الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    ((المدرسة الرومانية الأجمل والأكمل))    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    كامل إدريس يصدر توجيهًا بشأن الجامعات.. تعرّف على القرار    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شطحات هيكلية (4-6) كيف قتل الإمام الشهيد؟ا
نشر في الراكوبة يوم 27 - 06 - 2010


ي 2
شطحات هيكلية (4-6) كيف قتل الإمام الشهيد؟
رباح الصادق
تعرضنا في حلقتنا الأولى لأسئلة يثيرها حديث هيكل المبثوث بقناة الجزيرة حول أحداث الجزيرة أبا، ثم فصلنا حول ما دار في أبا ، ونقول إنه مهما كان من حقيقة اشتراك مصر من عدمه، فإنها مسألة تترك للتاريخ وللمؤرخين لتوضع في إطارها ذلك التاريخي، كما يجب أن يتم التحقيق بشأنها من ناحية إنصاف الضحايا وأهلهم، لكنها –أي مسألة اشتراك النظام المصري الناصري أم عدم اشتراكه- ليست القضية التي يجب أن تحظى اليوم بالمغالطة على النحو الذي دار.. إن الأهم هو لماذا حشر هيكل مسألة مصير الإمام بتلك الطريقة؟ وكانت رسالته (بضرورة الابتعاد عن الحلول العسكرية في حوض النيل) ستصل لو وقف عند حد بطولاته المذكورة. لماذا إذن لم يصمت بعدها عن الحديث المباح ويقول: تصبحوا على خير؟
قال هيكل (في محاولة لرد الاتهام عن مصر بقتل الإمام الهادي) إن الإمام قدمت له «منقة» ملغومة (سوداني مش مصري)!
من قال لهيكل إن مصر اتهمت أصلا بقتل الإمام الهادي؟
من قال لهيكل إن الإمام الهادي مات بمانجو؟
من قال لهيكل إن قضية الإمام الهادي لا زالت مجهولة وإنها انضمت للجرائم الغامضة في التاريخ؟ فتبرع هو بنقل هذه الأقاويل الكذوبة في ساعة معه بقناة الجزيرة؟
دعونا إذن نروي الأحداث:
ملابسات هجرة الإمام
تتابع القصف العشوائي على أبا حتى صبيحة الاثنين 30/3/1970 حيث بدأ منذ الساعة الخامسة صباحا وتواصل حتى بعد المغيب. وفي وقت متأخر من ليل الاثنين قرر مجلس شورى الأنصار أن يغادر الإمام الهادي الجزيرة أبا مهاجرا لأثيوبيا حقنا للدماء، على أن تسلم الجزيرة أبا للقوات المحاصرة بعد ساعات كافية تتيح للمهاجرين وصول الحدود الإثيوبية، وهذا ما تم. فتوقف ضرب الجزيرة أبا فجر الثلاثاء 31/3 ودخل قادة الانقلاب الجزيرة أبا وتم احتلالها بالكامل.
توجه الإمام مهاجرا لأثيوبيا واتجه نحو الحدود ومعه تسعة أشخاص عبر الكرمك (وليس كسلا كما قال هيكل)، لينضم لقادة الجبهة الوطنية الذين ينتظرونه في معسكر جبل الرادوك داخل الحدود الأثيوبية ( وليس بعيدا عن أنصاره في كردفان ودارفور كما قال هيكل). ثم اختفى ومعه الخال محمد أحمد مصطفى وملازمه سيف الدين الناجي، وعاد سبعة من مرافقيه وقد شاهدوه آخر مرة مصابا بطلق ناري. وكثرت الشائعات بعدها حول مصير الإمام الهادي المهدي، وتحفظ النظام على ما جرى، وأطلق معلومات متضاربة مما جعل المسألة فعلا غامضة وغير معلومة التفاصيل. مثلا أذاع النظام عصر الأربعاء 1 أبريل أن الإمام قتل ضمن اشتباكات حدثت في الحدود، ولكن لم يتم أبدا الحديث عن تشييع أو مكان دفن. وانطلقت أقاويل وثارت معتقدات أن الإمام لا زال حيا بدار الهجرة، وطبعت في ذلك ولا زالت تطبع كتب أمثال كتاب (الغربال) أو (وحي المؤمن) يحوي بشارات من رؤى الأحباب المؤمنين بعودة الإمام الهادي ولو بعد حين.
وحينما جرت المصالحة في 1977م بين الجبهة الوطنية والنظام المايوي، أثير الملف بضرورة رد اعتبار الإمام الهادي المهدي وتبيان حقائق ما جرى والسماح للأنصار أن يدفنوه حيث يشاءون، (انظر كتاب المصالحة الوطنية- 1978) وكان ذلك من ضمن ملفات المصالحة المقبورة.
وبعد قيام انتفاضة رجب/ أبريل المباركة تم تكوين لجنة تحقيق حول الأحداث، هذه اللجنة قامت بمجهود لتقصي الحقائق فاستدعت الشهود الأحياء وسمت المتهمين، وقدمت تقريرها الذي بناء عليه جرى تحديد قبري الإمام الشهيد، ورفيقيه الشهيدين، وتم نقل رفاتهم جميعا لقبة الإمام المهدي في موكب تشييع ضخم، وخاطب رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي الشعب السوداني في خطاب نشر وطبع ضمن خطب مجلس الوزراء (المجلد الثاني) جاء فيه: «الجزيرة أبا قرية ليس فيها أسباب الدفاع ضد الطيران، والسلاح الثقيل لم يقف عند هذا الحد من الوحشية بل استعان بقوى أجنبية للبطش بالمواطنين في خطة غدر لم يشهد التاريخ السوداني الحديث لها مثيلا. وأمام هذه المعركة غير المتكافئة قرر الإمام الهادي المهدي أن يهاجر من الجزيرة أبا إلى أثيوبيا حيث يقابل قادة الجبهة الوطنية في الخارج الذين ينتظرونه في معسكر جبل الرادوك الذي يقع على بعد عشرين كيلومترا شرق مدينة الكرمك . وفي طريق الهجرة أحاطت قوة من الشرطة بالإمام وصحبه وهناك تتالت أحداث انتهت باغتيال الإمام واثنين من رفاقه هما الخال محمد أحمد مصطفى والأخ سيف الدين الناجي ودفن الثلاثة في وادي الدوم».. «منذ أن سقط السفاح طالبنا ومعنا نفر من خيرة المواطنين أن تحقق الحكومة الانتقالية في هذه الأحداث وأن تعمل على معاقبة الجناة وكشف الحقائق كاملة. لقد قبلت الحكومة الانتقالية هذه المذكرة القومية التي رفعت لها ولكنها لم تتمكن من تحقيق مطالبنا، ومنذ تولينا الحكم أعطينا الموضوع اهتماما كبيرا وكونا لجنة عالية الكفاءة وأحطنا أعمالها بالسرية التامة ومنحناها تفويضا كاملا لإحصاء الحقائق وتحديد المسئوليات، فقامت اللجنة في سرية تامة بأعمالها فعرفت تفاصيل الحادث وأسماء القتلة والذين قاموا بالدفن ومواقع القبور واستنادا على هذه الحقائق الموثقة اتخذنا الإجراءات الكفيلة بمحاسبة الجناة ووضعنا أيدينا على القبور وحرسناها واتخذت الإجراءات الكفيلة بحفظ النظام وقررنا دفن رفاة الإمام في القبة مع جديه وأبيه وأخيه ودفن رفاة زميليه الذين وقفا معه مؤازرين الخال محمد احمد مصطفى والأخ سيف الدين الناجي في فناء القبة. إن كل الحقائق والوثائق بتفاصيلها سوف تنشر ومعها شهادة الشهود واعترافات المعترفين ليصبح الناس كلهم على بينة من الأمر». وبعد أن تعرض السيد الصادق للموقف الفقهي الإسلامي من نقل الرفاة وأكد مشروعيته والمصلحة المجنية من ورائه قال: « لقد تقرر أن يكون نقل الرفاة ودفنها بالقبة في البقعة في يوم الاثنين التاسع والعشرين من شعبان الموافق 27 أبريل الجاري وسوف يبدأ التشييع من مسجد الهجرة في تمام الرابعة من عصر ذلك اليوم. لقد وجهت الدعوة على الصعيد القومي لممثلي أهل السودان دينيا وسياسيا وفئويا وإقليميا وصحفيا وشخصيات وطنية للمساهمة في هذه المناسبة القومية الكبرى.» (الخطاب موجود بقسم الوثائق بموقع حزب الأمة على الإنترنت منذ بضعة أشهر).
وبعد ذلك جرت محكمة علنية للمتهمين في مقتل الإمام ورفيقيه، وقد نشرت كافة جلسات المحكمة حتى وقائع الجلسة الختامية في كتاب، فصارت المسألة متاحة للباحثين وللرأي العام.. وجاء في وقائع الجلسة الختامية أن البلاغ أقيم ضد المتهمين «بتاريخ 16/4/1987م بواسطة «لجنة التحقيق حول ظروف وملابسات مقتل الإمام الهادي المهدي وآخرين» المفوضة من قبل النائب العام، وقد تم فتح البلاغ في مواجهة سبعة من المتهمين إلا أن جهات الضبط القضائي لم تتمكن من إحضار أحد هؤلاء المتهمين وهو المتهم جعفر نميري» (ص 119. )
وبعد أن سردت المحكمة الوقائع المأخوذة من أقوال الشهود وتطابقها أوردت: «إن تسلسل البيانات في هذه المسألة وردت متواترة بدرجة لا تحتمل أي شك أو مظنة وهي تقطع بوفاة الإمام الهادي عبد الرحمن المهدي والمرحومين سيف الدين الناجي ومحمد أحمد مصطفى. وإذا جاز لنا أن نعلق على تلك الحوادث فهي بلا شك صورة مثلى للفوضى وغيبة حكم القانون وخرق صريح لمبادئ حقوق الإنسان وحق الفرد في المثول أمام محاكمة عادلة مختصة. وإن إفلات بقية الأسرى من القتل ونقلهم من الدمازين إلى الخرطوم بالطائرة كان من قبل العناية الإلهية ومحض مصادفة حيث أنهم لم يكونوا في العربة التي حملت الجثث والأسير محمد أحمد مصطفى، وأن سلوك بعض الأفراد المسئولين عن هذا الحادث يعد إدانة للنظام السابق حيث خرج من عباءته عدد من الدكتاتوريين الصغار نصبوا أنفسهم قضاة وجلادين ونفذوا حكم الإعدام دون تردد أو رحمة، ولم تتمكن الشرطة من مجرد فتح البلاغ للسرية التي أحيطت بها العملية حتى إماطة اللثام عنها بواسطة لجنة التحقيق. ونود أن نختتم هذه المقدمة بأن الاتهام والدفاع كانوا خير عون للمحكمة، وتشيد المحكمة بجهودهم وصبرهم في التعامل مع هذه القضية والتي جمعت أشتات بياناتها بجهد ومشقة بعد مضي أكثر من سبعة عشر عاما من وقوعها وشاءت العناية الإلهية أن تبقى بياناتها حاضرة بدرجة مذهلة» (ص 118).
الوقائع التي صدقتها المحكمة والمروية في الصفحات 108-114، تقول إن مجلس شورى الإمام اتفق على هجرة الإمام وأن يكون أمر الجزيرة أبا بعد هجرة الإمام لشاهد الاتهام الأول خالد محمد إبراهيم وحقنا للدماء وإيقافا لنزيف الدم طلب الإمام الهادي منه تسليم الجزيرة أبا بعد هجرته، وعند الساعات الأولى من فجر الثلاثاء (31/3) وعند الواحدة صباحا خرج الإمام الهادي من الجزيرة أبا يرافقه كل من عمر مصطفى ومحمد أحمد مصطفى، وعباس أحمد عمر، وسيف الدين الناجي، ومحمد علي يونس، ومحمد محمد صادق الكاروري، وعز الدين الشيخ، وعبد المطلب بابكر خوجلي، والفاضل الهادي بعربة لوري عن طريق الجاسر.
ثم مضت المحكمة تسرد الوقائع وكيف وصل المهاجرون لمنطقة خور أحمر وترجلوا لما لقوه من (تحرش) سكان قرية أونسة وانقسموا إلى مجموعتين مجموعة أولى ضمت الإمام الهادي ومحمد أحمد مصطفى وعمر مصطفى وسيف الدين الناجي والفاضل الهادي، والمجموعة الثانية ضمت الباقين، وتحركت المجموعة الأولى صوب الحدود الأثيوبية. هذه المجموعة الثانية تم القبض عليها من قبل شرطة الكرمك وتمت حراستها ثم تم التوجه للقبض على المجموعة الأولى حيث وجدوها جالسة على الأرض وفي أثناء القبض عليها قاوم الفاضل الهادي الضابط الذي كان يهم بتفتيشه وحاول الاستيلاء على سلاحه، وفي أثناء ذلك حاول الإمام الهادي إخراج مسدس فنبهه أحد العساكر من مغبة ذلك وضربه بعيار ناري في منطقة الفخذ، وحينها أي بعد إصابة الإمام- انهارت المجموعة وأدركت قوة الشرطة أن المصاب هو الإمام الهادي فحاول قائد القوة إنقاذه بربط الإصابة بعمامة ثم تحرك لإحضار طبيب، وتم نقل أفراد المجموعة المنهارين لصحبهم في المجموعة الثانية بينما بقي الإمام الهادي ومعه سيف الدين الناجي و(الخال) محمد أحمد مصطفى، كما تم إخطار الخرطوم بالحادثة وجاء الأمر من جعفر نميري بقتل جميع الأسرى ودفنهم في سرية، ولملابسات ذكرتها المحكمة انبنت على الصدفة تم الإبقاء على أرواح الأسرى السبعة الذين نقلوا للخرطوم، بينما قتل سيف الدين الناجي في وحشية بالغة ومن بعده الخال.
تروي المحكمة: «وصل المتهم الثاني أحمد حسين بامسيكة ووجد الإمام الهادي قد فارق الحياة، وكان سيف الدين الناجي جالسا على الأرض واضعا رأس الإمام على حجره في حراسة قوة الشرطة فطلب منه الوقوف فرفض سيف الدين الناجي وأخذ يكبر: الله أكبر ولله الحمد عدة مرات، فما كان من المتهم الثاني أحمد حسين بامسيكة إلا أن أطلق عليه من مسدسه ثلاث طلقات نارية في صدره وأمر شاهد الاتهام الرابع الأمين مصطفى إدريس أن يصرعه بطلقة إلا أن الأخير رفض الانصياع للأمر فأمر المتهم الثالث وداعة علي سيد أحمد فاستجاب المتهم الثالث للأمر وأطلق طلقة نارية واحدة من بندقيته على صدر سيف الدين الناجي». وتروي المحكمة كيفية دفن الشهيدين وقتل الثالث حيث قامت قوة بحفر قبرين في منطقة باو التي تبعد 59 كم من الدمازين على بعد 150 مترا شمال شرق مفترق الطرق المؤدي إلى قادمية والطريق المؤدي إلى باو، وكان البعد بين القبرين حوالي 10 خطوات، وكيف نقلت الجثتان عبر عربة جيش يرافقهما الخال الذي كان حيا، فطالب المتهم (تيراب الغالي النور) من أحد الجنود إعدام محمد أحمد مصطفى فتردد فأمر جندي آخر ففعل بطلقة اخترقت الرأس من الخلف مهشمة للوجه من الأمام، بعد ذلك دفن كل من سيف الدين الناجي ومحمد أحمد مصطفى في قبر واحد في وضع معكوس، ودفن الإمام الهادي في مقبرة وحده مع العنقريب الذي حمل فيه!
التفاصيل الدقيقة التي أسفرت عنها المحكمة وأظهرت دهشتها للتطابق المذهل في الحيثيات أذيعت للعالمين، وحوكم المتهمون فبرئ من برئ وأدين من أدين، فكيف بالله عن للأستاذ هيكل أن يتجاوز كل ذلك ويقول إن القاتل لا زال مجهولا!؟
ثم إذا قلنا إن هيكلا يقول: سودانيون فالعب بهم! كيف يعن للكاتب الدكتور أحمد خير الذي كتب مقالا في صحيفة سودانايل بعنوان (هيكل وأحداث الجزيرة أبا) أن يعلق على ما نشر من تكوين حزب الأمة للجنة لتفنيد ادعاءات هيكل بالسؤال: «أين كان حزب الأمة طوال الأربعة عقود الماضية منذ مقتل الإمام!؟ وكنا نعتقد أنه كان قد أجرى التحريات اللازمة حول مقتل الإمام وتعرف على الحقائق ولم يحن بعد موعد نشرها على الجماهير»؟ ونحن نتساءل أين كنت أنت يا دكتور؟
نشر المهندس مجاهد بلال طه في سودانايل ذاتها مقالا بعنوان (هيكل والإمام الهادي .. معارك الصحافة السودانية الخاسرة) استنكر فيه وهو المأخوذ بطريقة هيكل في سرد التاريخ أن تقوم دنيا الصحافة السودانية على هيكل ولا تقعد لمجرد خطأ وحيد، يمكن تصحيحه؛ برأيه، ولكن لا يمكن أن يترتب عليه دك لكامل البناء الهيكلي الممتع (المعنى من عنده والتعبير من عندنا). سمح، نحن ما أدرانا بكل ما يقول هيكل في مسروداته السابقة؟ إنه حينما تعرض لما ندري ونعلم اختلق ذلك (الكذب البدائي المفضوح) بتعبير الدكتور محمد وقيع الله، وروى بذات المتعة تفاصيل وهمية حول المانجو والألغام، وحينما بحثنا وجدنا كل قوم مسهم هيكل بمس قالوا كذاب أشر! يمكن مع موهبة وذكاء وحصافة أن تخرج الأكاذيب بشكل ممتع، وهذا لن يغنيك من الحق شيئا فأنت كذاب حتى وأنت تُمتِّع! فهذه الهفوة الواحدة كما يسميها المهندس مجاهد لا يمكن أن تكون من عند مؤرخ صادق، لأنه لو كان اكتفى بالقول إنه لم يتابع الأحداث بعدها لما سألناه. لكن أن يروي الرواية المختلقة التي ما سمعنا بها في البدو أو الحضر بل كانت محض اختلاق، ثم يتبعها بقوله إن القاتل لا زال مجهولا وأن الحادثة انضمت إلى الجرائم الغامضة في التاريخ فمعناه أنه لم يسمع صدى الحادثة حينما نبشت عبر التحقيق والقضاء وطرقها الإعلام السوداني في الثمانينات –ولم يكن هيكل يافعا ولا بعيدا عن دنيا الإعلام- ولا هو تتبع الأخبار ولا هو سأل كما قال مواطنه الأستاذ هاني رسلان، ثم خرج علينا في ساعته تلك، مدفوعا برسالة سياسية يريد أن يرسلها لحكام مصر الآن حول التعامل مع ملف مياه النيل- ليختلق قصصا حول الأقوام في حوض النيل ويدبج بطولات ذاتية، ويأتي بالمانجو، وما يدريك! هذه ليست هفوة، إنها عطل أساسي في المنهج يكشف الطريقة «الهيكلية» في رواية التاريخ.
وربما الفرق الأساسي بين التلفيقات الهيكلية السابقة وبين هذه أنه هنا كان في أدنى درجات الحرص والحصافة، وهنا نتوجه له بدعوة قريبة من دعوة السيد فهمي هويدي في مقاله (دعوة لإتقان التزوير)، فهويدي البرم بالتزوير الفج في الانتخابات يقول: «إذا لاحظت أن الاعتراض ليس منصبا على مبدأ التزوير، ولكن على الأسلوب الفج الذي اتسم به، فإن ذلك يثير سؤالا حول تفسير ذلك التدهور في مستوى التزوير.» التساؤل ذاته موجه أولا للقائمين على (كذبة أبريل) أو انتخاباتها السابقة بالسودان، وموجه لهيكل أيضا لأنه في تزويراته السودانية بالغ ونفذها بفجاجة ليست كالسابقة، وإجابتنا على مثل هذا التساؤل بالنسبة للحالة الهيكلية هي كما قلنا لأن مجمل السودانيين لدى هيكل لا يؤبه لهم: محتقرون في همته كشعرة في مفرقه!! فما من داع للتثبت أو الاتقان حتى حول مقتل زعيم الجماعة الدينية الأكبر والسياسية الأكثر انتشارا في السودان!
ولكنا لن نغادر حتى نقلب بعض ما جاء على قلم الأستاذ ضياء الدين بلال. لقد علق بلال على الحدث حاشدا لأفكار نيرة، ومثيرا عدة قضايا هامة منها مسألة الوثائق السودانية ومحمياتها التي (لا تقدم من العون إلا الزهيد) والحديث عن أن ملفات الأمن السوداني في عهد نميري بيعت في بورصة أسواق المخابرات العالمية، وانصراف الساسة عن توثيق الأحداث، وهذه كلها أوجاع حقيقية وإن كانت غير مناسبة مع هذه القضية تماما لأن هذه القضية موثقة بتفاصيلها المذهلة كما رأينا. ما أدهشنا أن بلالا حينما جاء يفند أن الإمام مات مسموما بمنقة ملغومة قال: (بالقطع يدرك الأستاذ محمد حسنين هيكل أن السودانيين لا يغتالون خصومهم عبر السموم المدسوسة!) وإنني أسأل الأستاذ ضياء الدين بلال: هل السودانيون يقتلون خصومهم بالطريقة التي قتل بها الإمام ورفيقيه؟ وإذا كان من سخرية الأقدار أن قاتل الإمام بالذات كان بريئا لأنه لم يكن يعرف هوية الإمام حينما أصابه بالطلق الناري ولا قصد قتله بل تعويقه، فإن طريقة قتل الخال والناجي أثبتت الجرم والوحشية التي تعامل بها (السودانيون) يومها مع رفيقي الإمام بعد معرفة هويتهما. أظهرت حيثيات المحكمة كيف تم قتل سيف الدين الناجي بوحشية بثلاث طلقات أفرغت في صدره ثم تبعتها الرابعة، وكيف قتل الخال بطلقة اخترقت رأسه من الخلف.. بعض الجنود (السودانيين) رفضوا الانصياع للأوامر بقتل الأسرى بتلك الطريقة، وبعضهم أطاع.. ترى هل كانت تلك الطريقة في قتل الأسرى العزل سودانية؟ هل كانت فكرة «أن نقتل أصبح أسهل من إلقاء تحية/ أن نطلق في الرأس رصاصة/ أن نغرز في الصدر الخنجر/ أن نشنق أن نخنق أن نبتر/ أن نمسح حد السيف بحد اللحية» أسهل من إلقاء تحية! هي فكرة أكثر شرفا أو أقل إثما من القتل بالسموم؟ هل كان دك الجزيرة أبا والمدنيين فيها بالطيران والمدافع سودانيا؟ نعم.. كلها طرق جربناها وتغنينا طربا لمايو ورصاصها، وهي تتساوى في إثمها مع السموم والدسائس القذرة، أو تزيد، ولن نفخر يوما بها أو نعتبرها مشرفة في مقابل السموم!
كم صعبة هي الكتابة من بين الدموع، وتحت وطء الجراح التي نكئت، ولكننا سنواصل بإذن الله.
وليبق ما بيننا
الاحداث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.