تحليل سياسي للمرة الثانية – فى غضون أسبوعين – ينفذ الأطباء المنضوين تحت لواء لجنة الأطباء إضرابهم مطالبين الحكومة السودانية – بحسب بيان أصدروه فى هذا الصدد – بتحسين شروط خدمتهم وإصلاح أوضاعهم المهنية. فى المرة الأولي لم يسفر الإضراب عن شئ ؛ فقد كان واضحاً ان لجنة الأطباء تجاوزت المطالب المهنية المشروعة الى ما هو أكبر من ذلك و اتخذ الأمر فى مجمله منحي سياسياً . ولعل أبلغ دليل على ان الإضراب الأول لم يسفر عن شئ ذي بال معاودة اللجنة الدعوة للإضراب الثاني لمدة 72 ساعة . المشكلة فى هذه الأزمة أنها (ليست أزمة) فقد احتوي بيان وزارة الصحة السودانية على كافة تفصيل شروط الخدمة والتحسين الهائل الذى طرأ عليها، والمعالجات التى تمت بشأن المفصولين الذين جرت إعادتهم ، ودفع المتأخرات . وكان الأمر اللافت فى بيان الوزارة والذي سبق و أن اشرنا الى جانب منه فى تحليل سابق أن شروط خدمة الطبيب بدءاً من مدخل الخدمة (طبيب الامتياز) مروراً بالنواب وحتى الاختصاصيين لا مثيل لها فى هياكل الخدمة المدنية . الشئ الغريب أن لجنة الأطباء – رغم كل ذلك – تصر على الإضراب وهذا معناه أنها (تسعي لأكثر مما تم الحصول عليه) وهذا بالضبط ما أفقد الإضراب الحد الأدني من المقبولية ، إذ ليس صحيحاً على الإطلاق ان الإضراب متفق عليه وسط كافة الأطباء فهنالك المئات ممن رأوا أن الإضراب ليس له من دواعٍ جادة حقيقة بعدما عالجت الوزارة الأمر بوضوح وبجدية عالية . ومن المعلوم – قانوناً – ان الأطباء عند تخرجهم ومباشرتهم للمهنة يقسمون قسماً معروفاً المقصد الأساسي منه هو أن يراعوا حرمة المهنة و ضروراتها الإنسانية ولهذا فان إضراب الأطباء – سواء بحكم القانون او بحكم القسم المهني – يصادم القيم الإنسانية ويتعارض مع الدور الإنساني للطبيب باعتباره منقذ حياة ، و معالجاً يقف حائط صد بين فرضيتي الموت والحياة . ان رائحة السياسة فى هذا الإضراب - مهما غالط البعض وعمل على مداراتها- ظاهرة وماثلة للعيان وقد أزكمت الأنوف حقاً ، ففي ظل الظروف التى يعيشها السودان حالياً وبالنظر الى ما قررته وزارة الصحة بشأن أوضاع الأطباء فان من الصعب إيجاد تفسير أو مبرر لهذا الإضراب !