شاطر أنور السادات، فقد سئل يوما عن سبب اهتمامه بالأشياء الصغيرة، مثل مكان كرافتته، وموقع شراباته، رغم مسؤوليته الجسيمة في قيادة شعبه، فقال إنه يخشى أن يترك أمرها على عواهنه، فيضيع منه يوميا زمن ثمين في البحث عنها، ومحاولة تذكر الأمكنة التي وضعها فيها ! كلنا نضيع يوميا أوقاتا ثمينة في أشياء هامشية. فلا نعيد فرشاة الأسنان لمكان محدد فنهدر وقتنا لاحقا في البحث عنها، ولا نضع أشياءنا كالنظارة أو الساعة أو الموبايل في مكان بعينه فنرتبك فيما بعد، ونربك الأسرة معنا بحثا عن أشيائنا الصغيرة المهمة. بل يصل الارتباك ببعضنا ذروته، حين تتلخبط الأمور، ونقلب الدنيا بحثا عن نظارة رغم ارتدائنا لها، أو بحثا عن موبايل رغم وجوده بيدنا !! أظن أن جرثومة إهدار الوقت جزء أصيل من ممارساتنا السودانية، فلطالما كان مع الكثيرين الوقت لتحقيق نتائج في الانتخابات، فأضاعوا الفرصة، ولطالما كان أمامنا الكثير من الوقت، منذ نيفاشا، لتحقيق وحدة جاذبة ومؤكدة، فبتنا نبحث عن الزمن الضائع !! حتى الكرة، تستيقظ فرقنا فجأة على جداول المباريات، رغم التحديد المسبق، وتبدأ استعدادات في الزمن الضائع، وندخل المباريات التنافسية على أساس أن المسألة (رجالة)، فنعود بخفي حنين في ملاعب غيرنا، بل في ملاعبنا ووسط جماهيرنا !! المسألة ليست وليدة اليوم، فمنذ عقود والكثير من الطلاب يمارسون النوم في العسل، ينومون طوال العام، حتى إذا لاح بارق الامتحان، ونادى المنادي أن هيا على الفلاح، تدافع القوم للمذاكرة، وللملخصات والمذكرات والشيتات، وترتفع وتيرة الدروس الخصوصية ، ويتم إعلان حالة الطوارئ في المنازل، فيكون النتاج، إما رسوبا وضعفا في المستوى، أو نتائج تبشر بارتفاع نسب النجاح، في حين تفجعنا مستويات الخريجين، وتصيبنا الصدمة بتواضع قدرتهم على الكتابة والقراءة .. وتدني ثقافتهم المريع، رغم البكالوريوسات والدبلومات بكل أشكالها وأنواعها !! أظنني لمست رأس المشكلة، وهي الدراسة، فمن هناك يبدأ حقن الوريد السوداني بالتكاسل، والتلكؤ، والتأجيل. فالتقييم هو بامتحانات نصف العام وختامه، في حين أن غيرنا، وفي دول قريبة منا، يجعلون كل العام تقييما، وفي السودان تعترينا كوابيس الامتحان، لأن الامتحانات لا نعرفها إلا في المناسبات، في حين أن غيرنا يحافظ على امتحانات متواصلة وبسيطة ومعقولة، فيصبح الامتحان جزءا من العمل اليومي، لا كابوسا نقضي عامنا في انتظار هجمته المرعبة ! أظن أن البلاء يبدأ من المدارس، لكنني لا أجزم، فقد تكون المشكلة في التربية، وقد تكون المشكلة في الاقتصاد، أو قد تكون المشكلة في السياسات . أجيبوني .. أين المشكلة ؟!