستظل القدرة على الوصول إلى سدة الحكم هي مبتغى وهدف رئيسي لكل الأحزاب السياسية خارج السلطة وداخلها الأحزاب التقليدية الكبرى تفقد بريقها عندما تكون بعيدة عن كراسي الحكم فهي تظن أنها خٌلقت للحكم وليس للمعارضة.. لذا فاستعمالها لأسلوب التراشقات وتبادل الاتّهامات يؤثر وبشكل فعّال في الوصول إلى مفهوم التحوّل الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة وفي ظل غياب بيئة سياسية صحية ومستقرة تظل أطراف عديدة من القوى السياسية المتعصبة بعيدة عن المشاركة في الحكم حتى ولو كانت أفكارها بناءة تصب في مصلحة البلاد العليا. { وبالرغم من أن اتّفاق نيفاشا صحبه الكثير من الإيجابيات التي تركت بصماتها على الحياة السودانية أولاً أرست قواعد الاستقرار السياسي في الجنوب أما في الشمال فما تزال القوى المعارضة المتمثلة في الأحزاب الكبرى ترى أن الاتّفاقية ثنائية وناقصة لعدم مشاركة القوى السياسية الأخرى، أدى ذلك إلى ترك شرخ في الحياة السياسية في السودان باعتبارها اتّفاقية أُبرمت بين قوتين حاملتين للسلاح مع أن المعارضة تنسى أن اتّفاق نيفاشا فرض واقعاً سياسياً جديداً وأنهى حرباً ضروساً بين الشمال والجنوب وأهم الإيجابيات أيضاً ظهور حزب سياسي جنوبي قوي «حزب الحركة الشعبية». { الأحزاب السياسية «أو بالأخص أحزاب جوبا» في تناقض مستمر مع قواعدها وعجزت عن تقديم برامجها فحتى الآن لا تعرف ماذا تريد لذا كانت في محاولة دائبة لتتخطى مرحلة الانتخابات أو الوصول إلى حالة إفساد الجو السياسي لإلغائها أو تأجيلها فهي متقلبة المزاج، في البداية حثت جماهيرها على خوض الانتخابات وأعلنت التعبئة والاستعداد للعملية الانتخابية في الوقت الذي صرّح زعماؤها.. بالمقاطعة والتشكيك في هيكلية الدولة وخاصة المفوضية القومية للانتخابات. {إجراء الانتخابات استحقاق طبيعي وبند أساسي مضمّن في اتّفاق نيفاشا ولا يمكن الوصول إلى مرحلة الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب إلا بالعبور عن طريق بوابة الانتخابات.. لذا فكّرت الحركة الشعبية في المشاركة في الانتخابات واقتنعت بقيامها في موعدها كي لا يكون هنالك خرق واضح لاتفاق نيفاشا.. مناداة البعض من منتسبيها بتأجيل الانتخابات كان الهدف منها إجهاض العملية الانتخابية وتنم عن عدم إدراك منهم لأن الحركة الشعبية تعرف تماماً أن الانتخابات مرحلة هامة في المسيرة السياسية التي رسمها اتفاق نيفاشا.. ولعل المتتبع لمسار الشأن الجنوبي وما يدور في عقلية حزب الحركة الشعبية يدرك على الفور أنه طرف في الحكم لذا يحاول البعض النشاز أن تكون الحركة خصماً مشاكساً لإضعاف شريكها بوضع العراقيل في طريق اتفاق نيفاشا ومسلك مثل هذا يُفسر بأن غرضه الكيد السياسي لحزب المؤتمر الوطني وابتزاز سياسي واضح يصب في مصلحة العناصر اليسارية داخل الحركة وأحزاب جوبا التي اطلقت عليها الحركة نفسها رصاصة الرحمة بعد أن عملت جنباً إلى جنب مع المعارضة السياسية ضد حزب المؤتمر الوطني لكنها رأت أن مصلحتها أن تبقى مع المؤتمر الوطني. {وأخيراً وبعد ظهور النتائج وفوز حزب المؤتمر الوطني بكرسي الرئاسة وغالبية مقاعد الولاة والبرلمان لجأت الى تسميم الجو السياسي بإدعاءات المحكمة الجنائية والمعايير الدولية للانتخابات لتغطي بها فشلها في الانتخابات لإحداث دربكة سياسية ولتكون المحصلة النهائية هي تقويض مسار التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة التي سعت إلى تحقيقه عبر شعارات خالية من أي مضمون فحكومة اليوم هي حكومة شرعية ومُنتخبة ولتشرب المحكمة الجنائية من ملاحات بورتسودان.. ولتذهب المعايير الدولية إلى حيث يتم تطبيقها فمعايير الانتخابات السودانية كانت مثالية ولا شك في ذلك!!