إن الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية يحمل أخطاراً تهدد صحة الإنسان ورفاهيته، فالفيضانات والجفاف والتصحر والكوارث في العديد من مناطق السودان ارتبطت بإزالة الغابات والرعي الجائر والتي تعد من أخطر المهددات لملامح النظام البيئي المعاصر، ولهذا تزايد الاهتمام العالمي بالأخطار المشتركة التي تمثل تحدياً للبشرية جمعاء كالفقر ونقص الغذاء والمياه وسباق التسلح واللجوء وتلوث البيئة بكافة أشكاله ،من تلوث للهواء والماء والتربة واستنزاف للموارد الطبيعية ، وأضحت مكافحة تلوث البيئة تحتل أهمية كبرى في السياسات العامة للدول،حتى أن بعض الدول كالسودان خصصت وزارة تعنى بشؤون البيئة ، وأما على الصعيد العالمي، فقد نشطت الأممالمتحدة ووكالاتها المتخصصة ومنظمات السلام الأخضر في وضع أسس لحماية البيئة والحفاظ على التنوع الحيوي ووضع حد لاستنزاف الموارد الطبيعية من خلال مؤتمرات عديدة ، وفي الغرب يوجد اليوم ما يزيد على 120ألف هيئة أو مؤسسة من أصدقاء البيئة، ويوجد في الدول النامية أكثر من 200 منظمة غير حكومية، وأصبحت للبيئة أحزاب سياسية خاضت الانتخابات النيابية في دول مثل المانيا «حزب الخضر» وبريطانيا،وتوجد الآن شبكة عالمية لمراقبة المناخ تتألف من عشر محطات أساسية في المناطق المصابة بالتلوث تابعة لبرنامج الأممالمتحدة لحماية البيئة. ولهذا كانت التدابير الواجب اتخاذها لحماية البيئة تبدأ بتنمية الوعي البيئي لدى المواطنين وانتهاءاً بسن التشريعات الملزمة بشأن حماية البيئة من التلوث ، وانطلاقاً من تلك التدابير نجد أن مفهوم الأمن البيئي يعنى بالموارد الطبيعية المتجددة وكيفية المحافظة عليها وعدم استنزافها حتي تظل قادرة على سد احتياجات البشر مستقبلاً.ومن المؤكد فإن حماية البيئة أضحت ضرورة أمنية، لأن قضية المياه والتي تعد أهم الموارد بأبعادها و أصولها المختلفة تجعل المجتمعات تشعر بأنها غير آمنة ، وبالتالي تسعى للبحث عن أمن مائي أفضل،لأن جوهر الأمن المائي هو أن يكون لدي المجتمعات إمكانية حصول على مياه كافية ونقية.. وقد هالني خبروتحذير أذاعته بعض وسائل الإعلام في الأسابيع الفائتة عن منع تناول مياه النيل للشرب مباشرة دون تنقيتها وغليها خوفاً من إمكانية تلوث مصادرها ، والأمن المائي أيضاً يقوي الدول ويتيح لديها الوسائل الكفيلة بالحد من الضرر الذي يترتب عن نقص المياه.ونقص الماء هو الوجه الآخر للأمن المائي وله مظاهر عديدة منها الجفاف والذي يهدد أرواح الناس وسبل عيشهم، والمجاعات التي يترتب عنها فقدان الممتلكات كموت الماشية والمحاصيل الزراعية، حيث أن «32%» من أراضي العالم الجافة موجودة بالقارة الأفريقية ،والأراضي الاكثرتأثراً بها موجودة في كل من سيراليون، ليبيريا، غينيا، غانا، نيجيريا، زائير، جمهورية أفريقيا الوسطى، إثيوبيا، موريتانيا، النيجر، السودان والصومال، وأن«73%» من الأراضي الجافة بأفريقيا المستخدمة لأغراض زراعية قد أصابها التآكل أو التعرية (Degradation ).والسؤال الآن كيف تؤدى الدولة دورها فى حماية البيئة؟.. وللإجابة على هذا السؤال الكبير تبرز عدة محاور، خاصة إذا علمنا أن البيئة هي مكوِّن أساس في الكثير من الأزمات التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة وعلى رأسها أزمة دارفور والتي شهدت في بداياتها تدافعاً بين الرعاة والمزارعين حول الموارد المائية والزراعية الأمر الذي أسفر عن أزمة صخمة طوقت سمعتها أرجاء العالم ، والحال في بقية الولايات لايختلف عنه في ولايات دارفور، ففي ولاية الخرطوم وحدها نجد أن النفايات الصلبة «القمامة» يتم التخلص منها على مراحل وهى التجميع والنقل ثم المعالجة، ويقدر حجم هذه المخلفات على مستوى الولاية يومياً بواقع اثنين ألف طن بالتقريب، معظمها قمامة من المنازل والشوارع والجزء الآخر من مخلفات المبانى والمرافق العامة.. وعلى ذكر القمامة، فإن الجهود المبذولة لاتزال قاصرة عن الوفاء بنقل القمامة بالكامل خارج إطار المناطق السكنية نظراً لقصور جهود الجهات القائمة علي هذا الامر، حيث يتم تجميع ونقل نحو ثلثي كمية النفايات الصلبة، ومن ثم يترك الثلث المتبقي فى الشوارع والطرقات ومكبات القمامة داخل المناطق السكنية. وإذا عدنا لمفهوم الأمن البيئي نجده يتناول مسألتين: الأولى هي العوامل البيئية التي تكون سبباً في النزاعات والثانية تتمثل في تأثير التدهور البيئي على التنمية الاقتصادية ،ولما كان مفهوم أمن البيئة يتمثل في الضغط المتزايد على نظم الحياة والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية المتجددة مما يحمل أخطارًا تهدد صحة الإنسان ورفاهيته لا تقل في درجتها عن الأخطار الأمنية التي تفرزها الحروب والنزاعات المسلحة. الأمن البيئي يتعامل مع أخطار تتمدد ببطء مقارنة بأخطار الحروب، لذلك فإن المدى الزمني المطلوب لتخطيط سياسات حماية البيئة طويل نوعاً ما.ومع تزايد الاهتمام بقضايا البيئة أصبحت هناك ضرورة لوجود تشريع موحد لحماية البيئة، فقد صدر قانون حماية البيئة لسنة«200م» والذي ألغي قانون المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية لسنة 1991 م. وصدور قانون حماية البيئة الخاص بولاية الخرطوم «2008م» وهي تتضمن نصوصاً قانونية في جوهرها الحفاظ علي نظافة الهواء والماء والمحافظة على العشائر النباتية والحيوانية ذات الأهمية الخاصة، واستصلاح الأراضي الصحراوية مع التوسع في التشجير والمحافظة على المحميات الطبيعية والمراعي الطبيعية وتنميتها، مع الحد من الرعي الجائر. إن الأمن البيئي مشروع قديم متجدد لايقل أهمية عن سباق التسلح وحماية الحدود، فبيئتنا هي مصدر فخرنا وقوتنا، وحمايتها في متناول أيدينا لأن إماطة الأذي عن الطريق لاتكسر غرورنا وكبريائنا فحسب ، بل هي ضرب من الرياضات ومضاعفة الحسنات وزيادة البركات، وتأمين البيئات.