بعض ساستنا لا يرحمون ولا يريدون لرحمة الله تعالى أن تتنزل على خلقه وعباده، وهم بالضرورة يظلمون أنفسهم في المقام الأول بظلمهم للآخرين، فقد أدهشنا وأدهش غيرنا من ضيوفنا الذين جاءوا إلينا من كل فج عميق، صراخ بعض الذين انسحبوا (سياسياً) من العملية الانتخابية، ذلك الصراخ الذي يجرح الحناجر ولا يهز المنابر تباكياً على مواقع عالية رفيعة في دنيا الأحلام، وترويجاً لبضاعة كاسدة أطلقوا عليها اسم (التزوير) في كل مراحل العملية الانتخابية، بدءاً من الاحصاء السكاني مروراً بالتسجيل وإنتهاء بالاقتراع. الذين لا يرحمون هاجموا المفوضية القومية للانتخابات وهاجموا القائمين بالأمر عليها، وهم ممن يشهد لهم الجميع بالكفاءة والخبرة، والقدرة والحنكة، وتحكيم الضمير المهني، وأكثرهم لم يتلوث تاريخه الطويل في العمل العام المستمر على مدار ومدى كل الأنظمة الوطنية التي عايشوها في مختلف المواقع التي عملوا بها، منذ أن نالت بلادنا استقلالها، وعلى رأسهم مولانا أبيل ألير، والبروفيسور عبد الله أحمد عبد الله والدكتور جلال محمد أحمد.. وغيرهم. نحن لا ندافع عن المفوضية القومية للانتخابات فهي الأقدر على ذلك منا.. والأولى.. ولن نسكت عن خلل نراه في أداء أية مرحلة من مراحل العملية الانتخابية، لأن هذا هو واجبنا الأهم، وقد حددنا موقفنا من الأخطاء الفنية التي صاحبت اليوم الأول للاقتراع، وطالبنا بالتحقيق في الأمر، وتساءلنا عن الأسباب التي منعت إجراء تمارين أو (بروفات) لتسليم البطاقات.. وقبل ذلك مراجعتها والتدقيق في اعدادها وأحجامها ومحتوياتها ووجهتها حتى لا يحدث ما حدث. الآن أخذ الذين لا يرحمون من ساستنا في فتح نيرانهم على المفوضية، واتهموا القائمين بأمرها بتُهم تقود حتماً إلى القضاء، وهاجموا الحكومة رغم أنهم كانوا جزءاً من تكوين المفوضية، وذهب بعضهم إلى حد الهجوم على الولاياتالمتحدةالأمريكية، والصاق تهمة التواطؤ مع المؤتمر الوطني بها، واتهموا الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بأقذع التُهم هو والمبعوث الأمريكي سكوت غرايشون، بل أن أحدهم وصف الرئيس كارتر ب (العجوز) كأنما الكبر تهمة وسبة، علماً بأن الذي وصف كارتر بهذا الوصف لا يقل عنه عمراً إن لم يزد قليلاً. والله إننا لا ندري إلى أين يريد هؤلاء أن يقودوا هذا الوطن الذي عانى منهم ما عانى ولازال يعاني، وهم الآن يقولون إن مقاطعتهم للانتخابات جنبت البلاد وقوع فتنة كبرى.. ورد مواطن عادي بسيط يوم أمس على هذه الأقوال بعبارة موجزة هي: ( خليهم يقولوا)، وأردف بعد ذلك عبارة أخرى هي: ( المهم قولنا نحنا).. ويعني كلمة الشعب. لسنا مع انفصال الجنوب لكن تقرير المصير حق لأشقائنا في الجنوب حرمهم منه الساسة منذ مؤتمر المائدة المستديرة في اربعينيات القرن الماضي، وصادروا حق المواطن الجنوبي في أن يختار البقاء ضمن الوطن الواحد أو يفارق باحسان، وعلت هتافات الساسة وأقطاب اليسار السوداني ذات يوم بالمفردات الحاسمة القاطعة (نوفيدريشن إن ون نيشن).. لقد حرموا أشقاءنا في الجنوب من التمتع حتى بالحكم الفيدرالي.. بالله عليكم كيف تحكمون.. وكيف تقرأون الواقع السياسي.. وماذا تريدون غير السلطة؟... المناداة بالديمقراطية سهل.. ولكن الصعب هو القبول بنتائجها لدى كثير من ساستنا الذين لا يرحمون، ولا يريدون لرحمة الله أن تتنزل على عباده وخلقه في السودان.