أخيراً طفت التشكيلة الوزارية إلى العلن بعد اختفاء طويل تحت سطح التكهنات والاستنتاجات والأمنيات، وقطعت القرارات الرئاسية القاضية بتحديد الأسماء والمواقع قول كل خطيب. ظللت أُتابع أمر التشكيل وإعلانه مثل بقية زملائي في الوسط الصحفي منذ أن تمّ حل الحكومة السابقة وتكليف ثلاثة من أعضائها بتصريف أعباء وزاراتهم مع تكليف الوكلاء في بقية الوزارات بتصريف الأعمال. طال انتظارنا لإعلان الحكومة الجديدة لأن للحدث المُنتظر أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ذات الأثر المباشر على حياة الناس في كل أرجاء الوطن الكبير، الذي نأمل أن يظل كذلك رغم رايات الانفصال المرفوعة شمالاً وجنوباً. تابعت الأمر رغم وجودي خارج الخرطوم منذ يومين، ولكنّ ثورة الاتّصالات قرّبت البعيد وجعلته أقرب من مشهد أمام عدسة كاميرا(ديجتال) لا تترك تفصيلاً أو شاردة أو واردة خارج إطار الصورة.. ولأنه ليست في السودان أسرار خاصة لمن سعى فإن أكثر أسماء أعضاء التشكيلة الجديدة كانت مقروءة وواضحة بالنسبة لي قبل إعلانها الرسمي، ولكن الحذر والمصداقية وتقديرات القيادة التي قد تختلف من لحظة الاتّفاق على الأسماء إلى لحظة الإعلان عنها جعلتني أتروى في النشر الأخير، وقد اتّفقت مع زملائي في الصحيفة على ذلك في محادثة ليلية مع زميلي الأستاذ عبد العظيم صالح مدير التحرير مع ضرورة نشر المفاجآت في التشكيلة الجديدة، ومنها إعلان الطاقم الشاب الذي يدخل الوزارة لأول مرة.. ولكن الحكومة مثل القدر لا تمهلك في شيء، إذ سرعان ما تم إعلان أسماء الوزراء الجُدد، وتم تغيير كامل للصفحة الأولى للصحيفة بعد العاشرة من ليل أمس الأول، ودفعنا بزاوية الدكتور هاشم الجاز إلى الصفحة الأخيرة لأنّها كانت تنتظر الإعلان عن الحكومة الجديدة، الأمر الذي جعل رياح التغيير والتعديل والتبديل تطال الصفحة الأخيرة ذاتها، وما كنتُ قد كتبت شيئاً لهذه الزاوية، إذ آثرت ألا أعرض خارج الساحة أو خارج الزفة. دعاني الأستاذ بدر الدين كامل خفاجة مدير مكتب (آخرلحظة) في مدينة (مدني) التي ذهبت إليها لبعض الأعمال، دعاني وزميلي الأستاذ محمد عبد المطلب خالد إلى عشاء في منزله الكائن بحي البان، وجاء إلينا نفر من أصدقائه وجيرانه، فقال قائل منهم بعد أن تم إعلان أسماء الوزراء الجُدد: (والله دي حكومة جديدة.. بس إن شاء الله نريدها). والرجل اختصر الكثير وجاء بالمُفيد لأن الجزاء من جنس العمل.. فإذا(رادتنا) الحكومة وأحبتنا فمن المؤكد أننا ح (نريدها) لأنه ليس أقرب إلى المرء ممن يحمل معه همه.