برلين - يستخدم تعبير "على الأريكة" غالبا للإشارة إلى شخص يخضع للعلاج النفسي. ولكن بإمعان النظر في المعنى الدقيق للكلمة، نجد أن الأريكة أداة لا تستخدم إلا في العلاج النفسي التحليلي أو التحليل النفسي التقليدي، والذي يستلقي فيه معظم المرضي، وليس جميعهم، على أريكة في غرفة الطبيب النفسي ولا ينظرون إلى الطبيب. يقول راينر ريختر، رئيس الغرفة الاتحادية للأطباء النفسيين في ألمانيا، إن الهدف من ذلك هو "تيسير الأمر على المرضى لسبر أغوار عالمهم الداخلي وأفكارهم ومشاعرهم" المستقرة في باطنهم. وكان مؤسس التحليل النفسي النمساوي سيجموند فرويد "1856-1939"، والذي وضع النظرية القائلة بأن عقل كل إنسان يتألف من ثلاثة أجزاء، وهي "الهو"، أو منطقة الرغبات اللاشعورية، و"الأنا العليا"، أو منطقة القيم المكتسبة والشعور، و"الأنا"، أو المنطقة التي تنعكس فيها تصرفات المرء بشكل أكثر مباشرة. ويتألف "الهو" من جزئين، جزء فطري مسؤول عن الغرائز الموروثة التي تمد الشخصية بالطاقة بما فيها الأنا والأنا الأعلى، وجزء مكتسب معني بالعمليات العقلية المكبوتة التي منعها الأنا "الشعور" من الظهور. ويعمل "الهو "وفق مبدأ اللذة وتجنب الألم، ولا يراعي المنطق والأخلاق والواقع، وهو لا شعوري كلية. و"الأنا" هي شخصية المرء في أكثر حالاتها اعتدالا بين "الهو" و"الأنا العليا"، حيث تقبل بعض التصرفات من هذا وذاك، وتربطها بقيم المجتمع وقواعده، ومن الممكن أن تقوم بإشباع بعض الغرائز التي تطلبها "الهو" ولكن في صورة متحضرة يتقبلها المجتمع ولا ترفضها "الأنا العليا"، فعلى سبيل المثال، عندما يشعر شخص بالجوع، فإن ما تفرضه عليه غريزة البقاء "الهو" هو أن يأكل حتى لو كان الطعام نيئا أو بريا، بينما ترفض قيم المجتمع والأخلاق "الأنا العليا" مثل هذا التصرف، غير أن "الأنا" تقوم بإشباع تلك الحاجة ولكن بطريقة متحضرة فيكون الأكل نظيفا ومطهيا. أما "الأنا العليا" فهي شخصية المرء في صورتها الأكثر تحفظا وعقلانية، حيث لا تتحكم في أفعاله سوى القيم الأخلاقية والمجتمعية والمبادئ، مع البعد الكامل عن جميع الأفعال الشهوانية أو الغرائزية. مثال ذلك الضمير، الذي يتكون مما يتعلمه الطفل من والديه ومدرسته والمجتمع من معايير أخلاقية. ويرى المحللون النفسيون أن التنافر بين الأجزاء الثلاثة وصراعات الطفولة والمراهقة التي تركت دون حل يمكن أن تؤدي إلى الاضطرابات النفسية. وتقول فيندولا فالتر-كيرست، الطبيبة النفسية المنتسبة إلى معهد "ميشائيل بالينت" للتحليل النفسي والطب النفسي والعلاج النفسي التحليلي للصغار والكبار في هامبورج: "حتى وإن لم تكن الطفولة هي السبب الوحيد أو الرئيسي، فإن تاريخ المرء وماضيه يلعبان دورا مهما". وفي جلسات التحليل النفسي، يطلب الطبيب من المريض أن يصف ما يفكر فيه وما يشعر به في تلك اللحظة من خلال أسلوب يعرف باسم "التداعي الحر" "والذي يبدأ فيه المريض المستلقي على الأريكة في سرد ذكرياته وآلامه بدون أي توقف أو محاذير تحت ملاحظة المعالج النفسي الذي يراقب أسلوبه واستخدامه للألفاظ التي قد تعكس أسلوب ذلك المريض في مواجهة الحياة وحل المشكلات". وفي الوقت نفسه، يستمع المحلل النفسي بما يعرف باسم "الانتباه العائم المتساوي"، أي بدون أن يركز انتباهه بشكل مباشر على شيء معين، ويحاول التعرف على النماذج المتكررة للسلوك والتفكير والشعور. ويقول كلاوس بوبنسيكر، رئيس معهد هامبورج للتحليل النفسي والعلاج النفسي، وهو معهد تدريب تابع للجمعية الألمانية للتحليل النفسي: "من خلال ذلك، يقيم المريض علاقة مع المحلل النفسي لا تقوم فقط على التحليل المتبادل، بل ينقل فيها المريض للطبيب ويفصح له عن المشاعر والأحاسيس التي بداخله أو العلاقات التي مر بها، دون أن يشعر بذلك في بادئ الأمر". ومن بين المشاعر التي يمكن أن ينقلها المريض لطبيبه الخوف من السلطة أو الفشل الذي يصيب المرء بالحزن أو الاكتئاب، حسبما أشار بوبنسيكر. ويقول بوبنسيكر إنه على مدار الوقت، يحاول المحلل النفسي أن يظهر النماذج التي نقلها إليه المريض حتى تظهر المشاعر التي كانت مكبوتة ومستقرة في اللاشعور وأدت إلى حدوث المشكلات النفسية للمريض. ويخرج المحلل النفسي الرغبات أو الصراعات المكبوتة لدى المريض لتحليلها مع المريض. تحديد أنواع المرضى الأنسب للعلاج النفسي يظل موضوعا للبحث والمناقشات الكثيفة. وترى سابينه هيربرتس، عضو اللجنة التنفيذية للرابطة الألمانية للطب النفسي والعلاج النفسي، أنه هناك حالات قليلة نسبيا ينصح فيها باللجوء للتحليل النفسي التقليدي، ومن بينها حالات الاكتئاب الخفيف. ويقول ريختر إن أسلوب التحليل يعرف بفعاليته، "لكن المادة العلمية المتوافرة حاليا بشأن أنسب أساليب العلاج النفسي لأمراض معينة لم ترق إلى المستوى المقبول حتى الآن". أما آن سبرينجر، من الجمعية الألمانية للتحليل النفسي والعلاج النفسي والطب النفسي الجسدي وعلم النفس العمقي، فترى أن التحليل النفسي مناسب لعلاج اضطرابات الشخصية التي تصاحب العلاقات الاجتماعية الفاشلة، إلى جانب بعض الأمراض الأخرى. كما تقول سبرينجر إن هناك أدلة دامغة على أن التحليل النفسي فعال في علاج الاكتئاب، لكنه أقل فعالية في حالات اضطرابات الطعام أو الوسواس القهري. أما في حالات الذهان الحادة، فلا يكون التحليل النفسي مناسبا.