من المؤكد أن الأستاذ المحترم نبيل أديب عبدالله لا يختلف معي في الرأي القائل بأن المهمة الأساسية لجهاز الأمن الوطني هي حماية البلاد من المهددات الأمنية إن كانت داخلية أو خارجية، ولا يختلف معي أيضاً أن تكون من بين سلطات الجهاز سلطة الإعتقال، لكنه بالطبع ومثله في ذلك مثل كل أهل السودان، يطالب بوجود ضمانات كافية تؤمن حماية حقوق وخصوصيات المواطنين في مواجهة جهاز الأمن الوطني. ونحن في سبيل البحث عن هذه الضمانات لا يمكننا التحدث عنها بمعزل عن التطور الدستوري الذي تم في البلاد منذ التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، ومن الضروري في هذا الخصوص الرجوع الى الجزء (د) من بروتوكول اقتسام السلطة في اتفاقية السلام الشامل الخاص بهياكل الحكم. هذا الجزء من الإتفاقية يؤكد بأن المرجعية الأساسية لهياكل الحكم في السودان هو الدستور القومي الإنتقالي لسنة 2005م، ويؤكد كذلك أن المرجعية الأساسية لسن أي تشريع في السودان بما في ذلك قانون الأمن الوطني، هو أيضاً نفس الدستور. ولفائدة القراء الأعزاء أرى من المهم أن أورد نص الفقرة 1/3 من الجزء (د) «هياكل الحكم» في اتفاقية السلام الشامل.. يقول هذا النص: الدستور القومي السوداني هو القانون الأعلى للبلاد، ويجب أن تتوافق جميع القوانين مع الدستور القومي. وبمراجعة نصوص الدستور القومي الإنتقالي لسنة 2005م وهي المشار اليها في نص الفقرة 1/3 من الجزء (د) في اتفاقية السلام الشامل، نجده ينص في الباب الثاني منه وهو الباب المسمى بوثيقة الحقوق، على «48» حقاً من بينها الحرمة من التعذيب والمحاكمة العادلة والمساواة أمام القانون والحياة والكرامة الإنسانية واحترام الخصوصية. من ثم يمكننا القول إن أي تشريع في السودان بما في ذلك قانون الأمن الوطني أو خلافه، لا يمكنه بناءً على هذه النصوص الدستورية الواضحة، أن ينتهك أياً من الحقوق الوارد ذكرها في وثيقة الحقوق أو ينقص منها حسبما جاء نصه في المادة 4/27 من دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005م، يقول النص 4/27 بالواضح: (تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة في هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنقص منها). لكل ما تقدم نرى أنه قد أصبح من المؤكد أن أي محاولة للإنتقاص من حقوق المواطنين وحرياتهم أو مصادرتها، هي بكل المقاييس محاولة بائسة وغير دستورية. ولا أعتقد بأن هناك ضمانات يمكن توفيرها للمواطنين في مواجهة أجهزة الدولة بأفضل أو أكثر قيمة من هذه الضمانات الدستورية، بالطبع غير ضمان الله عز وجل. ومن المناسب أن أورد الآليات المتاحة للمواطنين لاتباعها حماية لهذه الحقوق والحريات. وبعلم الكافة إن دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005م قد نص على أن تكون المحكمة الدستورية هي الجهة المناط بها حماية هذه الحقوق والحريات، وبالواضح تنص المادة 122(1) (د) من هذا الدستور، على أن تكون المحكمة الدستورية حارسة للدستور وتتولى حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية. واذا تصفحنا قانون المحكمة الدستورية لسنة 2005م، نجد أن من سلطاتها وهي تنظر في الدعاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة، من سلطاتها إصدار أي أمر لأي جهة أو شخص لإحضار الشخص المعتقل أو المحبوس أمام المحكمة بغرض النظر في دستورية الحبس أو الإعتقال، وهذا الإجراء يعرف في القانون الإنجليزي ب «HABEAS COR PUS». بعد هذا السرد الذي حاولت اختصاره، أخلص وأقول إن الجهات التي قالت بأن سلطات الجهاز حصرياً، هي جمع المعلومات فقط، أراها جهات متآمرة، هدفها إشاعة الفوضى في البلاد ونهايةً إسقاط النظام الدستوري الذي شيدته إتفاقية السلام. على العموم أختم هذه المساهمة الأولى بقولي إن جهاز الأمن الوطني لا يضم وداعيات ولا قارئي فنجان ولا ضاربي رمل حتى يتمكنوا من جمع المعلومات بلا استدعاءات أو اعتقالات، وفي نفس الوقت ليسوا موظفين في وكالة سونا للأنباء حتى يكون عملهم جمع المعلومات.. إنهم أفراد عاهدوا الله أن يحموا هذه البلد بالغالي والنفيس وسوف يمكنهم هذا الشعب الواعي من أداء مهامهم والقيام بدورهم الوطني بلا تغول على حقوقه أو حرياته. مقدمة هذه المساهمة المتواضعة أملتها عليَّ ظروفها، عندما أحضر لي أحد (أولاد العوض) مقالة الأستاذ نبيل أديب عبدالله وسألني مستفسراً: نبيل ده شنو ومن وين؟ وشكراً ü محامي ومستشار قانوني