وما زلنا في رياض انتخابات الجزر البريطانية.. وما زلنا «نتحاوم».. في بيد وصحاري الانتخابات السودانية.. وبالأمس كنّا في محطة الدهشة والعجب.. وكيف أن رئيس الوزراء البريطاني «جوردون براون» أكيداً ويقيناً سوف «يدق الدلجة» في الانتخابات القادمة.. فقط لأن الرجل قد أورد جملة صادمة.. في حق امرأة من الناخبين.. حيث وصفها قائلاً إن هذه المرأة «شديدة التعصّب».. واليوم وحسب وعدي لكم.. ووعد الحر دين عليه.. وأنا.. رغم أنف.. كل عدو متربّص أو حاقد حاسد.. أو شاتم مخاتل.. من أشد الأحرار بأساً وأصلبهم مراساً.. وهاكم عينة.. من «ألفاظ».. سادتنا وقادتنا المرشحين.. وحكمة الله.. لم «يسقط» منهم أحد.. رغم.. ذاك السيل.. الذي هو أشد عنفاً وعنفواناً من سيل.. أبو قطاطي.. وكت يكسح ما يفضّل شيء.. ونبدأ.. بالدكتور.. الرحّالة.. الذي.. لا يودّع عاصمة.. إلا وصافح.. عاصمة أخرى.. وقبل أن «يبطل» الكابتن.. مُحرّكات طائرة السفر.. ذاك الذي لم نعرف وطيلة عشرين سنة وتزيد.. إن كان وزيراً للداخلية.. أو الدفاع.. أوالخارجية.. أوالمسؤول الأمني.. للداخل.. وذاك الذي للخارج.. والشهادة لله.. إنه لا يغشى الوطن حدث أو حادث إلا وكان للرجل تصريحاً يفيض.. لهباً.. ويشتعل جمراً.. المهم.. قال الرجل في لحظة انفعال.. وإن كنّا نتمنى أن تكون «زلة لسان» قال.. «عندما أتت الإنقاذ وجدت الشعب السوداني أمة من المتسولين».. يا ألطاف الله.. ورحمتك يا رافع السماء بلا عمد.. نعم بعد هذا التصريح العاصف.. كنّا نظن أن الشعب.. سوف يرد عليه غاضباً ومدهوشاً.. «كذبت ورب البيت».. فقد ظل هذا الشعب على الدوام.. عزيز النفس شامخ الأنف.. لم يتسوّل لقمة من عيش حتى لو تضوّر جوعاً.. بل إن هذا الشعب.. يتميز من دون سائر شعوب الأرض.. بالأنفة والكبرياء.. بعيداً في الأعالي.. من مهاوي الوضاعة والتسول.. يغلق.. أفقره.. الباب على داره.. وهو يتضوّر جوعاً.. لايمد يده لأحد.. ولا يستجدي اللقمة من أحد.. حتى لو ذهب هو وزوجه وأطفاله إلى القبر.. كان يمكن أن يكون هذا هو الرد التاريخي والموضوعي.. له.. ولكن وبديلاً لنوع هذا الرد.. فقد كان الرد.. هو اكتساحه الهائل.. لدائرته.. حائزاً على ثقة ناخبيه.. ملحقاً الهزيمة.. بخصومه.. ليثبت التاريخ.. بل يقول التاريخ.. إن هذا الشعب «متسامح» إلى حد الإهمال والتفريط.. بل «الغشامة» وبروفيسور.. آخر.. انحدر شرفاً ومجداً.. من درة جامعات أفريقيا والشرق الأوسط.. يخاطبنا.. نحن في الضفة الأخرى.. من النهر.. أي المعارضة.. بأننا «بغاث الطير».. وألفاظ أخرى.. لا تقل رعباً وبشاعة.. من هذه.. ثم يأتي نفس الرجل.. محمولاً على سواعد.. وزنود.. وأكف.. وقامات.. وهامات.. ملوك الحلفايا.. ودكتور.. خطير.. نافذ ومُثير للجدل.. نجم.. ما خبأ ضوؤه يوماً.. نار مجوس تضيء وتحرق بمقتضى الحال.. تفنن وأبدع.. في استدعاء غريب النعوت وغامض الأوصاف.. قال مرة.. وتحدّث عن «لحس الكوع».. وأورد مرة «شوفة حلمة الأضان».. ثم كان رد الشعب.. نصراً مؤزراً له.. واكتساحاً هائلاً لخصومه.. بل حصد حزبه وبفضله.. وبفضل لعنه لنا وتبشيعه بنا.. كل دوائر الوطن.. وبالمناسبة فقد سألني ابني يوماً وبعد أن «سمع» بتلك الكلمات سألني عن معنى «لحس الكوع» و «شوفة حلمة الأضان».. فانتهرته غاضباً.. قائلاً.. يا ولد.. أنا بقرأ لي «محمد مهدي الجواهري».. و «محمد المكي».. و«النور عثمان أبكر» و «يوجين إتتشنكو».. تسألني من لحس الكوع.. والله ما عارف.. وما عايز أعرف.