معارك الانتخابات البلدية وتحليل جوانبها السياسية والشعبية، التي شغلت اللبنانيين خلال الأسابيع الماضية لم يتنبه كثيرون لابعاد الزيارة التي قام بها رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان انطونيو كاسيزي الى بيروت، ولا الى القنبلة الاعلامية التي اطلقها بان المدعي العام القاضي دانيال بلمار سيصدر القرار الاتهامي في الخريف المقبل او قبل نهاية السنة كحد اقصى،ولكن الاهم من كل ذلك ما ابلغهانطونيو كاسيزي نفسه للمسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، حيث قال ان زيارته هذه هي آخر زيارة له الى لبنان، وان احدا من فريق المحكمة الدولية، بدءا بالقاضي دانيال بلمار ووصولا الى فريق المحققين لن يزور لبنان بعد اليوم في مهمة رسمية، فالملف اصبح جاهزا،واستنتج الذين التقواانطونيو كاسيزي ان ما كتب قد كتب، وان المسألة بانتظار التوقيت الملائم والذي لن يتجاوز نهاية العام الجاري. وغادر رئيس المحكمة الدولية كما وصل، اي من دون اي متابعة لبنانية وافية وسط ضجيج تأليف لوائح الانتخابات البلدية، لكن الذين التقوا «انطونيو كاسيزي» ساد لديهم انطباع بان لبنان يعيش مرحلة ما قبل عاصفة القرار الاتهامي،وطوال المرحلة الماضية كان قد ساد رأيان حول المحكمة الدولية. الاول ان المحكمة الدولية قد حسمت مسار اتهامها باتجاه مسؤولين في حزب الله انسجاما مع ما صدر في مجلة «دير شبيغل» ولكن مع بعض التعديلات وان صدور القرار له علاقة بالتوقيت السياسي الدولي. اما الثاني فهو يميل الى الرأي القائل بان المحكمة لن تذهب الى اتهام احد لان مجرد حصول ذلك، سيعني احتراق هذه الورقة السياسية في اللعبة القائمة في المنطقة، وبالتالي فقدان قيمة تأثيرها على مسار الاحداث وفي لعبة الضغط، طالما ان ما صدر قد صدر، وبالتالي فان ابقاءها كما هي يعطي مفعولا اقوى واكبر، ويبقيها سيفا فوق رؤوس الجميع، لكن الاشارات المتعاقبة رجحت قناعة اصحاب الرأي الاول، وجاءت زيارة«انطونيو كاسيزي»وما اعلنه حول صدور القرار الاتهامي قبل نهاية العام ليعزز قراءة اصحاب هذا الرأي،ويشير هؤلاء الى ان السفراء الاوروبيين كانوا قد سجلوا نشاطا لافتا منذ حوالى الثلاثة اشهر، حيث كان لديهم سؤال واحد مشترك لدى لقائهم بالمسؤولين اللبنانيين:ماذا سيحصل اذا ما وجهت المحكمة اصابع الاتهام الى مسؤولين في حزب الله؟ وكيف ستكون ردة فعل حزب الله!..وكان واضحاً من خلال ذلك ان توجيهات العواصم الاوروبية حيث تتواجد المحكمة، رصد ردود الفعل المحتملة في لبنان حين سيجري تسليط اصابع الاتهام باتجاه حزب الله،لا بل قبل ذلك، يروي ديبلوماسيون واكبوا نشاط المحكمة الدولية، ان مشاورات مكثفة جرت لدى وضع الفصل الاخير من النظام الداخلي للمحكمة،و لا سيما في الفقرة المتعلقة بالاستماع الى شهادات اشخاص قولاً يستطيعون الحضور شخصياً الى مقر المحكمة لاعتبارات خاصة،وجاء في هذه الفقرة انه في وضع مشابه سيجري العمل على الاستماع الى شهادات صولاً من خلال تقنيات التواصل من خلال الصورة والصوت عبر الاثير،وكان واضحاً وبشكل لا لبس فيه المقصود من هذا البند. وفي حين كان قد ساد اعتقاد بأن القرار الاتهامي سيصدر في نهاية العام 2009، الا ان تعثر مفاوضات السلام الاسرائيلية - الفلسطينية وبروز الازمة الاميركية - الاسرائيلية، ربما دفعت لتأجيل القرار،ففي السياسة المطلوب من المحكمة ان تشكل عاملاً ضاغطاً على حزب الله في إطار التسويات الاقليمية على مستوى الصراع الاسرائىلي - الفلسطيني وعلى مستوى الازمة مع ايران،اما اليوم فتبدو الامور في الشرق الاوسط امام دينامية جديدة. فالمعادلة التي كانت قد وضعتها«اسرائيل» خلال ازمتها مع الإدارة الاميركية حول «ضرب ايران مقابل تسوية سلمية مع الفلسطينيين» عدلتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لتصبح عقوبات جوية على ايران مقابل تسوية سلمية مع الفلسطينيين، ولذلك تحاول ايران الالتفاف على المعادلة الاميركية الجديدة من خلال التفاهم الذي رعته البرازيل وتركيا، ولذلك تزامنت عودة ميتشيل الى التحرك مع الحكومة الاسرائيلية،وكل هذا المناخ يؤشر الى ظروف اكثر ملاءمة لإعادة تحريك ملف المحكمة الدولية وبالتالي التحضر لاستعمال هذه الورقة سياسيا في الخريف المقبل. صحيح ان الاجواء الديبلوماسية تجمع تقريبا على ان التلويح بالحرب لا يعني ابدا ان الحرب ستحصل ، الا ان هؤلاء يخشون في حال تصاعد الضغط على حزب الله وايران، وان تكون ردة الفعل الذهاب الى مواجهة عسكرية سيكون مسرحها لبنان بكل تأكيد، وهذا ربما ما استدعى قوات الطوارئ الدولية لوضع خطط للانسحاب العاجل من جنوب لبنان في حال حصول طارئ عسكري باتجاه قبرص ومصر وفي مدة لا تتجاوز ال 24 ساعة.ورغم ان هذه السيناريوهات تبقى في اطار الاحتمالات الا ان الثابت ان لبنان يتجه الى مرحلة ضغوط قوية، سيتوجها صدور القرار الظني عن مدعي عام المحكمة الدولية في الخريف المقبل، وبالتزامن مع تحرك ملف المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية وبعد تنفيذ خطوات على ايران في إطار العقوبات، او بعبارة اوضح تقييد حركتها الاقليمية وتكبيل قدراتها المتنامية على خارطة الشرق الاوسط. دمشق آخر لحظة