ازدادت حدة التوتر بين المؤتمر الوطني وقوى المعارضة الأخرى، خاصة المشاركين في تحالف جوبا، الذي يضم الأحزاب الكبيرة، على نحو يدعو للقلق والترقب لمستقبل بلد كانت ملامحه قد ظهرت ولا حت مبشرة في الأفق مع بداية العملية الانتخابية، بانخراط الجميع فيها، إيذانا ببدء تحول ديمقراطي جديد وكبير يحتاجه السودان في هذا الظرف من تاريخه. إلا أن المعارضة، بعد قطع شوط كبير من الخطوات الإجرائية نحو وصول العملية الانتخابية إلى نهايتها، وقفت واعترضت مهددة بالمقاطعة، وطالبت بتأجيل الانتخابات، لأنها رأت أن العملية برمتها في طريقها لتزوير كبير من جانب المؤتمر الوطني، وأن المعارضة بهذه الطريقة لو واصلت ستكون عبارة عن حامل يستند عليه الوطني ليقنن وضعه الدستوري داخل السودان، مما يساعده على مواجهة أي تحد خارجي، وخاصة في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب باعتقال رئيس الجمهورية للمثول أمامها لاتهامه بارتكاب جرائم حرب بدارفور. الحزب الحاكم من جانبه يرى أن المعارضة بدأت تخشى على نفسها من الانتخابات، ولذلك بدأت ترفع الحجج وتضع العقبات حتى تنأى بنفسها من هزيمة محققة. وأصر البشير على قيام الانتخابات بموعدها، وزاد: «إذا المعارضة لاتريد الانتخابات إذن نحن لا نريد الإستفتاء»، وهذا الأمر مرفوض تماماً من جانب الحركة الشعبية التي أخذت الأمر على عاتقها، وكأن السودان أصبح مباراة للتنس بين لاعبين أساسيين، كل منهما يركل الكرة، ليرد عليه الآخر بقوة. ويرى مراقبون أن الحركة الشعبية في هذه المباراة تصطحب معها المعارضة الشمالية وعلى رأسها الأحزاب الكبيرة الأمة والاتحادي والشعبي، لتسجل ضغوطاً على الوطني لتحقيق منافع شخصية لها على حساب هذه الأحزاب، مثلما فعلت واجتمعت بهم في مدينة جوبا من قبل، وكوّنت تحالفاً في مواجهة الوطني، استطاعت بهذا التحالف أن تحقق لنفسها تمرير بعض القوانين، في مقابل إجراء الانتخابات، كما يرى المراقبون أيضا أن الوطني يستقوي بالأحزاب الجنوبية ضد الحركة الشعبية، ولكن يبقى أن هذه التحالفات تكسب الشعبية أكثر من الوطني، نسبة إلى قوة الأحزاب الشمالية نفسها. الحركة الشعبية زادت الأمر تعقيداً وهددت أمس في وجود أحزاب تحالف جوبا أن الاستفتاء سيقام بموعده، وليس من حق الوطني ربط تأجيل الانتخابات بالاستفتاء، ورفعت سقف التهديد إلى أنها ستشارك في انتخابات الجنوب وسوف تقاطع انتخابات الشمال لو رفض المؤتمر الوطني التأجيل. الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا «محمد عثمان الميرغني» بعدما كان يرى أن تأجيل الانتخابات مجرد تضييع للوقت إذا ما صاحبه فتح باب التسجيل وحل أزمة دارفور، غيّر موقفه وانحاز إلى طلب المعارضة في التأجيل، مبرراً ذلك بأن الحزب تأكد أن العملية في طريقها إلى تزوير كبير، وخاصة الانتخابات الرئاسية والولائية. وقال حاتم السر، مرشح الاتحادي لرئاسة السودان، ل «الأهرام اليوم»: «إن الحركة الشعبية أكدت أن هناك عملية تزوير كبيرة سوف تحدث، وإنها ملكتنا معلومات خطيرة حول هذا الأمر، بالإضافة إلى أن مفوضية الانتخابات نفسها منحازة تماماً للوطني»، مؤكداً أن أمر تأجيل الانتخابات ليس له علاقة بتأجيل الاستفتاء، وأن الانتخابات لو أجلت ستكون في شهر نوفمبر المقبل، وأن الاستفتاء في شهر يناير، ولذلك الانتخابات سوف تسبق الاستفتاء، ولن تأتي بعده كما نصت اتفاقية السلام. وتوقع السر أن يقبل الوطني بالتأجيل، وقال «إن المؤتمر الوطني يريد أن تظل الحكومة ونحن نوافق على استمرار الحكومة، فنحن غير راغبين في السلطة». داعياً العاقلين في المؤتمر الوطني إلى تحكيم العقل في معالجة الأزمة حتى تنجو البلاد من أي مخاطر قد تهدد أمنها واستقرارها. ورهن المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي موقفه من عملية التأجيل بموقف الحركة الشعبية منه، وقال كمال عمر الأمين السياسي للشعبي ل «الأهرام اليوم» أن الحركة موقفها لم يتضح بعد فما زالت تهدد، رافضاً موقف الحركة بأن تخوض انتخابات الجنوب وتقاطع الشمال، وقال: على الشعبية أن تقاطع جميع الانتخابات في جميع الدوائر التي تنازل فيها المؤتمر الوطني، على مستوى الولايات الجنوبية المختلفة أيضاًَ، فيما عدا ذلك فالتأجيل ليس له أية قيمة. مشيراً إلى أن الشعبي يرهن موقفه بالشعبية لأنها هي التي وفرت الغطاء المتعلق بالانتخابات والدستور الانتقالي مع المؤتمر الوطني، بالإضافة إلى أن الشعبي يعول على الجنوب، وأن هناك مواقف متضامنة في اتجاه واحد، موضحاً أن المؤتمر الوطني لديه أزمة كبيرة، وأنه يبحث عن شرعية وبيئة سياسية مناسبة، مؤكداً أن تحقيق ذلك للوطني عبر تحقيق بعض النتائج. كما أكد الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي بأن المقاطعة السلبية لن تحقق غرضاً، وأنها ستكون في مصلحة الوطني، مضيفاً: «سوف يحدث تزوير في الانتخابات والشعبي يعي ذلك تماماً، ولكن التزوير جريمة ليست حديثة، وبمشاركتنا سنقدم نموذجاً حقيقياًً لإثبات هذا التزوير، لأن أهم ما في هذه العملية هي الحراك الجماهيري الكبير». وتوقع عمر أن الوطني لن يؤجل الانتخابات، وأن المعارضة ستقاطع، والشعبي سيدخل الإنتخابات. وقال الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، في تصريحات صحفية: «لا أستطيع أن أجزم الآن وأحدد موقفنا إذا قررت الأحزاب الأخرى المقاطعة.. ليس لدي رأي قاطع الآن.. لأن الموضوع كله في حالة ميوعة». وحول توقعاته لموقف المؤتمر الوطني المنتظر قال المهدي: «المؤتمر الوطني وضع كل بيضه في سلة الانتخابات بصرف النظر عن كل المشكلات الحالية». مضيفاً: «نحن نرى أن حزبنا الآن خاض الانتخابات.. وقطع شوطاً كبيراً فيها.. يصعب معه الانسحاب منها.. وقمنا بتعبئة لا بأس بها.. لذلك فإن توجهنا أكبر نحو خوض الانتخابات، وأنا أعتقد أن %50 نزاهة تكفينا لتحقيق نتائج باهرة.. ولكن الخوف من أنه باستمرار الأساليب الفاسدة سنحرم من النتائج التي نريدها»، مؤكداً أن من مصلحة السودان تأجيل الانتخابات لمعالجة المشكلات العالقة.. حتى لا تتحول الانتخابات إلى السيناريو الكيني، وهو وارد. واستبعد د. مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار رئيس الجمهورية وأمين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني، أن تقوم الحركة الشعبية بعملية انسحاب من الانتخابات باعتبارها استحقاقاً نصت عليه اتفاقية السلام، مبيناً أنه لا يوجد أي نص قانوني بالاتفاقية يدعو إلى تأجيل الإنتخابات، مضيفاً أن الاتفاقية قدّمت الانتخابات على الاستفتاء، واشترطت حكومة منتخبة لإجرائه، وإذا أرادت الأحزاب تأجيل الانتخابات عليها الذهاب إلى الحركة الشعبية لإقناعها بتأجيل الاستفتاء عندها فقط يمكن الحديث عن تأجيل الانتخابات. مفوضية الإنتخابات من جانبها فنّدت كل اتهامات المعارضة لها بالانحياز إلى الوطني، وأكدت أنها ستقيم الانتخابات بمن حضر.