بين يدي الآن تلخيص لوقائع المحكمة التي انعقدت لمحاكمة قتلة الإمام الهادي المهدي وصحبه.زودني بها أخي وصديقي عبد القادر أحمد سيد أحمد المحامي ، الذي اطلع على وثائق المحكمة وقدم لها تلخيصاً وافياً بجريدة «السوداني» نشرته بتاريخ الجمعة 22سبتمبر 2006 .وقائع تلك المحكمة الموثقة بمتهميها وشهودها وقضائها ومحاميها تؤكد التالي : إن الإمام غادر الجزيرة أبا على شاحنة (لوري) يرافقه عدد من أقربائه ومعاونيه ومناصريه وأن وجهتهم كانت أثيوبيا عبرالكرمك ، وتحديداً في خور أحمر على الحدود ، وأن الوفدانقسم إلى مجموعتين تقدمت إحداهما وكان فيها الامام، وتخلفت الأخرى عن عبور الخور، وأن الشرطة في تلك المنطقة (الكرمك) قد شكّت في حركة الوفد المهاجر باعتبارهم مهربين، بعد أن قام شاهد الاتهام العاشر (أبو بكر عبده فرح) بإبلاغها بوجود مهربين مسلحين بالمنطقة، فتحرك ملازم الشرطة مختار طلحة بصحبة الملازم حسن دفع الله من الاستخبارات العسكرية لتعقب (المهربين) المفترضين، ووجدوا هناك - بحسب وقائع المحاكمة - مجموعة الحراسة الخاصة بالإمام محاطة بجمع من المواطنين، فاستسلمت المجموعة دون مقاومة وتم تجريدهم من السلاح وتقييد أيديهم من الخلف. ومن ثم تقدم الملازم طلحة لملاحقة المجموعة الأولى يرافقه بعض أفراد الشرطة، والذين تم تقديمهم في المحكمة كمتهمين ومن بينهم المتهم الأول (عبيد كمبال الأمين)، وهو الشرطي الذي ثبت لاحقاً في ختام المحاكمة أنه هو الذي أطلق النار من سلاحه على الامام، وأصابه في فخذه الأيمن وظل ينزف حتى قضى نحبه. فعل ذلك إثر مشاجرة وقعت بين ابن الامام المرافق له (الفاضل الهادي) الذي حاول الاستيلاء على سلاح الملازم مختار طلحة بعد أن رفض أعضاء المجموعة التفتيش، بينما كان الإمام جالساً ومتلثماً تحت ظل شجرة، حينها نهض الامام وحاول اتخاذ ساتر واستل مسدسه من تحت صدر جلبابه، فحاول المتهم (عبيد كمال) اثناءه عن المقاومة فلم يستجب الامام لندائه، عندها أطلق عليه المتهم طلقة واحدة أصابته في فخذه الأيمن، فنزف حتى فارق الحياة، وحينها اكتشفت قوات الشرطة أن المصاب كان هو الإمام الهادي شخصياً فتم ربط موضع الإصابة بعمامة وتحرك قائد قوات الشرطة لإحضار طبيب، وأخطر ضابط الاستخبارات الملازم حسن دفع الله الذي قام بدوره بالترتيب لإخطار القيادة العامة للقوات المسلحة. أما المتهم الثاني - في تلك المحاكمة - فقد كان أحمد حسين بامسيكة، الذي توجه لموقع الأحداث على رأس قوة من الشرطة، ولدى وصوله اكتشف أن الإمام قد فارق الحياة على حجر سائقه الانصاري المخلص سيف الدين الناجي الذي كان ممسكاً برأسه ومن حوله يقف بعض أفراد الشرطة، فطلب منه المتهم (بامسيكة) الوقوف وترك رأس الامام فرفض الناجي فما كان منه إلا أن أطلق عليه ثلاث طلقات من سلاحه فأرداه قتيلاً. المهم أن خلاصة تلك المحاكمة، كما لخص وقائعها الأخ عبد القادر سيد أحمد قد أكدت ان الامام قضى نحبه وهو في الحدود الشرقية الجنوبية للسودان عند الكرمك، وأن المتهم عبيد كمبال قد أقرّ أمام المحكمة الكبرى التي انعقدت بالخرطوم في العام 1987 - اي بعد 17 سنة على وفاة الإمام، بعد أن نبشت جثته وجثث رفاقه - بأنه هو من أطلق النار على الإمام وأكد شهود الاتهام ذلك وكذلك تقرير الطبيب الشرعي، فحكمت المحكمة بأن المتهم كان يمارس حقه في الدفاع الشرعي ورأت أن إطلاق النار - طلقة واحدة على الفخذ - ينتفي معه قصد تسبيب الموت للإمام، خصوصاً بعد أن أخرج الإمام مسدسه وأشهره تجاه قائد القوة الملاحقة الملازم طلحة إثر الاشتباك بين ابنه (الفاضل) وقائد القوة حول المدفع الذي كان يحمله وبرأته المحكمة من تهمة القتل العمد التي تنص عليها المادة (251 ع) بينما خلصت المحكمة بالنسبة للمتهم الثاني (بامسيكة) واستناداً إلى أقوال الشهود وبينات الطب الشرعي بمسؤوليته عن تسبيب الوفاة للسائق سيف الدين الناجي خصوصاً وقد وجهت النيران إلى صدره ورأسه بالاشتراك مع المتهم الثالث (وداعة عثمان علي) الذي أطلق عياراً نارياً على صدر الناجي بأمر الضابط الاداري طلحة، اما المتهم الرابع وهو (عبد الله إبراهيم حبيب) قائد حامية الدمازين فقد تسلم - بحسب المحكمة - أمراً من الرئيس جعفر نميري شخصياً بدفن الموتى وإعدام الأسرى، وبينهم خال الإمام محمد أحمد العمدة مصطفى حسين، ولكنه أوضح أمام المحكمة إنه لم ينفذ تعليمات الرئيس ووسّط ضابط الاستخبارات حسن دفع الله ليشفع لدى نميري، والذي انتهت المحكمة إلى انه شخص غير مأمون الجانب وأن بينته «ترقى لمسؤولية بينة الشريك الذي يحاول إزاحة عبء الفعل عنه ويلقيه على عاتق غيره» فطرحت شهادته جانباً بعد استعراض موقفه تجاه الأحداث، برأت عبد الله حبيب ورأت أنه غير مذنب تحت المواد (84/251) أو أي مادةٍ أخرى. قصدت من إيراد كل التفاصيل أعلاه عن حكاية استشهاد الامام الهادي، تزويد الأستاذ هيكل بأكبر قدر من المعلومات الموثقة حول هذه الحكاية، لعلمي بأن هوى الأستاذ وهمه الأول هو جمع المعلومات وتوثيقها ومن ثم تحليلها.. فزودناه بخلاصة المحكمة الكبرى التي عقدها القضاء السوداني (المستقل) بعد الاطاحة بصديقهم جعفر نميري - غفر الله له - وذلك حتى يضمها إلى أرشيفه العملاق، وحتى يصحح معلوماته (الظنية) حول هذه الحكاية، التي قادته إلى (كسلا) - على الحدود الشرقية الشمالية - المواجهة لاريتريا الحالية، وليس (الكرمك) على الحدود الشرقية الجنوبية، وإلى ان الامام قضى (بسلة مانجو» ملغومة وليس بالرصاص كما أثبتت المحكمة واعترف القتلة. وننتظر منه بشجاعته الأدبية المشهودة وبلغته الصحفية الباذخة أن يصلح ما أفسده مع قرائه ومشاهديه ومحبيه السودانيين ويزيل تلك البقع السوداء من على ثوبه الناصع، مع كامل التقدير والاحترام.