دائماً انتهز فرصة يوم الجمعة لمواصلة الأرحام والزيارات الاجتماعية المختلفة فادركتني صلاة الجمعة أمس وأنا في العمارات شارع 41 حيث كنت في زيارة عمتي التي بقيت تمثل لنا نحن أسرة ود عياد الخيط الذي يجمع حبات المسبحة أطال الله في عمرها وهي قد تعافت والحمد لله من وعكة طارئة وخفيفة. ادركتني صلاة الجمعة فقصدت المسجد القريب مسجد العمارات شارع 41 وبعد أن أديت ركعتي التّحية وجدت نفسي أجلس بجوار شاب في مقتبل العمر لا يزيد عمره في تقديري عن ثماني أو تسع عشرة سنة ومن ملامحه قدرت أنّه من شرق آسيا وما دعاني للتركيز ومتابعته أنّه كان وأثناء خطبة الإمام كان يبكي صامتاً وتسيل دموعه وعندما أقيمت الصلاة حرصت أن أكون بجانبه فقرأ الإمام سورة الأعلى والشرح على التوالي في الركعتين الأولى والثانية وكان ذلك الشاب يبكي بنحيب خافت أسمعه وربما سمعه من كان بجوارنا في صف الصلاة، وعندما انتهت الصلاة وبعد السلام تحرك الشاب وتحركت خلفه فاستوقفته وسألته إن كان يعرف اللغة العربية فقال لي (أعرف بسيط) فسألته من أي بلد أنت؟ فقال (من الفلبين) أين تعمل فقال في محل هنا في شارع 41 وشعرت أنّه يتحدث معي وهو مستعجل يسير أمامي فقلت له لم أنت مستعجل أريد أن أتحدّث معك؟ فقال عندي إذن من الشغل ساعة واحدة فقط لأداء صلاة الجمعة كادت أن تنتهي. فقلت له هل يُحاسبك صاحب العمل إن تأخرت في الصلاة؟ قال(لا بل يُحاسبني الله الذي جئت وصليت له، لأنني آخذ أجراً على عملي في هذا اليوم) ولم يعطني فرصة لأسأله سؤالاً آخر وسار مبتعداً عني وأظنه يقصد مكان عمله. عجبت لهذا النموذج الإيماني العميق ولهذا الخوف من سؤال الكريم الديّان وعقدت مقارنة في نفسي بين من نرى إسلامهم وإيمانهم في العمامات والشالات والأحذية البيض والمسابح التي لا تفارق الأصابع ولكنّهم لا يحترمون وقت العمل ويتعللون بالصلوات في مساجد المصالح والوزارات التي تبارى في إنشائها المتبارون فتضيع مصالح خلق الله ويضيع وقت الدولة والأمة ويتعطل الإنتاج عموماً.. قطعاً لا يستطيع مسلم أن يرفض وقتاً للصلاة أثناء العمل لأنها بميقات ولكن يجب ألا تكون مدعاةً للتسيب والانصراف عن الأعمال. وأظنني قد أحسنت الظن كثيراً في مسلمي بلادي وربط أمر العمل والصلاة لأن نموذج ذلك الشاب بهرني ولكن يا ليت كان التسيب بحجة أوقات الصلاة وحدها فالإفطار والحديث في التلفونات والأنس الخاص والنميمة والاجتماعات الكثيرة التي لا تفضي إلى شيء والتعلل بمشكلة المواصلات لمن يصل متأخراً أو الذين يخرجون من عملهم قبل الوقت المحدد. كل ذلك يحدث خصماً على وقت العمل الذي يُحاسب عليه الله سبحانه وتعالى (من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل) فهلا خشيتم إخوتي في مواقعكم المختلفة من الله سبحانه وتعالى خشية ذلك الشاب الفليبيني المؤمن.