يتم اللجوء السياسي بعدة طرق: 1/ قد يفر الشخص إلى إقليم دولة اللجوء، وقد يدخله بطريق غير شرعي، كما يغادر الشخص إقليم دولته إلى إقليم دولة أخرى بشكل طبيعي، ثم يفر إلى دولة ثالثة يلجأ اليها، وقد يطلب اللجوء في نفس الدولة التي قصدها أول مرة. 2/ وقد يلجأ الشخص إلى بعثة أجنبية أو طائرة أجنبية. 3/ والشخص الفار إلى بلد آخر أو اللاجئ اليها، قد يكون ارتكب جريمة يعتقد أنها سياسية، ويخشى مطاردته بسببها.. وقد تثور فكرة الجريمة حين يطلب الشخص اللجوء، وتحاول دولته طلب تسليمه، وتلفق له جرائم عادية معينة تزعم أنه ارتكبها قبل خروجه، أو أنه فر هارباً منها لحكم عليه، كما أن قرار الشخص قد يكون رغبة منه في الهروب من الحكم عليه، أو رغبة منه في أن يجد المناخ السياسي والفكري المناسب لاتجاهاته وآرائه، ولا تمانع دولته بل، وقد ترحب بخروجه، في كل الأحوال السابقة تثور قضية اللجوء السياسي، إما عندما يطلب الشخص اللجوء أو عندما تطلب دولته تسليمه، فآنذاك يرتبط اللجوء بالتسليم، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن اللاجئ السياسي ليس بالضرورة أن يكون مجرماً سياسياً، فقد رأينا أن سبب طلبه اللجوء، قد لا يكون له علاقة بالجرائم أصلاً، سواء أن كيفت على أنها سياسية أو عادية.. ولكن معظم حالات طلب اللجوء أو طلب التسليم ارتبطت بتكييف الجريمة التي هرب من أجلها الشخص، أو التي طلب تسليمه لمحاكمته من أجلها، أو غير ذلك من الاعتبارات المرتبطة بالجريمة بشكل عام.. ومن ناحية أخرى ينشئ اللجوء نظاماً قانونياً للاجئ والعلاقة بين دولة الملجأ ودولة اللاجئ، والدول التي تطلب تسليمه، كما تترتب التزامات وينشئ حقوقاً لهذا اللاجئ. اللاجئ السياسي: قد يختلط بحث طلب اللجوء بطلب التسليم، ولكن رفض طلب اللجوء لا يعني آلياً الموافقة على التسليم، كما أن رفض طلب اللجوء قد يكون لقرينة واضحة على انتفاء الطابع السياسي للجريمة، مما يجعل لرفض التسليم أسباباً أخرى، تختلف عن هذا السبب.. فما هي إذن حدود العلاقة بين السلطات في صدد منح الملجأ والتسليم. الأصل أن السلطة التنفيذية هي التي تقرر مسائل منح اللجوء والتسليم، وتدخل القضاء بعد ذلك ضمانة جديدة لصالح طلب اللجوء، وأخذ مظاهر التطور الديمقراطي، ففي استراليا مثلاً جرى العمل على ترك السلطة المطلقة في يد السلطة التنفيذية للبت في طلب اللجوء، ولا تستطيع المحكمة العليا الاسترالية أن تتحدى قرارها، وهذا ما أقرته المحكمة العليا الاسترالية في قضايا كثيرة. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية تطور الأمر إلى كون وزير الخارجية الأمريكي ملزم بقانون حظر تسليم المواطنين، إلا إذا ورد نص في معاهدة التسليم على أساس المعاملة بالمثل، وله في بعض الأحيان سلطة تقديرية في تسليمهم إذا رأى ضرورة لذلك، ولم يكن هناك نص ملزم لبلاده بتسليمهم. وعلى كل حال إذا لم تجد الدولة في جريمة الهارب اليها طابعاً سياسياً، فقد تسلمه أو ترفض تسليمه لاعتبارات أخرى، حيث إن نطاق الامتناع عن التسليم يتخطى نطاق الطابع السياسي للجريمة، ولكن إذا وجدت الدولة للجريمة طابعاً سياسياً فهل يمكنها تسليم الهارب أم لا. حظر التسليم في الجرائم السياسية: لقد انتهى التطور الهائل في هذا المجال إلى مبدأ حظر تسليم اللاجئين السياسيين، وشاع بعد ذلك في الاتفاقيات الخاصة بالتسليم، وفي قوانين الدول الداخلية، وخاصة في الدساتير، ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى قانون دول الشمال، الذي يبيح التسليم فيما بين الدول الاسكندنافية، وقوانين واتفاقيات الدول الاشتراكية التي انهارت معظمها الآن.. ومن هذا يتضح أن حظر تسليم المجرم أو اللاجئ السياسي يجد أساساً سنده في القوانين الداخلية، وتمتنع الحكومة عن تسليمه حتى لا تخالف الدستور أو القانون، كما يجد سنده في أحكام الاتفاقية المتواترة الخاصة بالتسليم. وبذلك يمكن القول إن ذلك قد أصبح مبدأ من المبادئ العامة للقانون. ولكن يبدو أن العمل الدولي لا يميل إلى التسليم بالصفة الملزمة الأصيلة لمثل هذا المبدأ، حرصاً من الدول على ممارسة سيادتها دائماً في مواجهة اللاجئ. طوائف الجريمة السياسية: مع تواتر النص على حظر التسليم في الجرائم السياسية، إلا أنه لم يؤدِ إلى الاتفاق على طوائف الجرائم السياسية، ولكن ممارسات الدول تكشف عن أربع طوائف تقع بين طرفي الطابع السياسي البحت والطابع العادي البحت للجريمة وهذه الطوائف هي: 1/ الجرائم السياسية المطلقة التي تنطوي على هجوم مباشر على وجود الدولة، وهي تقليدياً التجسس والخيانة. ب/ الجرائم السياسية المركبة التي تجمع بين الطابع العادي والسياسي للجريمة، مثل الهجوم على رئيس الدولة وأسرته، وتتعامل معها بعض الدول مثل إيطاليا معاملة خاصة. ج/ الجرائم السياسية النسبية، وهي الجرائم العادية التي ترتكب في ظروف تجعل طابعها السياسي يغلب على طابعها العادي.وتقسيم الجريمة السياسية على النحو المتقدم ينبغي أن يقرن بأمرين هما: تطور الجريمة السياسية، ثم تعريف وتحديد أركان الجريمة السياسية، وهو مما لا يتسع له المقام هنا. وعلى كل حال فقد أكدت معظم المحاكم على أن الدافع للجريمة السياسية ينبغي ألا يكون شخصياً، وإنما يجب أن يحدث أو يستهدف إحداث تغيير في نظام الدولة والمجتمع، اقتصادياً أو سياسياً أو إجتماعياً، ولصالح المجتمع أو الدولة في اعتقاد الجاني، وأن يكون ذلك تنفيذاً لمخطط يتبعه الجاني. لواء شرطة متقاعد مدير إدارة المباحث الجنائية المركزية الاسبق