رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلافات دول حوض النيل حالت دون الوصول الى صيغة توافقية بينها
قضايا ما بعد الاستفتاء(2)
نشر في الصحافة يوم 29 - 01 - 2011

يعتبر الماء العنصر الأساسي للكائنات الحية وسراً لخصوبة الأرض وازدهارها، مصداقاً لقوله تعالى: { وجعلنا من الماء كل شيء حي } . فالحياة مرتبطة بالماء وجوداً وعدماً، ويستوي في ذلك حياة الإنسان والحيوان والنبات، والقصور في وجود الماء يعني تهديداً خطيراً للحياة والأحياء على السواء.إن السكان بطبيعة الحال يتزايدون وبمعدلات متفاوتة في جميع أنحاء العالم بصورة عامة، وفي العالم الثالث بصورة خاصة. هذا النمو المتسارع للسكان خاصة في دول حوض النيل أفرز احتياجات متفاوتة للمياه ، لتأمين الغذاء والاستهلاك المنزلي،وتوليد الطاقة الكهرومائية وغيرها من الاستخدامات المتعددة للمياه. ولأجل هذه الاحتياجات المائية المتزايدة لدول حوض النيل،انعقدت الكثير من المؤتمرات والندوات، لتأمين شريان الحياة للإنسان والحيوان والنبات، وسخرت التكنولوجيا المائية لتحد من الفواقد المائية، فضلاً عن تكنولوجيا تحلية مياه البحر. يجئ الاهتمام بالحديث عن مياه النيل هنا لاشتراك عشرة دول فيها، وربما أحد عشرة دولة إذا انفصل جنوب السودان . ولوجود اختلافات وعلاقات متباينة بين تلك الدول، وكذلك لارتباطها باتفاقيات وبروتوكولات قديمة ، متجددة بالمطالبة بإلغائها وفقاً لنظرية التغيير الجوهري في الظروف ، تلك النظرية التي تعطي الدولة المتضررة الحق في إنهاء أو إيقاف العمل بالاتفاقية وفق شروط معينة، فدول حوض النيل مرت وتمر الآن بظروف وتغيرات عديدة جعلتها منقسمة بين دول مطالبة بإلغاء الاتفاقيات القديمة الاستعمارية الموروثة « إثيوبيا ، يوغندا ، كينيا ، رواندا ، بوروندي ، الكنغو الديمقراطية، تنزانيا»، وهذه جميعها دول منابع. ودول متمسكة بالحقوق المكتسبة من الاتفاقيات القديمة «مصر والسودان». ودولة غير منضوية حتى الآن في مجموعة دول حوض النيل « اريتريا» وتشارك بصفة مراقب. إن الإشكالية الكبرى في اتفاقيات مياه الأنهار الدولية تتمثل في أن القانون الدولي لم يوفر أساساً قانونياً واضحاً يتيح للأطراف المتنازعة فرصة الاحتكام لمبادئه ، كذلك ومن وجهة أخرى تتزايد أزمة المياه في العالم المعاصر في الوقت الذي لا يخضع فيه حوض نهر النيل لاتفاقية شاملة لتقسيم المياه. إن القاعدة الأساسية في النظام القانوني الدولي ، هي العقد شريعة المتعاقدين أي الثبات ، ولكن الإستثاء أن هناك جانباً متغيراً ومتطوراً في الحياة عامة بكل نظمها الطبيعية والبشرية والنظام القانوني فيها.
الوضع القانوني لاتفاقيات مياه النيل وفق مواقف دول حوض النيل :
* استخلاف الدول في المعاهدات : ( مصر والسودان)
تقرر المادة الثانية من اتفاقية فيينا لاستخلاف الدول في المعاهدات التي عقدت في عام 1978 م ، « أن الاستخلاف هو حلول دولة محل أخرى في المسئولية عن العلاقات الدولية للإقليم» (14) ، ويقوم مفهوم الاستخلاف في رأي معظم الفقهاء علي أساس شخصية الدولة وبما يحدث من تغير في هذه الشخصية . ومن أهم النظريات الدولية التي يمكن الأخذ بها في هذا الشأن تتمثل في الأتي :- (15)
1- النظرية الأولى تقوم علي حلول الدولة الخلف محل الدولة السلف في كل الالتزامات التي عقدتها من قبل وهى ما يعرف بنظرية الاستخلاف الكامل أو الاستخلاف العالمي ، وتتم بطريقة تلقائية .
2- النظرية الثانية وتمثل الوجه العكسية للنظرية الأولى ، وتسمى بنظرية الصفحة البيضاء ، وتقوم هذه النظرية علي أساس أن الدولة الجديدة «الخلف» تبدأ حياتها خاليه من الالتزامات الدولية .
3- النظرية الثالثة وهي لاتتبع أي من المبدأين السابقين بكامله ، بل تعمل علي أن يكون للدولة الحرية في قبول أو رفض الالتزامات الدولية السابقة بناء علي اعتبارات سياسية أو اقتصادية تقدرها. بمعنى أن المعيار الحقيقي لحل مسألة الاستخلاف القانوني للدول هي رغبة الدول الجديدة في الالتزام أو عدم الالتزام بتلك الاتفاقيات . وعليه يمكن القول :إن الاتفاقيات الدولية بين الدول المستعمرة لهم لا تشكل إلزاما للدول المعنية بعد الاستقلال. إذ يكون لها الحق في رفضها والمطالبة باتفاقية جديدة، وفى ذلك تستهدي الدولة بمصالحها الذاتية مع وضع الاعتبار المستحق لعمومية مصالح الدول الحوضية جميعها» (16).
هذا الرأي أخذت به كل من مصر والسودان ، أي أخذت بقاعدة الخلافة في المعاهدات الدولية ورأتا إن كل الاتفاقيات السابقة عبارة عن اتفاقيات إقليمية ترتب حقوقاً على الإقليم وتدمغه بوضع دائم لا يتأثر بالتغيرات التي تطرأ على شخصية الدولة التي تمارس السيادة على الإقليم وحلول دولة محل أخرى في السيادة على هذا الإقليم ، لأن هذا النوع من الحقوق لا يتأثر بحدوث حالة توارث أو خلافه(17)
* والسؤال المطروح هنا هو : هل مسألة الاستخلاف القانوني للدول ملزمه أم غير ملزمه ؟ يقول د.مأمون مصطفى في ذلك : إن أهم خلا صات بروفيسور أوكونيل،هي أن المعيار الحقيقي لحل مسألة الاستخلاف القانوني للدول هي رغبة الدول الجديدة في الالتزام أو عدم الالتزام بتلك الاتفاقيات . وعليه يمكن القول :إن الاتفاقيات الدولية بين الدول المستعمرة لهم لا تشكل إلزاما للدول المعنية بعد الاستقلال. إذ يكون لها الحق في رفضها والمطالبة باتفاقية جديدة، وفى ذلك تستهدي الدولة بمصالحها الذاتية مع وضع الاعتبار المستحق لعمومية مصالح الدول الحوضية جميعها» (18). وهذا يعنى إن التوقيع على إتفاقية1929م باسم السودان وكينيا ويوغندا وتنزانيا ، أمر غير شرعي ، ولتلك الدول الحق القانوني في إلغاءها والتحرر من الالتزامات الواردة فيها . ويتطلب ذلك ضرورة إعادة النظر في اتفاقية عام 1929م ومراجعتها مراجعة كاملة حتى تتناسب ومصالح تلك الدول العليا.
* مبدأ الإكره ونظرية تغيير الظروف « كينيا ، أوغندا ، تنزانيا»:-
استندت بقية دول حوض النيل على مبدأ نايريري القائل (19) :-
« بأن الدول حديثة الاستقلال لا تلتزم باتفاقيات سابقة على وجودها وأصلها استعماري» ويقوم هذا المبدأ على نظريتين قانونيتين هما (20):
النظرية الأولى: مبدأ الإكراه: والشخص المكره سواء كان طبيعياً أو اعتبارياً لا إرادة له ، وينقصه الاختيار ، وبالتالي غير ملزم بالاتفاقيات المبنية على الإكراه .والاستعمار الاوروبى معتمد على إكراه تلك الدول لقبولها بالاتفاقيات «كينيا ، يوغندا ، تنزانيا « وهي دول كان استعمارها بريطاني. هكذا أخذت كل من كينيا ، أوغندا ، تنزانيا، بعدم الاعتراف بالاتفاقيات السابقة باعتبار أنها وقعت في غيابها ، وأنها غير عادلة . فكينيا وأوغندا ، وتنزانيا قبلت باستمرار هذه الاتفاقيات الدولية انتظارا للمشاورات المستقبلية التى تجريها مع مصر والسودان.
أما النظرية الثانية: فهي نظرية تغيير الظروف والتي ترى أنه طالما تغيرت الظروف تغيراً جوهرياً يؤثر في كيان الدولة وبقاؤها ، فإن الواجب القانوني يحتم رد الالتزامات القانونية بحيث تتحقق العدالة بما يضمن حق الجميع في مراجعة الاتفاقيات وإعادة النظر فيها.
إن الدولة النهرية المتضررة من اتفاقية ما « الدولة التي تشترك مع دول أخرى في نهر واحد»، لا تلجأ إلى محكمة العدل الدولية لتسوية نزاعاتها ، ولكنها تستخدم النظريات القانونية لتبرير مطالبها ، ويرجع السبب في ذلك لأن قانون الأنهار الدولية الموجود الآن غير حاسم وضعيف بسبب عدم وجود المعاهدات التي تحكم اقتسام المياه، أو المؤسسات الدولية التي تؤكد الالتزام بين المستعملين.إن التغيير الجوهري في الظروف والأوضاع الذي حدث في معظم دول حوض النيل « من زيادة سكانية ، زيادة الرقعة الزراعية ، زيادة الحاجة لاستهلاك المياه والذي يقود لزيادة الحصة المائية» كل ذلك يدعو لإعادة النظر في الاتفاقيات السابقة غير المنصفة أو الاحتكام لاتفاق جديد يرضي جميع الأطراف.إن الأصل في المعاهدات الالتزام، وإن المعاهدات تقيد أطرافها وتلزمها بها على أساس قاعدة احترام الدول للعهود ، وأن الملتزم أسير التزامه. وقد أكدت اتفاقية فيينا على هذا المبدأ في المادة 26 حيث نصت على أن « كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها عليهم تنفيذها بحسن نية « (21). إذا كان الأصل هو تقيد الدول بالمعاهدات التي تبرمها ، فذلك على اعتبار بقاء المعاهدة محققة للغرض الذي عقدت من أجله ، ملائمة للظروف التي يستمر تنفيذها فيها ، فإذا انتفى الغرض من المعاهدة، أو تغيرت الأوضاع التي أدت إلى عقدها تغيراً من شأنه أن يجعل استمرار التمسك بها كما هي ضاراً بالمصالح الحيوية لأحد أطرافها ، يجوز في هذه الحالة للطرف الذي تضرر أن يتحرر من التزاماته المقررة كلها أو بعضها .
لقد أكد الأستاذ أو كيدي «الكيني» والذي أولى دراسة مياه النيل ومشروعات دول حوض النيل عناية كبيرة في كتاباته، ينتهي في دراساته إلى القول :
« إن القانون الدولي القابل للتطبيق بشأن موارد المياه يتطور بسرعة شديدة، وأصبح أكثر وضوحاً ودقة اليوم عما كان سنة 1960م حين وقعت آخر معاهدة بشأن مياه النيل «يقصد اتفاقية 1959م»، وهذا من شأنه أن يقنع جميع دول حوض النيل بفائدة إعادة النظر في نظام مياه حوض النيل، وأن تبدأ العمل المشترك فيما بينها للوصول إلى نظام إقليمي جديد يتفق مع احتياجات دول حوض النيل» (22). ومن ثم فيجب على كينيا وتنزانيا وأوغندا ألا تقدم على بدء مفاوضات مع مصر والسودان بشأن مياه النيل قبل أن تعد كل من ثلاثتهم خطة كاملة وشاملة للمياه water Master Plan تستهدف سد احتياجات كل منها على مدى الخمسين سنة القادمة في نواحي الري والاستغلال الصناعي وما أشبه. ولا فائدة من بدء كينيا وتنزانيا وأوغندا مفاوضات مع مصر والسودان في غياب مثل هذه الخطة الكاملة الشاملة، ومتى بدأت هذه المفاوضات بعد ذلك، فلا تكون محاولة لإعادة التفاوض حول النظام القانوني الحالي للنيل لأنه حسب رأيه، لا توجد معاهدات ملزمة تلزم غالبية دول أعالي لنيل، فهي لم تشترك في التفاوض بشأنها أو في توقيعها. وإنما يجب أن تستهدف تلك المفاوضات بدء صفحة جديدة تماماً، أي نظام قانوني جديد، ومن المستحسن أن تصل جميع الدول النيلية إلى هذه الاتفاقات ، وإلى القالب القانوني الجديد مستغلة وجود الجو الودي بينهما وقبل أن تقوم نزاعات قد تفسد الجو بين بعض دول حوض النيل» (23) .
* إثيوبيا: ألغت إثيوبيا من جانب واحد اتفاقيات عام 1902م ورفضت الاعتراف باتفاقية عام 1929 م واعتبرت اتفاقية عام 1959 م بين مصر والسودان باطلة وكأنها لم تكن ، ورفضت الاشتراك في الأعمال الفنية المشتركة التي تقرر تشكيلها بمقتضى اتفاقية 1959م (24)،. وقد أعلن الإمبراطور هيلاسلاسى في26/2/1956م، أي بعد شهر واحد من استقلال السودان ، «إن إثيوبيا سوف تحتفظ مستقبلا بموارد وتصريف المياه ، بغض النظر عن مدى استخدام دول حوض النيل المستفيدة الأخرى أوسعيها وراءها « (25) . كذلك احتجت إثيوبيا على اتفاقية عام 1959 على أساس « أن أية دوله نهرية يجب أن تخطر الدول النهرية الأخرى قبل إقامة إنشاءات كبيرة « (26) . ولم تستند في ذلك إلي موضوع خلافة الدول في المعاهدات ، ولكنها استندت إلي الاحتياجات الاقتصادية الجديدة لإثيوبيا ولتطوير مصادرها الطبيعية إلي تقيدها اتفاقية 1929م أي اعتمدت علي نظرية أو مبدأ التغيير الجوهري في الظروف .
هكذا تعتمد دول المنابع في معارضتها لاتفاقيات مياه النيل على نظرية التغيير الجوهري في الظروف.
الوضع المائي والاحتياجات المائية لدول حوض النيل :
تتفاوت دول حوض النيل في اعتمادها على مياه النيل بنسب مختلفة ، لعدة أسباب منها اختلاف كمية الأمطار ، والأقاليم المناخية ، أو العوامل الطبيعية وتأرجح إيرادات نهر النيل (27)
أهم معوقات التعاون بين دول حوض النيل :-
1/نقص التكنولوجيا والتمويل، وذلك بسبب ضعف الإمكانيات المادية لدول حوض النيل ، والحل يكمن في التمويل الدولي الذي عادة ما يفرض شروطه .
2/دور العامل الخارجي في منطقة حوض النيل ،يرتبط الدور الأمريكي في مجال المياه بالمصالح الأساسية لها في المنطقة والتي تتمحور حول السيطرة على النفط وممرات نقله ، ودعم الوجود الإسرائيلي .. الخ (28)
تسعير المياه :
إن موضوع تسعير المياه يشير إلي المفاهيم الخاطئة القائلة: المياه سلعة مجانية ، بيد أن تعاظم قصورها قد يجعل من المهم النظر إليها كقيمة اقتصادية (29). هذا اتجاه تتبناه منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة ، مما يوضح أن للمياه قيمة اقتصادية سلعة تباع وتشتري ، وبالتالي يحصل عليها دون أن يملك ثمنها ويحرم منها من لا يملك، لكن أن المسألة لم تتوقف عند هذه المنظمة « اليونسكو « بل قامت منظمات دولية ، بتبني نظرية تسعير المياه ، مما يدل علي وجود مشكلة حقيقية .إن المشكلة الأساسية ، علي المستوي العالمي ، تكمن فى ندرة الموارد المائية العذبة ، مع تزايد النمو السكاني (30) وكذلك الاحتياجات المتنوعة للمياه ، والتفاوت في توزيع هذه الموارد المائية وتوزيع السكان علي المستوي العالمي. إن اتجاه البنك الدولي إلي تسعير المياه علي المستوي الدولي قد يؤدي إلي تحايل بعض الدول للحصول علي هذه المياه ، ولو بالطرق غير المشروعة بحرمان آخرين مستحقين لهذه الموارد ، وذلك بالمخالفة لما أستقر من حق الدول في السيادة علي مواردها وثرواتها الطبيعية . إن تسعير المياه يمكن أن يؤدي إلي اهتزازات خطيرة في الدول كما أن من شأنها أن تشعل الحروب بين الدول التي تقع عند منابع الأنهار وتلك التي تقع عند مصابها (31). وأن الحل يكمن في التعاون بين الدول النهرية في ظل قواعد القانون الدولي المستقرة بشأنها ، وليس تسعير المياه .
خصخصة المياه :-
إن خصخصة المياه سواء ببيعها مباشرة للقطاع الخاص أو بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص هو الآن موضوع له أولوية. إن البحث فيما تعنيه خصخصة المياه في أفريقيا، يوضح الدور الذي يلعبه كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حسب التقرير الصادر من 2001م على موقع afrol.com، بأن هنالك بلاد مطلوب منها أن تجعل مياهها مجالاً لاستثمار الشركات الخاصة أي خصخصة المياه « كشرط من شروط صندوق النقد الدولي، حتى يتسنى منح قروض لها . وكنتيجة لتعليمات صندوق النقد الدولي، لجأت البلدان ذات الديون الكبيرة المستحقة للبنوك الغربية إلى استدانة المزيد من الأموال لتمويل خصخصة المياه، وهو ما حدث في تمويل دار السلام وهو حصول تنزانيا على قروض قدرها 145مليون دولار من أجل إصلاح البنية التحتية الأساسية وتطويرها، بينما لن تدفع الشركة التي تفوز بالعرض سوى مبلغ 6.5 مليون دولار لتوفير العدادات ومواسير المياه. (32) لقد صارت قضايا المياه في أبعادها السياسية والاقتصادية ملحة حول العالم، وبرز اهتمام الدول بقضايا المياه من خلال المنظمات والتكتلات الدولية والإقليمية المعنية بمواجهة النزاع حول المياه .
البعد السياسي المتعلق بالصراع على المياه :-
هنالك علاقة وطيدة بين الأمن المائي والاستقلال الاقتصادي والسياسي ، فتحقيق الأول يؤدي إلى ضمان تحقيق الثاني . فأية دولة لا تستطيع تأمين ثروتها المائية من مخاطر السيطرة الخارجية تكون دولة عاجزة عن تحقيق أمنها السياسي والاقتصادي .وعندما تضعف دفاعاتها ضد المطامع الخارجية في ثرواتها المائية تفقد الدولة تدريجياً سلطتها على الكيان الجغرافي والسياسي والاجتماعي ، وعندما تفقد الدولة قدرتها على تأمين مصادر الغذاء للمجتمع لتستوعب الحاجات الاقتصادية المتزايدة بسبب فقدانها السيطرة على ثرواتها، مما يدفعها إلى الاستدانة من الخارج وما يتبع ذلك من قبول اضطراري للتخلي عن قسم من سيادتها ومن وظائفها الاجتماعية واختياراتها الداخلية مقابل الاستفادة من الضغوط الأمر الذي يجعلها تحت رحمة القوى الدائنة . يرتبط الأمن الغذائي مستقبلاً بمدى قدرة المجتمع على تأمين السلع الضرورية لحياة حرة مع القدرة على العطاء والإنتاج للمواطن .وهذا يعني الاعتماد قدر الإمكان على الموارد الذاتية في إزالة الفجوة الغذائية أو التقليل إلى أقصى حد من الاعتماد على الآخرين وعدم الاستيراد لسد الحاجة للغذاء. إن تحقيق الأمن الغذائي يعتبر مكملاً للسيادة الوطنية ولحرية القرار ، بعيداً عن الضغوط وتقلب سياسة بعض الدول .
* الخلافات بين دول حوض النيل :-
رغم عقد العديد من المؤتمرات بين دول حوض النيل ، الا أن الخلافات حالت دون الوصول الى صيغة توافقية بينها . ويمكن حصر أهم الخلافات في المؤتمرات الاتية :-
* مؤتمر كيجالي:
تصاعدت الأزمة ابتداء من الاجتماع الوزاري الذي عقد في كيجالي عاصمة روندا خلال فبراير 2007م وانتهت اجتماعات كيجالا بالاتفاق على تشكيل لجنة مصغرة تضم كلا من مصر والسودان واثيوبيا برئاسة وزيرة ري أوغندا لمحاولة تقريب وجهات النظر في المواد المختلفة عليها .
* مؤتمر كنشاسا:-
مؤتمر كينشاسا لوزراء حوض النيل عقد في 22 مايو 2007م، اقترحت دول المنابع السبع أن يتم وضع البند الخاص بالامن المائي رقم 14ب في ملحق للإتفاقية وإعادة صياغته بما يتضمن توافق دول الحوض وإنشاء هيئة حوض النيل المقترحة في الإتفاقية . وقد رفضت مصر هذا المقترح وطرحت بدلاً منه أن يتم تشكيل لجنة وزارية رباعية من كل من مصر، السودان ، أثيوبيا وإحدى دول حوض النيل الإستوائي ،مع وجود خبير أو إثنين من المنظمات الدولية لإيجاد صيغة رقم 14ب الخاص بالأمن المائي والحقوق التاريخية . إنتهى الاجتماع بتمسك الدول السبع بمقترحاتها ، وتمسك مصر بموقفها .
* مؤتمر الإسكندرية :
برز الخلاف بين دول المنبع ودولة المصب في اجتماع وزراء الموارد المائية لدول حوض نهر النيل المنعقد في الإسكندرية في يوليو 2009م وتركز الخلاف على النقاط التالية:
* تطالب دول المنبع (إثيوبيا ? يوغندا ? كينيا ? تنزانيا ? الكنغو ? رواندا - بورندي) بفرض اتفاقية إطارية جديدة على تقسيم مياه النيل، بحجة أن هذه الاتفاقيات قديمة عقدت في فترة الاستعمار، وأنها في الوقت الراهن تحتاج إلى تنفيذ مشاريع تنموية تقتضي إقامة مشروعات على نهر النيل.
* تطالب مصر والسودان على أن يبقي الوضع على ما هو عليه فيما يخص الحصص المائية وترتيبات الوضع الحالي بين دول المنبع والمصب وتتمسك بالنقاط التالية:
أ/ الموافقة المسبقة على قيام أي مشروعات على حوض النيل.
ب/ الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه نهر النيل.
ج/ الإجماع على القرارات المتخذة حول حوض النيل.
* وحسب البيان الذي أصدرته دول الحوض السبع منفردة فإن لقاء الإسكندرية هو آخر اجتماع لبحث الموضوع ، وإذا سارت الأمور على النحو الذي حدده البيان، ولم يتدخل الرؤساء لتغيير موقف الوزراء فإن تلك الدول ستوقع الاتفاقية خلال عام دون أن تشارك فيها مصر والسودان.
* وأيضاً قرر المجلس الوزاري الإتفاق على الاستمرار في المفاوضات والتشاور لمدة ستة أشهر قادمة على أن يتم الإنتهاء من حسم جميع نقاط الخلاف للوصول إلى اتفاق موحد بين دول حوض النيل ، وخلال فترة التفويض يحظر على أي دولة من دول الحوض التوقيع على أي معاهدة بشكل منفرد .
* منح الاجتماع الوزاري لدول حوض النيل الذي عقد بالإسكندرية بحضور وزراء الموارد المائية والري لدول حوض النيل العشر ، منح فترة ستة أشهر للجان الفنية والقانونية للوصول إلي صيغة توافقية لنقاط الخلاف بين دول المنبع ومصر والسودان.
* مؤتمر شرم الشيخ:
هو الاجتماع الوزاري لدول حوض النيل الذي عقد في الأسبوع الثاني من شهر أبريل 2010م بمشاركة وزراء الري في دول حوض النيل عدا وزيري الري في رواندا وبورندي الذين أرسلا ممثلين لهما. فشل وزراء دول حوض النيل في التوصل لاتفاق إطاري جديد وحل الخلافات بين دول المنبع ودولة المصب. وعليه نشبت أزمة بين دول المنبع ودولة المصب.
* وهكذا استمرت اجتماعات وزراء دول حوض النيل من اجل إنهاء الإطار القانوني والمؤسسي على مدى 7 سنوات ، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق.
* إن الاتفاق الإطاري ظل معلق لمدة عامين بسبب اختلاف الدول حول البند الخاص بالأمن المائي وينتظر موافقة الدول حتى يتسنى رفعه إلى رؤساء الجمهوريات للإتفاق حول صيغة توافقية . إنتهى الاجتماع بتمسك الدول السبع بمقترحاتها ومصر بموقفها .
* الطرح التي قدمته كل من مصر والسودان كمسودة لاتفاق ينص على الأتي :
1/ مطالبة مصر بزيادة حصتها 11 مليار م3 لتكون نسبة اعتمادات حصتها من المياه 66 مليار م3 .
2/ على دول المنبع إخطار مصر مسبقاً قبل تنفيذ أي مشروعات على النيل .
3/ استمرار العمل بالاتفاقيات السابقة التي توزع الحصص المائية باعتبارها حقوق طبيعية .
4/ في حالة تكوين مفوضية دول حوض النيل تكون القرارات بالتصويت ويشترط فيها موافقة مصر والسودان .
* طرح دول المنبع كان معاكساً لذلك وهي :
1/ لابد من إعادة توزيع حصص المياه من جديد ليؤكد متطلبات دول المنبع وإعداد مسودة بذلك .
2/ دول المنبع تري بأن الاتفاقيات التي وقعت بشأنها توزيع حصص المياه غير عادلة وكانت دول المنطقة تحت الاستعمار .
3/ لابد من فرض سيادتها على المياه طالما المياه تخرج من أراضيها .
اتفاقية عنتبي الإطارية : 14/5/2010 م
* دول حوض النيل التي وقعت الاتفاق الإطاري بينهما في أوغندا [إثيوبيا ? يوغندا ? رواندا - تنزانيا] بالإضافة لانضمام كينيا لاحقاً والتي أشارت إن هنالك مشاريع سوف تنفذ لاحقاً عبر هذا الاتفاق.
* ينص الاتفاق الموقع بين الدول الأربعة علي إنشاء مفوضية جديدة تسمي «مفوضية حوض النيل يكون ضمن عملها تلقي اقتراحات المشاريع المائية علي النهر بالرفض أو القبول ويكون مقرها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ، وتضم ممثلي لدول حوض النيل التسع وتطالب دول المنبع السبع « إثيوبيا ? كينيا ? تنزانيا ? أوغندا ? الكنغو ? رواندا ? وبورندي « بحصة أكبر في مياه النيل .
* لا يشير الاتفاق الإطاري الجديد الذي وقع في عنتبي إلي أي حصص محددة لدول الحوض في تقاسم مياه النهر. لكنه يلغي اتفاقي 1929 و 1959م بما يسمح لكل دول الحوض بتلبية احتياجاتها من المياه دون الإضرار بالدول الأخرى .
* نظم اتفاق عنتبي الاطاري 39 بنداً تم الاتفاق على 36 بنداً ، وتم الخلاف حول ثلاثة بنود هي جوهر الاختلاف القائم منذ عام 2007م. ذلك لأن دولة المصب تعتمد على الجريان السطحي للنهر.
* لم يحضر السودان ومصر حفل التوقيع .
* أوضحت وزيرة المياه الأوغندية جنيفر تامويا نغويا كاتوندا أن الأتفاقية الجديدة تتضمن تقاسما أكثر عدالة لمياه أكبر نهر في أفريقيا . وأكدت أن الدول التي تعتبر أنه لا يمكنها التوقيع الآن ، عليها الاستعداد للقيام بذلك لاحقاً في إشارة إلي مصر والسودان وهما من أكبر المستهلكين لمياه النيل . واضافت نتفهم مخاوف مصر بشأن أمن المياه لكننا نعارض إصرارها على الاحتفاظ بحق الاعتراف وفقاً لما نصت عليه الاتفاقية الاستعمارية .
* أكد الوفد السوداني المفاوض لدي مبادرة دول حوض النيل ، رفض السودان للاتفاق الموقع في عنتيبي واصفاً إياه بأنه خطوة سياسية لن تعود بأي ايجابيات للدول المتوقعة . وأكد أن الموقف السوداني موقف إستراتيجي يدعم حق جميع الدول في الاستفادة من مياه النيل دول الإضرار بمصالح بعضها البعض.
* انحصر الموقف المصري في اتفاقية عنتيبي في موقفين يتعلق الأول بالشق القانوني المتعلق بتوقيع الدول الأربع الاتفاقية دون مصر والسودان . أما الشق الثاني هو الشق الفني المتعلق بمستقبل العلاقة بين مصر والسودان ودول المنابع . وكانت مصر قد استبقت هذا التوقيع وأشارت إلي صلابة موقفها القانوني المدعوم بالأصول والأعراف القانونية الدولية والوثائق التي تتضمن تدفق مياه النيل من دول المنابع إلي مصبه وهي تسع اتفاقيات أبرزها 1929م واتفاق 1959م .
* وصف مدير دائرة منابع المياه في وزارة المياه الكينية وعضو الوفد الكيني المفاوض حول مياه النيل جون نيادو ، اتفاق الدول الأربع على تقاسم مياه نهر النيل بأنه تمهيد لاتفاق آخر سيتم التوصل إليه خلال عام . وأضاف أن جميع دول حوض النيل اتفقت على التفاوض على أطار تعاوني جديد بينها وعلى العمل على اقناع مصر والسودان بالإنضمام إليه من أجل حل قضية الأمن المائي لجميع الدول . وأن الاتفاق التعاوني الجديد يخصص المياه بشكل عادل وفقاً للبند الرابع مشيراً إلي ان الاتفاق يتطلب إدارة وحماية مصادر المياه وذلك يتطلب موارد مادية والمطلوب من كل البلدان التي تستخدم مياه النيل أن تكون مستعدة لدفع الأموال مقابل إدارة هذه المياه .
عموما حتى الان ماتزال الخلافات قائمة ولم يتم التوصل لاتفاق بعد بين دول حوض النيل.
* ورقة قدمت في المؤتمر السنوي الرابع للجمعية السودانية للعلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.