أمس الأول انتهى إضراب الأطباء قطاع النواب.. بعد أن أخذت قضية إضرابهم صدىً مهنياً مصحوباً بشلل ارتعاشي«سياسي»، وكانت فترة الإضراب اختباراً حقيقياً لقدرات شيوخ المهنة المصابين بمرض«لوكيميا» اليسار.. انتهى الإضراب وكانت نتيجته النهائية صفرية مائة في المائة للذين أرادوها نيراناً حارقة تأكل الأخضر واليابس في زمن أمطار الشتاء الغزيرة. سجل إضراب الأطباء سابقة في تاريخ وزارة الصحة، حيث برهنت قيادات الوزارة من وزرائها ووكيلها ومديري إداراتها أنهم نعم القيادة والقدوة.. حيث أداروا المعركة بكل مهنية بعيداً عن التشنجات والانفعالات وبناءً على حوار وتفاوض عالي المستوى بين الوزارة ولجنة مفاوضي الأطباء.. نعم استجابت للمطالب المرفوعة من الأطباء وأقرت بمشروعيتها.. لكنها في نفس الوقت كانت صلبة ولم تستجب قط للضغوط واستفزازات البعض، وتحملت رذاذ الهجمات وامتصت موجات الغضب من البعض، وكان ما كان.. وأخيراً انتصرت لموقفها ومصداقيتها وثباتها على مبادئها.. وما حصل عليه الأطباء كان مقراً ومصدقاً منذ بداية المفاوضات.. لكن ما هو محزن أن قامت الدنيا وأراد لها البعض ألا تقعد.. بمحاولات يائسة لتعقيد الأمور واستدعاء أطراف خارجية لدخول الحلبة. قضية الأطباء اختلطت فيها المهنية مع الأيدولوجية وتسربت إليها الأفكار السياسية التي تهزم مهنة الطب؛ لتفرغها من أهدافها النبيلة وإنسانيتها واحترامها وقدسيتها.. ولأن السياسة مفسدة وتحمل دائماً دماءً ملوثة تؤدي إلى مرض السرطان الهالك.. كان على الأطباء أن يرجعوا لصوت العقل والحكمة ويعيدوا النظر في تحليل القضية من كل جوانبها.. المطلبية والمهنية.. وجاءت نتيجة التحاليل انتصاراً للمهنية وكشفت صور الأشعة وجود أجسام غريبة سرعان ما أزيلت بمياه الصحة المستمدة من النيل الأزرق القريب من المنبع.. انتهت الذوبعة وحقاً كان قيامها ضرورة لازمة وفي زمن حرج، لتثبت لشيوخ اليسار وكهنة الميدان الأحمر أن الصحة بخير وفي مخزونها أدوية تعيد سرعة النبض، ومحاليل لإزالة البقع الحمراء.. انتصرت الصحة عندما عالجت أمر الإضراب بكل احترافية ومهنية.. وعندما وزعت منسوبيها من كتائبها الإستراتيجية لحفظ التوازن المهني بين المؤسسات الطبية، بحيث لا يتأثر المرضى وطالبي العلاج. ومن جانب آخر انتصر الأطباء في الحصول على مطالبهم المشروعة والتي تعتقد الغالبية أن المطالب حقوق أساسية لمهنة الطب النبيلة، لكن ما يؤخذ على الإضراب من عيوب هو جنوح عدد من الأطباء لتحريض زملائهم الذين تطوعوا للعمل عطفاً على المرضى.. أن يتركوا مواقفهم وينخرطوا في الإضراب.. وهذا سلوك مستهجن وترك آثاراً سيئة في نفوس المرضى وقطاعات الرأي العام المختلفة. لكن ومع ذلك فإن الجميع استوعبوا الدرس وكان الإضراب إشارة واضحة للتفريق بين المسؤولية المهنية والتدخلات السياسية. عموماً نقول إن الرأي العام انفرجت أساريره برفع الإضراب، ولسان حاله يردد في قضية الأطباء: ليس هناك غالب ومهزوم بل كانت سحابة صيف وانقشعت.. مع أن البعض كان يأمل أن تحمل هذه السحابة عواصف وذوابع رعدية وصواعق ولكن خاب ظنهم. فهنيئاً لوزارة الصحة والتهنئة موصولة لكل العاملين بها من القمة حتى القاعدة.. مع مناشدتنا لبعض العناصر التي تنتمي إلى قطاعات مهنية رفيعة ألاَّ تخلط بين واجب المهنة والمعتقدات الآيدولوجية.. حتى لا يحدث الضرر للإنسان والبيئة وجنوح فئة إلى التخريب وتدمير الصروح الوطنية.