الحد الأدني للقوة ولا شك أن قوة المؤمن البدنية والمعنوية تدخل في إطار الاستعداد والتخطيط السليم لامتلاك القوة. وكلنا يعلم أن الله لم يشرع لنا القتال إلا بعد أن أصبحت لنا قوة في المدينةالمنورة بعد الهجرة تمكننا من منازلة أعدائنا. وحتى بعد إعداد العدة والقوة فإن لم نتكافأ مع العدو من جهة العدة والعتاد وأردنا حربه فإن الحد الأدنى أن تكون قوتنا نصف قوته. قال تعالى:(الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ). قال الطبري:(وكان إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم. وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم أن يقاتلوا وجازلهم أن يتَحوَّزوا عنهم) أ.ه فقوة الإيمان والتوكل يمثلان نصف القوة، فيكون النصف الآخر هو القوة المادية. كما يفهم من الآية الكريمة. فلا إغفال أبداً للقوة المعنوية، فإذا كانت قوتنا أقل من نصف قوة العدو فإن الله تعالى لم يوجب علينا مقاتلته. فإذا قاتلناه بقوة ضعيفة أو أقل من نصف عدده فعلينا أن نعلم أن هذا ليس مراد الله عز وجل في الجهاد. وأن هذا خارج عن حدود الفرض. ولعل غزوة مؤتة والتي وقف فيها ثلاثة آلاف مسلم ضد ألفي كافر إنما كانت من أجل إظهارالقوة، كما أن حجم العدو ما كان من المتوقع أن يقفز إلى هذا العدد الهائل. ثم إن قائد المعركة سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه قرأ الميدان بعين مفتوحة، فرأى أن جميع احتمالات النصر مغلقة، وأن النصر الحقيقي في هذه المعركة إنما هو الانسحاب التكتيكي إذ أن النصر الميداني لا سبيل له. وبالفعل رجع إلى المدينةالمنورة منسحباً من الميدان ليستقبله أهل المدينة بوجه غاضب. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على فعله بعد أن وصفه بأنه سيف من سيوف الله. لقد أمرنا الله عز وجل في مجال الاستعداد وإعداد العدة ألا نعتمد على القوة المعنوية وحدها. فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعًا)(ثبات)معناها سرايا متفرقين.(جميعاً) معناها كلكم. وهذا أمر يتصل بالتشكيل العسكري وقضايا الاستطلاع والهجمات الصغيرة المتفرقة. ولكن الشاهد في قوله تعالى(خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي لا تتكلوا على الإيمانيات والغيبيات وحدها. وإنما يجب أن يكون لديكم عيون وجواسيس وإنذار مبكر واستطلاع ومراقبة مثلما قال تعالى (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) . وكل هذا من أساس القوة المطلوب إعدادها. قال القرطبي:(أمرهم ألا يقتحموا على عدوهم على جهالة حتى يتحسسوا إلى ما عندهم ويعلموا كيف يردون عليهم، فذلك أثبت لهم فقال(خُذُوا حِذْرَكُمْ) فعلمهم مباشرة الحروب. ولا ينافي هذا التوكل. بل هو مقام عين التوكل )أ.ه. ويجب ألا يعتقد أحد عندما ينظر إلى قوله تعالى: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)أن الله تعالى قد تجاوز فيه عن إعداد العدة وأن ينفر الإنسان على أي حال كيفما اتفق. فإنه لم يرد أبداً أن الخفيف هو من لا عدة له ولا قوة. بل لعل الآية فيها حث على أن يكون المسلم دائماً في قمة الجاهزية والاستعداد. فقد قيل أن الخفيف هو الشاب والثقيل هو الكهل، وقالوا إن الخفيف هو غير المتزوج والثقيل هو المتزوج، وقالوا إن الخفيف هو من لا ولد له والثقيل من له أولاد، وقالوا إن الخفيف هو الفقير والثقيل هو الغني، وقالوا إن الخفيف هو النشيط والثقيل هو غير النشيط. إلى غير ذلك من الأقوال التي ليس من بينها أن الخفيف هو الذي لا استعداد له . لأن الله قد فرض علينا العدة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ).وقد ذكر جلال الدين المحلي أن الآية (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً) منسوخة حيث قال: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً} نشاطاً وغير نشاط، وقيل أقوياء وضعفاء أو أغنياء وفقراء، وهي منسوخة بآية {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء} أه. ولكنه لم يذكر أي دليل فعلي على ذلك وقد عارضه العلماء. قال القرطبي رحمه الله:(ذكر إبن خُوَيزمَندَاد : وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:(انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً) وبقوله:(إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ)ولأن يكون(انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً) منسوخاً بقوله (فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعًا).وبقوله:(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً)أولى لأن فرض الجهاد تقرر على الكفاية. فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن الباقين) والصحيح أن الآيتين جميعاً محكمتان، إحداهما في الوقت الذي يحتاج إلى تعين الجميع، والأخرى عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها). أه. كما أن الكثير من الأدلة قائم على أن الآية محكمة. ومن ذلك أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا لا يتوانون في تطبيقها والاستدلال بحكمها. فقد روى عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه أنه عندما قرأ قوله تعالى: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)تأهب وقال لأبنائه : أرى ربنا يستنفرنا شيوخاً وشباباً، جهزوني أي بني. وكان وقتها قد تقدمت به السن وطعن في الشيخوخة. فقال بنوه : يرحمك الله. قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات فنحن نغزو عنك). فأبى. فجهزوه، فركب البحر فمات. فلم يجدوا جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام، فلم يتغير، فدفنوه فيها).فالآية الكريمة توجب علينا النفرة. بل إن الله عز وجل قد توعد المسلمين بالعذاب إن لم ينفروا حيث قال سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). والنفرة توجب علينا العدة. (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) فإعداد العُدة يوجبه الشرع والمنطق، منطق تنامى القوى العالمية واستفحال الخطر ضد الأمة الإسلامية. بل ومنطق أننا أمة مستضعفة تعاني الآن الاحتلال واستغلال إمكاناتها. فنحن الآن لسنا أحراراً. بل يسيطر علينا الصليبيون بهيئاتهم ومنظماتهم بقوانينها الغربية الصليبية، إلى درجة أنهم يعتبرون تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود مخالفاً لحقوق الإنسان والتي هي القوانين التي وضعوها وفق أهوائهم ومصالحهم. أليس هذا هو الاحتلال ؟ أن لا يكون الإنسان حراً حتى في إقامة دينه!! إن معرفة المسلم بمجريات الأحداث حوله هي أهم دوافعه للاستعداد. وبالتالي لا بد لنا من إلقاء نظرة على أحد أسباب الاستعداد المهمة، ألا وهو الاحتلال. نواصل . الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة