قاتل بأمر المجتمع كم من مفاهيم عقلية بائسة متحكمة فينا جعلتنا نتجرع مرارات كالحنظل.. غصة في الحلوق.. ودموع في المآقي لا طعم في الحياة إلا للعلقم!.. شباب ضائع في متاهة العقول المتحجرة الجاهلة التي لا تصحو من غفوتها إلا بعد أن تمزق السكين الحادة حلماً زاهياً وهاجاً... وتكيل رماد الفجيعة على إشراق المستقبل..! وتحيط الأغلال بالمعصم.. وبدلاً من أن يلبس... أحد أبنائنا روب التخرج.. ويحمل بيده شهادة دخوله لحياة عملية ومهنية جديدة.. يحمل لقب «قاتل بأمر المجتمع»!!. أخرج طالب العلم.. مديته المخفية بين ملابسه.. بدلاً من أن يخرج قلمه.. وأوغل في الجسد الغض طعناً.. فسالت الدماء... حمراء قانية.. فخضبت قاعة الدرس بلون أرجواني أنهك الأوجاع... حين حكم على الزهور بالموت قبل أن يحين قطافها...! الحبر نضب مذهولاً.. لا يستطيع حتى أن يكتب عبارة «من المسؤول؟.. ومن الذي يجب أن يحاكم..! عندما يشتري الطالب سلاحاً... ويحفظه في الداخلية.. وكيف تعدى حدود أن يكون طالباً.. ليصبح قاتلاً..! من المسؤول عن القتل.. وأدواته المادية من سكاكين ومطاوي.. ومعنوية وهي الأهم.. نفوس منهكة مريضة... يأبى المجتمع أن يصرح بمرضها النفسي.. ويخاف من الطبيب النفسي.. «خوفه من الداء العضال»..! وأمراض النفس لا أحد بريء منها.. طالما أنها في حالة استقطاب دائماً ما بين الإنجذاب إلى البشرية.. أو العلو إلى الروحانية.. فتارة تطغى عليها ناريتها.. ومرة تغلب عليها شفافيتها وطهارتها.. فتمتحن بشتى الإبتلاءات والإحن لتفضح حقيقتها!! فالنفس هي حقيقة الإنسان وليس الجسد الذي لا يعد أن يكون واجهة لكيان الإنسان الأصلي..! فلماذا لا نعترف بالمرض النفسي.. كغيره من الأمراض؟ ولماذا نعيش بتلك المفاهيم البالية «بأن المرض النفسي هو جنون».. وهو بالفعل سيكون كذلك إذا أهمل علاجه..! وحتى متى يظل الناس بفكر أن النفس لا تمرض ولا تحتاج لعلاج متخصص.. «حتى يصل كثير من المرضى إلى مرحلة القتل».. ثم يحال بعد ذلك نتيجة كثير من المؤشرات التي ظهرت أثناء محاكمته للكشف عن حالته النفسية والعقلية!.. ولماذا لم تظهر تلك المؤشرات من قبل؟.. ألم يلاحظ أهله وزملاؤه الذين عاشوا معه، أنه يعاني من سلوك غير طبيعي!.. إن النفس تتعرض لأكثر مما يتعرض له الجسد.. من ضجر وملل ووسوسة.. عذاب.. ضيق.. واكتئاب وغيره.. وهي مصدر كل فعل آثم.. في الإنسان قال تعالى: «فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله» 30 المائدة. - «ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه» 16 -ق - «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها..» 8 -الشمس - «وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء» 53 - يوسف فالنفس يمكن أن تكون مطمئنة، راضية مرضية.. ويمكن أن تكون سبب كل المعاصي والذنوب..! فلماذا.. نترك المرضى النفسيين حتى تتفاقم حالتهم.. وتتردى إلى أبعد مدى وتصعب بعد ذلك السيطرة عليهم.. أو على أفعالهم.. وجل ما نفعله هو الذهاب إلى الدجالين والمشعوذين بزعم أن فلاناً معيون.. مكتوب .. مطبوب.. صحيح أن العين حق.. ولكن هناك فرق بين السحر... والمرض النفسي.. وذوو الاختصاص هم أفضل من يدلنا على نوعية المرض.. وهم الأطباء النفسيون..! كم من جريمة ارتكبت ازهقت فيها أرواح بريئة.. لأننا لا نعترف بالطب النفسي!.. إن الأمم المتحضرة تعتبر أن أهم طبيب هو الطبيب النفسي.. ولكل شخص طبيبه الخاص.. الذي يشكو له حتى من أعراض القلق أو الضيق..! فمن نحكم؟ إن المريض نفسه معذور.. وصدقوني أن القاتل الحقيقي في تلك الجرائم هو المجتمع.. الموغل في الجهل والغفلة التي لا يصحو منها إلا عندما تنصب المشانق..! آه حين تلقى الأمنيات حتفها.. غير مأسوف على ضياع الأمل في تحقيقها!