بتاريخ 26/9/2007م كتبت مقالة بعنوان مستقبل الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بصحيفة السوداني، ذكرت فيها أن الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط ودعمه للكيان الاسرائيلي، يعتمد على توازن سياسته بين ذلك الكيان والدول العربية في المنطقة، لتبني حل المشكلة الفلسطينية، وإقامة حكومتها في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ عام 1967م، وإلا أن الوجود الأمريكي سيفقد وجوده في المنطقة من الناحية السياسية والاقتصادية مستقبلاً.وفي نفس الخط تطرق السفير الدكتور السيد أمين الشلبي إلى دراسة كتبت بواسطة بعض الأمريكيين ونشرها في كتابه (نظرات في العلاقات الدولية)، إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تدعم الكيان الاسرائيلي منذ العام 1973م ب 140 بليون دولار، بالرغم من أن اسرائيل دولة صناعية وغنية، إضافة إلى أن الولاياتالمتحدة تقدم معلومات استخباراتية تخفيها عن حلفائها في حلف الناتو، وتغض الطرف عن حصول اسرائيل على أسلحة نووية، وقد استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض (الفيتو) (32) مرة ضد قرارات تنتقد اسرائيل في ممارستها ضد حقوق الإنسان في فلسطين.وتستخلص هذه الدراسة عن استعراض هذا الدعم الأمريكي لاسرائيل، فيما إذا كانت اسرائيل تمثل رصيداً استراتيجياً في الولاياتالمتحدة، وأن هناك شيئاً اخلاقياً ملزماً للدعم الأمريكي، إلا أن هذه الدراسة غير مقنعة، إضافة إلى أن أمريكا قد قدمت دعماً مالياً خلال حرب اكتوبر قدره 2.2 بليون دولار في صورة إعانة عسكرية.. تضيف الدراسة أن هذه الإعتبارات تجعل إسرائيل ذات قيمة استراتيجية حيوية، إلا أن اسرائيل لا تتصرف كحليف، وإنما تتجاهل الطلبات الأمريكية، وتتراجع عن وعودها، بما فيها بناء المستوطنات واغتيال القادة الفلسطينيين، كما تدير إسرائيل عمليات تجسس ضد الولاياتالمتحدة، بالرغم من ذلك فإن اسرائيل تقدم نفسها للرأي العام الأمريكي باعتبارها الجانب الضعيف، ولكن بالعكس فإن اسرائيل كانت أكثر عتاداً عسكرياً خلال حرب 48/1967م، وقد حدث هذا قبل بداية الدعم العسكري الأمريكي.وقد أصبحت إسرائيل أكبر دولة عسكرية في الشرق الأوسط، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية.. وتتساءل الدراسة أن الحجج الاستراتيجية أو الأخلاقية تقدم تفسيراً للتأييد الأمريكي لاسرائيل، فما معنى هذا التأييد؟ وتجيب الدراسة بأن القوى التي يمتلكها اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة، ومن أبرزها تأثيره على الانتخابات الأمريكية واستخدام أهم أدوارها وهو المال، والعمل على إسقاط أي مرشح يصدر عنه خلاف مع إسرائيل.وتظهر الدراسة عنصراً جديداً وهو تحالف المسيحيين الأصوليين الذين يعتقدون أن ميلاد اسرائيل هو تحقيق نبوة الانجيل، ويؤيدون برنامجها التوسعي، وأن قبول ذلك سيكون ضد ( إرادة الله)، وقد أصبحت لمنظمة (اياك) ( AIPC) تأثيراً كبيراً في الحياة السياسية الأمريكية، وهي منظمة يهودية، وأن بعض عناصر هذه المنظمة أصبحت لها تأثير مباشر على بعض الشخصيات الأمريكية، التي تدير السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، علماً بأن نجاح اللوبي في التأثير على السياسة الأمريكية قد أضر باسرائيل، حيث أن تأييد واشنطون للبرنامج التوسعي الاسرائيلي لم يشجع اسرائيل على أن تنتهز الفرص في إقامة سلام مع سوريا أو الفلسطينيين، حيث أن السياسة العدوانية ضد الفلسطينيين لن تجعل اسرائيل أكثر أمناً، فإن اسرائيل كانت ستكون أفضل حالاً إن لم يكن اللوبي الصهيوني على هذه القوى، وكانت السياسة الأمريكية أكثر توازناً.ورغم قتامة الوضع إلا أن الدراسة ترى شعاعاً من الأمل، فرغم قوة اللوبي اليهودي فإن الآثار العكسية لنفوذه من الصعب اخفاؤها، فالقوى الكبرى يمكن أن تحتفظ بسياسات خاطئة لبعض الوقت، ولكن الواقع لا يمكن تجاهله إلى الأبد، بمناقشة صريحة لنفوذ اللوبي وجدال أكثر انفتاحاً حول المصالح الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية، فمثل هذه النقاشات المفتوحة سوف تكشف الحدود الاستراتيجية والحالة الاخلاقية لتأييد أحادي الجانب، وتحرك الولاياتالمتحدة إلى موقف أكثر تماسكاً مع مصالحها القومية مع الدول الأخرى في المنطقة، بل ومصالح اسرائيل طويلة الأجل. ومن الطبيعي أن هذه الدراسة أثارت مواجهة عنيفة من دوائر اللوبي اليهودي. أما في اسرائيل فقد كانت افتتاحية صحيفة (هارتس) هي التي وضعت يدها على المغزى العميق للدراسة: أنه ليس جائزاً تماماً التنبيه الخطر والمقلق للدراسة، وعلى إسرائيل أن تستخلص من هذا أنها ليست محصنة من العداء إلى الأبد، فالتأييد الأمريكي بدون تحفظ، والتغاضي عن الأخطاء قد يأتي وقت يتعارض فيه مع المصالح الأمريكية الحيوية. وقد يبعث التأييد الأمريكي الاسرائيلي اليوم الاطمئنان، ولكنه لا يعمل حساباً في التيارات العميقة التي تعمل في الرأي العام الأمريكي، والتي من شأنها أن تقلب السياسة الأمريكية رأساً عن عقب.