رغم أن الصحف ظلَّت تتوقع لإعلان التشكيل الوزاري الجديد ساعات، إلا أن الإعلان خيَّب كل تكنهات الصحافة وكشف أنَّ الرئيس البشير لا يريده طبخةً نية، مختاراً منهج النار الهادئة للطهي والمشورة الواسعة والتكتم الشديد.. فهي أول مرة تعجز فيها الصحافة عن معرفة شيء مما يدور في مطابخ القرار الذي يبدو أن الرئيس حَرِص فيه على توسيع دائرة المشاركة مع ضرورة أن يكون الوزراء بمعايير تختلف عن السابق، وأن يُلزم المشاركون من الجهات الأخرى بالمعايير.. الأمر الذي لم يكن موجوداً في السابق، حيث كانت الأحزاب تأتي بكوادر ضعيفة تدخل الوزارات وتخرج منها دون أن تترك أثراً. مساكين الصحفيون فهم يدافعون عن قضايا الآخرين بينما لايجدون من يحمل همومهم ويدافع عنهم، فأغلبهم لا يعرف الاستقرار في صحيفة واحدة مثلما لا يجد أغلبهم منزلاً يمتلكه قريباً من عمله.. وبالرغم من مجهودات اتحادهم الذي سعى ولكنه لم يفلح في إقناع الحكومة بإقامة أبراج للصحفيين قريباً من مواقع عملهم لعدم تفهم المسؤولين لدور الصحافة والذي يتضح من المنازل البعيدة التي مُنحت لهم ،والتي لم يستطع حتى الآن إلا عدد بأصابع اليد الواحدة من السكن فيها .. وقد سألنا أستاذنا عطية الفكي في حلقة إذاعية من برنامجه «أولاد دفعة» جمعني فيها مع صديقنا زكريا حامد وصديقنا عوض محمد أحمد، عن الترحال من صحيفة لأخرى الشيء الذي يجعل القارئ لأي كاتب لا يستطيع ملاحقته بسهولة. فالأستاذ زكريا قفز خلال أعوام قليلة من الحياة التي ماتت إلى الإذاعة الاقتصادية ثم عاد للصحافة عبر صحيفة الوطن، ثم قفز إلى الشاهد الجديدة التي يترأسها الأستاذ النحاس الذي تنقَّل هو أيضاً خلال أعوام في أكثر من (6) صحف. وكذلك معاوية أبو قرون الذي انتقل إلى الأزمنة ثم الخدمة الوطنية وعاد نائباً لرئيس تحرير البلد الوليدة التي شغل قبلها أبو قرون رئاسة الدار. وفي قائمة البلد جاء هاشم عبد الفتاح والذي انتقل خلال أعوام إلى أكثر من (7) صحف والأمثلة تطول.. ولا أخرج أنا منها، فقد انتقلت خلال أعوام لعدة صحف ولم أستقر إلا في «آخر لحظة». ومشكلات الصحافة مثل توقف الصحف أو معاملة رؤساء التحرير أو ضعف الأجور وغيرها أسباب تجعل الرحيل المستمر والتنقل بين الصحف سمة الصحفيين الذين لا يجد القارئ بدَّاً من مطاردتهم والبحث عنهم في كل صحيفة!!. جاء في الأخبار أن تجمع شباب الحركة الشعبية- وليس شباب الجنوب طبعاً فليس كل الجنوبيين حركة شعبية- قد نظموا بالتضامن مع منظمات المجتمع المدني مسيرة في جوبا إلى مقبرة زعيم الحركة د. جون قرنق تدشيناً لما أسموه بحملة الاستفتاء تحت شعار «شباب من أجل الانفصال».. والخبر يشير إلى مساعي جهات داخل الحركة لتأكيد أن الأنفصالَ رغبةٌ شعبية، ناسين أن شعب الجنوب لن يُذر الرماد في عيونه بمثل هذه الواجهات التي لها أغراضها البعيدة عن مصالح مواطني الجنوب الذين يعرفون أن الجنوب لا يمتلك مقومات الاستقرار حالة الانفصال.. عبد الماجد عبد الحميد أدى القسم وزيراً للثقافة والإعلام أمس بالنيل الأبيض.. إنها خطوة للتغيير ليأخذ الخباز مكانه في مخبزه الذي كان يأتيه من لا علاقة له به.. فهل ستتسع الدائرة؟!.. ياريت ياريت. ------------------------------------------------------------------------ ------------------------------------------------------------------------