في سرعة البرق، تنقضي سويعاتنا السعيدة ! كل اللحظات الهانئة، والمترعة بالسعادة والحبور .. تتسارع، وتتبخر .. ولا يهدأ لها قرار، حتى تتلاشى بالكامل من أمام أعيننا ! ساعاتنا الداخلية متوازنة، نستطيع بسهولة تقدير الزمن، حيث حياتنا مرتبطة بمواعيد تقديرية، نغفو لساعات محددة، ونستيقظ في أوقات معينة، نتناول وجباتنا في أوقات منتظمة، ونمارس الكثير من السلوكيات والعادات وفقا لتقويم زمني داخلي. تلك هي ساعاتنا الروتينية، التي اعتدنا معايشتها خلال سنوات العمر، أما ساعاتنا الاستثنائية، الساعات التي نقضيها جوار من نسعد بهم، وترتوي نفوسنا فيها بفيض الهناءة .. فهي ساعات مجنحة .. تطير فلا نستطيع استيقافها، وتتسرب بين أصابعنا رغم وجود دافئ أحسسناه داخل راحة أيدينا. المثال يقبل القراءة بالمقلوب، ففي حين تهرب الدقائق السعيدة سراعا، وينقضي زمانها باكرا، تتسلحف ساعاتنا الكئيبة، وتمضي بطيئة رتيبة، الحركة فيها كتلك التي نعيشها في أحلامنا المخيفة، فيهرب القوم مما يتغشانا من مفزعات، ونبقى نكابد الشلل الكابوسي، فلا نستطيع الحركة .. فزعا ورعبا ! أحد معارفي، اعتاد قضاء إجازاته في دولة قريبة، كنت دائما أسأله عن ذلك البلد، وكان دائما يجيبني بالإجابة ذاتها. سؤالي كان : كيف انطباعاتك هناك ؟ وإجاباته ظلت : الزمن هناك يجري سريعا، والإجازة تنتهي في لمح البصر، قبل أن يعب المرء فيها ما يطفئ الوجد، أو يشفي الغليل ! الشعور بمرور الزمن سريعا، توأم لأوقاتنا السعيدة، وباستشعارنا بطء الزمن وتوقف ساعاته، نكون قد سبرنا أوضاعنا النفسية، وعرفنا أننا نعايش ما لا نطيق ! استفسرني أحد الزملاء : هل غدا الجمعة ؟ أجبته بالإيجاب، فردد : سبحان الله، الأسبوع صار كاليوم الواحد، فبالأمس كانت إطلالة (السبت)، فكيف بتنا على مشارف الجمعة بهذه السرعة ؟! الزميل كان سعيدا دون شك، فاستشعاره مرور الأيام سريعا، علامة على أنه يقضيها هانئا مسرورا، وهي نعمة لا يعرفها، إلا من يكابد الساعات الطويلة المملة، انتظارا لانفراج أمر، أو تطلعا لبزوغ فجر يهزم العتمة ! آفة الزمن الكبرى، هي الانتظار، فلا يقتل المرء شيء كالانتظار، ولو ملك الناس أمورهم، لشطبوا من قاموسهم هذه الكلمة، ولألغوا من حياتهم الطوابير الغبية .. لأجل عيون حاجات يرتجونها ! أما أحد الأسرار في ذوبان الزمن، فهو الانغماس في شؤون متعددة، نختار منها ما يحقق ذواتنا، ويفيد غيرنا، ويشبع طموحنا، ويرضي تطلعاتنا. لكن السر الأكبر .. الذي يجعل ساعاتنا تمر كاللحظات، فهو أن نبقى بجوار ما نحب، ومن نحب. وقتا سعيدا .. معشر الأذكياء !