كان العنوان الرئيسي- (المانشيت)- لجريدة (الأحداث) يوم أمس الأول (الخميس): (أثيوبيا تقود مبادرة منفصلة لحل أزمة دارفور)، وكان لافتاً أن تفردت الجريدة بهذا العنوان، بل وبالخبر، على معظم الصحف السياسية الأخرى، التي طالعتها في ذلك اليوم وكانت سبعاً. يقول الخبر: إن أثيوبيا طرحت مبادرة جديدة لحل أزمة دارفور بعيداً عن منبر الدوحة، وحصلت أديس أبابا- وفقاً لسفيرها علي عبدو سليمان- على موافقة الحكومة السودانية والبعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي بدارفور. وأبلغ السفير (الأحداث) أن مبادرة بلاده ترمي لجلب السلام والاستقرار للإقليم، مؤكداً أن الخرطوم منحت أثيوبيا (الضوء الأخضر) للمضي قدماً في المبادرة التي تلقي تأييداً من بعثة حفظ السلام في دارفور (يوناميد). وأكثر من ذلك، بل أهم منه، هو تأكيد السفير الأثيوبي لدى السودان على (استقلالية الخطوات التي تعتزم بلاده القيام بها عن المساعي المبذولة في منبر الدوحة)، مشدداً في الوقت ذاته على اتفاق العاصمتين على نفس الهدف، أما مبرره لتدخل بلاده فهو(تأثير ما يجري في السودان على المنطقة عموماً وأثيوبيا على وجه الخصوص) مضيفاً: من هذا المنطلق نحن نطرح مبادرتنا والحكومة سعدت بهذا الأمر. الغريب والمحير في أمر هذا الخبر إنه يأتي في وقت يشهد إصراراً من جانب الحكومة وتأكيدات متواصلة، تسبح بها أجهزة الإعلام صباح مساء على أن ( منبر الدوحة) هو المنبر الوحيد المتفق عليه محلياً واقليمياً ودولياً لحل النزاع في دارفور، بل وصل هذا الإصرار والتأكيد مرحلة مطاردة وملاحقة رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم، لكي يتوجه إلى الدوحة وليس سواها، بعد أن فقد وثائق سفره إثر توقيفه في مطار انجمينا، ونزع السلطات التشادية لهذه الوثائق، بعد مغادرته مصر إثر زيارة وفد حكومي كبير برئاسة د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية.. تلك الزيارة التي فهم المراقبون منها أن الحكومة السودانية لا ترغب في أن تكون القاهرة بديلاً لمنبر الدوحة، فزيارة خليل نظر إليها في الخرطوم باعتبارها مناورة جديدة من قبل العدل والمساواة من أجل كسب الموقف المصري إلى جانبها، خصوصاً بعد أن اتضح أن القاهرة لا تبدي تعاطفاً مع ذلك المنبر، وتعتبره بمثابة لعب من جانب الدوحة في مجالها الحيوي (السودان وما حوله). ويتبدى هذا الاصرار الحكومي على(منبر الدوحة) أكثر في واقعتين أخريين أولهما استعجال استئناف المفاوضات وتحديد السادس من يونيو موعداً لذلك، إثر الزيارة السريعة التي قام بها د. غازي صلاح الدين لقطر، وثانيها إعلان الوسيط القطري أحمد بن عبد الله آل محمود عن استعداد قطر لتزويد د. خليل إبراهيم وبعض أعضاء حركته بوثائق سفر(اضطرارية) تخول لهم السفر إلى الدوحة (فقط) للمشاركة في المفاوضات، وبغض النظر عن السلوك السياسي لحركة العدل والمساواة وزعيمها خليل إبراهيم أو أهلية منبر الدوحة لتقديم حل نهائي لأزمة دارفور، فإن هذا الإعلان من جانب الوسيط القطري آل محمود قد جانبه التوفيق، وهو بلا شك يعزز من شكوك خليل وحركته وإتهاماتهم القائلة بإن الدوحة لم تعد منبراً محايداً، بل أكثر من ذلك يوحي للمراقب المدقق أن الوسيط القطري لم يفهم بعد مزاج الشخصية السودانية وسايكلوجيتها التي تعاند بطبعها وتركيبتها العاطفية الإملاء، حتى لو كان إملاءً يصب في خانة مصالحها، فكثيراً ما تأخذنا نحن السودانيين العزة بالإثم، فعرض وثائق السفر الاضطرارية في(إتجاه واحد) فقط هو الدوحة، يشكل استفزازاً لخليل ولحركته، خصوصاً في ضوء الملاحقة من جانب الحكومة بواسطة البوليس الدولي (الانتربول)، وتأليب دول الجوار على عدم استقباله، أو تسهيل عودته إلى الميدان للالتقاء بقادة حركته في الداخل، وفي هذا تقول الحركة: إن رئيسها خرج بتعهدات وتسهيلات من جانب الوسيط القطري، والوسيط الدولي جبريل باسولي، وعليهما أن يسهلا مهمته في الحركة والعودة إلى الميدان. نعود لموضوع (الإضاءة) الأساس، وهو المبادرة الاثيوبية الجديدة ومحاولة فهم معانيها ومراميها، فلو كان الخبر منسوباً إلى(مصدر عليم أو مطلع)، أوصادراً من عاصمة أخرى غير الخرطوم لما استوقفنا، لكنه جاء نقلاً عن السفير الاثيوبي في السودان، وأكد أن المبادرة وجدت ترحيباً من الحكومة السودانية، لكن ما ليس مفهوماً هو توقيت المبادرة، فكأن أثيوبيا تكتشف الآن تواً (تأثير ما يجري في السودان على المنطقة عموماً واثيوبيا على وجه الخصوص!)، علماً بأن أثيوبيا هي التي تعقد كل الاجتماعات المتصلة بقضية دارفور في عاصمتها، بما في ذلك تلك التي قادت لتشكيل القوة الدولية - الافريقية المشتركة (اليوناميد). ولو أن غير السفير الاثيوبي قال بموافقة الحكومة السودانية وترحيبها، لأخذنا بعض الشك في الخبر، فلا نتوقع أن يجرؤ أي سفير لبلاده لدى الخرطوم أن يعلن عن موافقة الحكومة السودانية على (مبادرة موازية) لمبادرة الدوحة، دون حصول بلاده على تلك الموافقة وذلك الترحيب. وهذا يقودنا منطقياً وبالضرورة للسؤال: هل فعلاً الحكومة بدأت تتشكك في نجاعة منبر الدوحة.. ليس هي وحدها بل حتى(حركة التحرير والعدالة)، التي يزور رئيسها د. التجاني سيسي أديس أبابا هذه الأيام.. فقط نريد أن نفهم!!.