تعد صناعة السكر بالسودان ركيزة مهمة في الاقتصاد الوطني عبر مساهمتها المتنوعة المباشرة وغير المباشرة وتحريكها لقطاعات مختلفة، وتشهد نموا كبيرا بسبب الطلب المتصاعد لسلعة السكر، وكونها من الممكن أن تكون مصدراً لتطوير موارد البلاد كأحد البدائل لعائدات النفط التي تراجعت بعد انفصال جنوب السودان. بحيث أن صناعة الايثانول بالسودان محطة بارزة في تطور صناعة السكر بالبلاد، حيث تبلغ الطاقة الانتاجية 65 مليون لتر في العام يوجة منة 33 مليون لتر للصادر وما يقارب 2 مليون لتر لشركات الوطنية لتصنيع البوهيات والمطهرات. ومع تصاعد الطلب على سلعة السكر لأسباب اقتصادية واجتماعية. وشهد استهلاك السكر بالسودان نموا متواصلا، حيث قفز من 120 الف طن في العام عام 1960 إلى 387 الف طن عام 1989 وإلى 700 الف طن في عام 2000 وإلى 900 الف طن 2007 ومليون و200 الف طن عام2010. ويأتي السودان في المرتبة الثالثة افريقياً في انتاج السكر بعد مصر وجنوب أفريقيا وفي الوقت الذي يعد فيه مشروع سكر النيل الأبيض أكبر مشروع متكامل لإنتاج السكر والطاقة في العالم والأقل تكلفة بين مصانع ومجمعات السكر العالمية والذي يستهدف انتاج 450 ألف طن سنوياً ويوفر 200 مليون لتر وقود حيوي (إيثانول)، وطاقة تبلغ 120 ميغاواط، إلى جانب 50 ألف طن إنتاج زراعي وباستخدام التقنيات المتقدمة التي تستخدم في صناعة السكر ومنتجاتها وفي زراعة قصب السكر والمنتجات الزراعية الأخرى على مساحة 165 ألف فدان، ومن المتوقع أن تحدث تطورا كبيرا في صناعة السكر في السودان وولاية النيل الابيض على وجه الخصوص، لكن وفي خطوة مفاجئة تم تأجيل افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض والذي كان مقررا اليوم إلى وقت لاحق لدواع وصفت بالفنية. والتي بموجبها تم قرار بتشكيل لجنة تحقيق عليا لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت لعدم افتتاح المصنع في المواعيد المحددة سلفا، حسب عماد سيد أحمد سكرتير الرئيس، وكان وزير الصناعة قد تقدم باستقالته والتي أرجعها حسب بيان ممهور باسمه - حصلت (الأحداث) على نسخة منه – لتعذر الافتتاح الناجم عن عدم توافر برنامج التشغيل بسبب المقاطعة الأميركية المفروضة على السودان. وقال عبدالوهاب (أتقدم باستقالتي نظراً لما سببناه للشعب والدولة من حرج بتأجيل افتتاح المصنع)، مؤكدا تحمله مسؤولية الحرج. وأعلن مدير شركة سكر النيل الأبيض حسن ساتي عن تأجيل حفل افتتاح المصنع لموعد يحدد لاحقاً. وقال إن الشركة تعتذر عن التطور، مؤكدا اكتمال العمل في كل مكونات المصنع وجاهزيته وأن التأجيل تم لظرف فني طارئ مرتبط بطرف خارجي. وأفاد أحد الخبراء الوطنيين في مجال صناعة السكر، وفضّل حجب اسمه، حسب (الشروق)، بأن نظام التحكم في التشغيل يمكن الاستعاضة عنه بالنظام اليدوي التقليدي، وزاد (وبالتالي يمكن أن يتم افتتاح المصنع). وعلمت (الأحداث) من مصادرها أن لجنة مكلفة سجلت أمس الأول زيارة لموقع المشروع للتأكد من اكتمال الترتيبات اللازمة غير أنها فوجئت بهذه الإشكالية؛ مما دعا وزير الصناعة للتهديد باستقالته منذ حينها. وكان الخبر مفاجئاً لكثير من الأوساط الاقتصادية لجهة أنه كان من المقرر أن تشارك (56) دولة إسلامية موجودة في السودان على هامش اجتماعات البنك الإسلامي للتنمية بجدة الذي دفع (63) مليون دولار في تكلفة إنشاء المصنع، في الافتتاح. غير أن الخبير الاقتصادي د.محمد الجاك قطع في حديثه ل(الأحداث) أمس بأن التأجيل تم وفقا لظروف فنية، حسب ماورد، واعتبر التعليل بالمقاطعة الأمريكية كلاما ضعيفا خاصة وان هنالك شركة تم التعاقد معها على أسس معروفة قانونيا وليست بامكانها الرفض وعليها الالتزام بواجبها وعلى الطرف الأخر مقاضاتها حال تضرره وخسارته، اضافة إلى أحقية مطالبته بتعويض حسب قانون التعاقد، واستغرب أن يكون ذلك الاتفاق قد تم دون تعاقد، واعتبر ذلك إذا صح طامة كبرى، وأكد أن التعاقد قد تم خلال المقاطعة الامريكية للبلاد، مبينا أن القانون يلزمها بأن توفر ذلك، وقال المقاطعة الامريكية الاقتصادية بحكم الحريات المتوفرة للشركات ليست هنالك ما يلزمها أو يعاقبها بصورة مباشرة؛ بحجة أن ذلك يرتبط بالاداء الاقتصادي والخسائر التي تتعرض لها الشركات. وقال التأجيل إذا تم بناءا على ما أسس عليه فالخسائر يمكن أن تعوض، وتساءل عمّا اذا ما تم بصورة أهلية دون الخضوع لقوانين، وزاد: إذا نظرنا إلى التأجيل والذي صادف الاجتماعات للمجموعة والتي ساهمت في تمويل هذا المشروع قد يعكس صورة غير مشرفة للسودان، وامكانيات توفير دعم وتمويل للمشروعات التنموية. وأكد الجاك وجود حلقة ضعف فيما يخص المشروع ومراحل بنائه المتطورة بما فيها الافتتاح، حيث أن هنالك عدم دقة تعتبرها الجهات الممولة ضعفا قد يؤثر في منح تمويلات أخرى مما يؤثر سلبا في الاقتصاد، واستنكر غياب المعلومات حول اكتمال المشروع حتى تم تضمينه ضمن البرامج المصاحبة لاجتماعات البنك الاسلامي، واعتبر الجاك استقالة وزير الصناعة عبد الوهاب عثمان لا صلة لها بتأجيل الافتتاح كما برر بحجة الحرج. وأرجع ذلك إلى أن المشروع لم يبدأ في عهده في أغلب مراحله. وقال إنه ليس مسئولا عن أي نقص أو سلبيات تجعله مصدرا للحرج، في إشارة إلى أن المشروع يعد مشروعا قوميا يساهم في الاقتصاد القومي، وبامكانه توفير كميات تسد العجز في سلع السكر، ومن ثم الفائض كصادر لتحقيق عملات صعبة؛ تحسن من ميزان مدفوعات الدولة الذي يعاني من عجز، بجانب دعمه للنشاطات الاقتصادية على نطاق المنطقة من خلال الصناعات المرتبطة بالمشروع وبامكانه الدخول في صناعات مرتبطة بالسكر كمدخل انتاجي خاصة في توفير العمالة. واعتبر خبراء تحدثوا ل(الأحداث) امس أن تأجيل المشروع، الذي وصفوه بالحيوي والمهم، سوف يحدث نقلة اقتصادية واجتماعية مهمة في المنطقة اذا تم اكمال المشروع حسب الخطط والبرامج الموضوعة له. وقالوا إن المشروع يسهم في زيادة الدخل القومي بعد الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الهامة والضرورية، ولكن تبقى المشكلة في كيفية الايفاء وسداد الديون، وهنالك أمثلة وتخوف البنوك السودانية من مثل هذا التمويل. وانتقدوا تضمين المشروع لبرنامج البنك الاسلامي، وتساءلوا عن علم الجهات المسئولة باكتمال المشروع أم لا؟ حتى يضع افتتاحة ضمن البرنامج، وعدوا الأمر ذا أثر اقتصادي سالب خاصة في ظل حاجة البلاد لتمويل خارج ودعم بعد انفصال الجنوب. لكن الخبير الاقتصادي د.محمد الناير أكد ل(الأحداث) أمس أن تأجيل المصنع ليست له أثر مادي كبير، بينما قد لخص أثره المعنوي الذي وصفه بالكبير، خاصة اذا تم تأجيله لاسبوعين، وذلك بحكم أن افتتاحه كان من المفترض أن تشهده (56) دولة. واعتبره مكسبا اقتصاديا للسودان وللمشروع، وزاد الناير الخسارة المادية إذا ما تمت معالجة برنامج التشغيل في وقت دعا إلى أن يكون قريبا سوف تقل، وقطع بعدم أثره في المشروعات القادمة، وشدد على ضرورة محاسبة القائمين بالأمر خاصة اذا اعتمد على الشركة ولن توفي بوعدها، فلابد من مقاضاتها ورهن ذلك بوجود تعاقد يؤمن حق السودان، وأضاف: بصرف النظر عن المسئول فهنالك خلل حدث أدخل السودان في حرج، واعتبر استقالة وزير الصناعة ظاهرة تؤكد تحمل المسئولية ووصفه بأنه من ذوي الكفاءات. وقال اذا أكدت التحقيقات فلابد من محاسبة من أخطأ، وشدد على عدم تمرير القضية تفاديا لعدم تكرارها.