وما زلت معتمداً.. للحبيبة.. الغالية.. زهرة المدائن.. بهية المساكن.. أم درمان.. يا لحظي.. وسعدي.. وأنا أحكم مدينة.. يبدأ.. النيل منها.. والنيل.. أحبتي لا يبقى نيلاً.. إلا عندما يلثم ثرى أم درمان العطري.. وعذراً شاسعاً.. أستاذي الراحل.. المُقيم.. مرسي صالح سراج.. وأنت تتحدث مزهواً عن الوطن.. وكيف أن ذاك النهر.. قد هام يستلهم حسناً.. فإذا عبر بلادي ما تمنى.. طرب النيل لديها وتثنى.. لا.. إنه عبر أم درمان.. طرب وتثنى.. هو في كل كتب التاريخ والسياحة والجغرافيا.. النيل.. الذي يبدأ اسماً ورسماً من أم درمان.. وعجباً.. ودهشة.. وإهمالاً.. ونحن.. نقيم.. على ضفته الغربية.. حواجز وموانع.. وقلاعاً أسمنتية شائهة.. بشعة وقبيحة.. تحجب.. سريانه واندفاعه.. وتحدره.. وانسيابه عن العيون التي.. كم أسعدها وموجاته الفضية.. تترقرق.. متراقصة.. وبساط من العشب الأخضر.. يحفه في روعة ودلال.. ومحال.. وجمال..وعليه.. فإني وبالسلطات المخولة لي.. أصدر أمراً.. بإزالة.. أي بناء.. أو كشك.. أو زريبة.. أو«كمينة طوب».. أو ورشة حدادة.. من على الشاطيء وفوراً.. استثني من ذلك.. مباني المجلس الوطني.. وجامعة القرآن الكريم.. على أن «نمسح» بالكراكات والجرافات كل بناء.. بعد قاعة الشهداء.. وحتى آخر بوصة.. يودع فيها.. النيل أم درمان.. ويصافح.. أول ذرة تراب.. من حدود ولاية نهر النيل شمالاً.. وبعدها.. سيعود النيل بهياً وفتياً.. تردد على ضفته الغربية.. تراتيل عثمان حسين وهو يشدو.. وسل الشاطيء لما كنت ألقاك دوماً.. ويستقبل النيل.. أحبتي..العرسان.. وهم يغنون.. في فرح عاصف.. وتنغيم طروب.. عريسنا ورد البحر.. يا عديله.. قطّع جرائد النخل يا عديلة.. ومساهمة من أم درمان في إشاعة الجمال.. وفك الاختناقات المرورية.. ستكون هناك.. بصات نهرية.. تبدأ من آخر نقطة من أم درمان شمالاً.. ومحطة.. محطة بتذكر عيونك.. وأنا في البص النهري.. حيث الماء.. والخضرة وذكرى عيونك.. حتى آخر محطة نهرية قبالة المجلس الوطني.. ثم.. أمر.. لا يقل خطراً وخطورة.. عن كل الذي تقدّم.. وهو.. قرارات صارمة.. واجبة النفاذ.. بلا تراخ ولا إبطاء.. وهو.. إيقاف.. كل «الكشات».. للمقاتلات أعمدة خيم الأسر والعائلة.. بائعات الشاي.. والأطعمة.. يكفي كثيراً.. أنهن يتصدّين لمهمات.. بالغة القسوة وهن.. يدافعن عن أطفال.. زغب الحواصل لا ظل ولا ماء ولا شجر.. يكفي عذاب لهن.. غياب الزوج والعائل والكافل.. إما بالغياب والهروب الكبير.. أو ذاك الذي ذبحته سكين الصالح العام.. يكفي أنّهن يجابهن «نيران» «الكوانين» اللاهبة.. ونظرات بعض «المُتسكعين» العطالى الوقحة.. وأمر آخر.. واجب النفاذ.. وهو إعادة.. سينما أم درمان.. والوطنية.. وبانت والعرضة.. شريطة أن يكون هناك عرضان.. دورأول وثاني.. حتى يستمتع المشاهدون مرة أخرى.. بروائع.. القصص.. الخالدة.. ولنبكي مرة أخرى.. في الصالة.. صالة السينما.. «شعب».. وناتالي وود.. تلك الفاتنة الفقيرة.. تتمرغ على التراب وتحت أحذية «ود العز» الثري المُترف «وارن بيتي» تبكي.. في نحيب يفتت القلوب.. يعتذر «وارن» وهو يقول «لقد كنت أمزح.. لتجيب ناتالي من خلال الدموع.. إنّ حبنا لا يقبل المزاح.. يجب أن تعود السينما.. وبالله عليكم.. أمدينة بلا سينما.. أ هي أم درمان.. درة العواصم.. وصانعة الماضي.. ومدونة الحضارة والتاريخ.. أم هي.. مدينة مغروزة في تلال الملح عند مضارب تميم.. و «تدفنها» رمال الربع الخالي.. وبمناسبة السينما.. والثقافة والحضارة.. ولأن أم درمان.. هي من وهبت الوطن كله.. بهيج الكلمات.. وروعة الأغاني وشاهق المعاني.. ولأن أم درمان.. قد منحت الوطن.. تلك الحناجر الذهبية والألحان الماسية.. لأنها قد أنجبت.. في عظمة.. وجلال.. الجابري.. وإبراهيم عوض.. وكل تلك الأفلاك البديعة.. سأكون.. هيئة من الأحبة.. الطاهر إبراهيم وأبو قطاطي.. ومحجوب سراج.. وسيف الدسوقي.. وآخرين التمس منهم المعاونة والمشورة.. لنجيب على السؤال.. متى نعيد أم درمان واهبة للفرح.. صانعة للجمال.. قيثارة طروب للوطن النبيل.. وأخيراً وداعاً.. وصدر تحت توقيعي.. وختمي..