حوار : تيسير عبدالحليم- أجوك عوض الله جابو-الهام مصطفى «المصائب تلد أخواتها».. هكذا تترجم الأوضاع الأنسانية المتأزمة والتي لا تفتأ تعيد انتاج نفسها مع كل اشراقة شمس يوم جديد بين جنبات البلاد نتاجا لطواحين الحرب التي تخرج عصارتها نزوحاً، تشرداً وفجوات غذائية. غير أن قرار الحكومة القاضي بمنع المنظمات الأجنبية من العمل في المناطق الملتهبة واشتراطها توكيل مهمة توزيع المواد الاغاثية ل(الأيدي الوطنية) فتح الباب واسعاً أمام انتقادات ذهب بعضها إلى وسم المنظمات الوطنية التي استعيض بها بضعف الإمكانيات فضلا عن التشكيك في حياديتها ما جعل الوصول الي المناطق المتضررة مستحيلا. (الأحداث) جلست إلى وزيرة الرعاية الاجتماعية أميرة الفاضل في حوار من محورين منفصلين خصصنا فصله الاول في عمل المنظمات الأجنبية في مناطق النزاع والثاني خاص بعودة ا الجنوبيين الطوعية إلى دولتهم ووضعت من خلاله النقاط على الأحرف وأماطت اللثام عن كثير حقائق بفضل سعة صدرها و تفهمها للواقع. تاليا تفاصيل المحور الاول.. * في لقاء مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة (فيلري آموس) ذكرتم أن توزيع الاغاثة على المناطق المتضررة سيكون بأيدٍ سودانية، ولكن التقارير التي ترد عن الولاية تترجم أن الوضع الانساني هناك لازال متأزما؛ فما هي المجهودات التي بذلتها الحكومة في هذا الصدد والآليات التي اتبعتها لتنفيذ ما قررت؟. - منذ أن بدأ التمرد في الولايتين في يوليو وسبتمر استجابت الحكومة على مستويين، استجابة على مستوى الولاية واستجابة على المستوى الاتحادي. فعلى المستوى الاتحادي مباشرة تم تكوين لجنة الاسكان العليا بولاتي جنوب كردفان والنيل الأزرق برئاسة البروفيسور الأمين دفع الله الأمين العام لديون الحكم الاتحادي وعضوية كل الوزارات ذات الصلة، وأسندت لتلك الآلية مسؤولية استنفار الولايات وتوفير الدعم الغذائي والعيني وتوصيلها للولايات المتضررة، بجانب التواصل مع الولاة ومعرفة احتياجات الولاية، وتلك اللجنة لعبت دورا كبيرا جدا، حركت القوافل من شتى ولايات السودان، بالأخص في مجال الغذاء، ونظمت زيارات للمناطق المتضررة. أكثر من مرة جلست مع قيادات الولاية وتعرفت على احتياجات الناس ونفس العمل الذي تم في ولاية النيل الأزرق تم أيضا في جنوب كردفان، واللجنة العليا تشكلت منها لجان فرعية، ونحن كوزارة لدينا منها لجنة خاصة بالوزارة اسمها لجنة (اسناد) ولايتي جنوب كرفان والنيل الازرق القطاع الاجتماعي، وهي معنية بالمشروعات ذات الطابع الاجتماعي والاغاثي المفترض وصولها للولايتين. أما الآلية الولائية كونها الوالي في كل ولاية، وكان اللاعب الرئيس في الآليات الولائية هي مفوضيات العون الانساني على المستوى الولائي، ولكن هناك اشراك لمنظمات المجتمع المدني والهلال الأحمر. وكانت هنالك وزارة للشؤون الانسانية بولاية النيل الأزرق، ولكن الآن تم إلغاؤها واكتفوا فقط بالمفوضية في ولاية جنوب كردفان. منذ البداية كان الدور هناك دور مفوضية العون الانساني. وهناك عدد من المنظمات الوطنية اشركت منذ البداية في مهمتي تقييم الوضع والتوزيع، هذا فيما يخص الآليتين على المستويين الاتحادي والولائي. المفوضية أصلا لها عملها المباشر مع المفوضية على مستوى الولاية، الهلال الأحمر السوداني له عمله المباشر مع مكتبه على مستوى الولاية. قرار الدولة منذ البداية قضى بعدم إشراك المنظمات الدولية في معالجة المشكلات الانسانية، وبحسب نتائج المسح لم تطالب الحكومة المنظمات الدولية بالخروج من الولايتين؛ بل خرجوا من الولاية ورئاستها بسبب الوضع الأمني وانعدام الأمن وبعد ما انجلى الأمر وبدت الأحوال في الاستقرار طالبوا بالعودة، وقتها كان السيد الرئيس قد أصدر قرارا قضى بعدم السماح لتدخل المنظمات الأجنبية في الشأن الانساني، بجانب عدم السماح بإقامة المعسكرات وعلى هذا الأساس وجه الرئيس بأن تتحمل وزارة المالية الاتحادية كل تكلفة المعينات الغذائية وغير الغذائية، بالاضافة إلى استخدام منظمات المجتمع المدني في التوصيل. بعد ذلك تمت أحاديث بين الجهتين، والدولة أصدرت قرارا كونت بمقتضاه لجنة عليا تحت اسم اللجنة العليا للعون الانساني برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان ورئيس مناوب اختير لها الدكتور الحاج آدم، وكان القصد من اللجنة التركيز على متابعة الشأن الانساني في القضايا غير المسنودة للجنة الاسناد العليا، وفعلا تكونت اللجنة العليا للعون الانساني، وعقدت حتى الآن ثلاثة اجتماعات وتقرر في الشأن الانساني، وأي قرار يصدر في الشأن الانساني يرفع في البداية للجنة العليا وبعد موافقتها يتسنى لنا الحركة لتنفيذها، واللجنة العليا تتضمن وزارة الخارجية، الداخلية ،الدفاع، جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وزارة التعاون الدولي ووزارة الصحة و هي التي تدير الشأن الانساني. * وماذا عن المنظمات الدولية؟. - بالنسبة للمنظمات الدولية وصلنا لاتفاق أسميناه اتفاق الاجراءات المتفق عليها وأعلناه من وزارة الخارجية وأخبرنا فيها أن أي منظمة كانت موجودة في الولاية قبل النزاع يسمح لها بالعودة إلى رئاسة الولاية على أن تمارس عملها بواسطة الوطنيين الموجودين بها، ولن يسمح للاجانب بالتنقل وسط الولايتين وأوضح بأن هناك تجارب سابقة في دارفور ولن نكرر التجربة، الآن على أي منظمة أجنبية أو وكالات أمم متحدة تريد زيارة الولايتين الذهاب إلى المجمع لشرح التفاصيل، وبعد ذلك نستخرج له الاذن لزيارة الولايتين لمدة اسبوعين واذا احتاجوا لتجديد عليهم العودة للتمديد، ولكن يسمح فقط للوطنيين ورئيس المكتب وليس لأعضاء المكتب. و كانت وزارة الخارجية قد دعت كل سفراء الدول والمنظمات وأخطرتهم. * لماذا تم إلغاء كرسي الوزارة في ولاية النيل الازرق كما تفضلتي؟ - «والله دا» شأن خاص بالولاية ولا نتدخل في الصلاحيات الولائية، فقط بُلغنا أن صلاحية الوزارة ذهبت إلى المفوضية أضف إلى أنه لم تكن هناك وزارات ولائية باستثناء ولايتين أو ثلاث. وعلاقتنا بالمفوضية أنها أي المفوضية جسم تابع لنا. * حسب التقارير التي ترد ميدانيا الوضع الانساني بولاية جنوب كردفان لا زال سيئا للغاية؟ - أجرينا مسحا، وحتى يجد المسح قبولا وتلافيا لتشكيك الناس وظنهم أن الحكومة تريد تحسين معلوماتها اشركنا أربع وكالات (w .h) و(w.f.b) والفاو واليونسيف، وسمحنا لهم بالدخول في عمليات المسح ثم أعلنا إعلانا مشتركا، ولكن حتى الآن النزاع لم ينتهِ في المنطقة، قصف هجليج مازال مستمرا، وتعرضت تلودي أيضا للقصف ونتج عن عمليات القصف نزوح أكثر من 60% من سكان تلودي خرجوا واستقروا في أبوجبيهة والليري، الوضع الانساني في الولاية متغير ولدينا من يرصدون هناك بجانب أن الأوضاع الأمنية غير المستقرة ولا تسمح بأن يكون التعداد دقيقا؛ لذلك لابد من وضع أرقام تقديرية ونحرك وفقها المعينات الغذائية، وسبق أن حركنا (ذرة) من الدلنج، وبجانب المعينات غير الغذائية وتولت المنظمات الوطنية والهيئة الاسلامية التوزيع، هناك جهات انسانية كثيرة تحركت لتوصيل المعينات الانسانية فقط. الوضع هناك غير مستقر. * عقب التجنيد القسري ل(ال2000) طفل وبعد أن قام المجلس القومي لرعاية الطفولة بتسليمهم لليونسيف لم يكن هناك أي تحرك، أضف إلى أن نتائج مسح بعض المنظمات الوطنية افضت إلى أن أولئك الاطفال لم يختطفوا بل كانوا أطفالا مشردين أساسا.. تعليقك؟ - « ما صاح طبعا الحديث دا».. قمت بثلاث زيارات إلى ولاية جنوب كردفان في الفترة الفائتة، وفي أول زيارة لي للولاية أول شخص أبلغني باختفاء الأطفال في الولاية هو رئيس المجلس التشريعي بالولاية استاذ بلندية، وأخبرنا بأن طلاب الصف الثامن لأكثر من 40 مدرسة تم أخذهم قسرا للتجنيد، وأول رصد بلغنا باختفاء الأطفال كان من جهة المدارس «في مدرسة كدا» في عدد 20 طالبا في الصف الثامن اختفوا «كانت الولاية قامت بحصر عدد الأطفال الذين أخذوا قسرا وليس طوعا. والحديث عن أنهم مشردون غير صحيح، واليونسيف قبلت الشكوى وخلال مشاركتي في نيويورك عندما ذهبت للجنة وضع المراة قابلت ممثلة الأمين العام للنزاع المسلح كومارس وامي وسلمتها التقرير مرة أخرى وكررت الشكوى ووعدت من جانبها بأن يتدخلوا كجهة مسؤولة ويتحققوا عما يحدث في ولاية جنوب كردفان بالتحديد. وتحركت المنظمات ونفذت عملا مشتركا مع مجلس الطفولة وصاغوا إدانة مشتركة، والمجلس يتابع مع جهات المختلفة. وكان المفروض أن يبدأ برنامج «لم الشمل» واعادة ادماج للاطفال الذين استطاعوا الرجوع من التمرد، بالإضافة إلى الاطفال الذين فقدوا اسرهم. وكان مفروضا أيضا أن يبدأ برامج بين المجلس ووحدة حماية الاسرة والطفل على مستوى الولاية. آخر ما خلصت إليه المبادرة الثلاثية؟ - المبادرة أصلا مقدمة من ثلاث جهات الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية، وقدمت بخصوص توصيل مساعدات انسانية مساعدات انسانية لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، قبلنا المبادرة وعرضناها على اللجنة الفنية، في العون الانساني، لدينا لجنة فنية بها ممثلون لكل الجهات برئاسة المفوض، أخضعنا المذكرة للدراسة بعد أن أبدينا عليها بعض الملاحظات، وردينا بالخطاب للجهات الثلاث التي قدمت المبادرة، وطلبنا منها توضيح الملاحظات التي أبديناها، وبعد أن ردوا على ملاحظاتنا عرضنا المبادرة للجنة العليا في العون الانساني، اللجنة من جهتها العليا قبلت بعض جوانب المبادرة ورفضت بعض الجوانب الأخرى، فكلفتنا مرة أخرى كوزارة بالجلوس إلى الجهات التي قدمت المبادرة، وبالاضافة إلى أن نطلب تغيير بعض البنود التي وردت في المبادرة، وفعلا دعينا الجهات الثلاث وعقدنا حتى الآن ثلاثة اجتماعات وتوصلنا لاتفاق في بعض الأشياء ولم نتفق حول بعض الأشياء وكلها تفاصيل واجراءات حول إصرارنا على أن تقدم المنظمات الوطنية العون للمناطق المتضررة وغيرها من تفاصيل كثر داخل المبادرة لم يتم الاتفاق حولها، موقف الدولة الرسمي من المبادرة الثلاثية لم يحسم بعد. * الحكومة تتمسك بعدم السماح المنظمات الأجنبية بالعمل إلا بعمالة وطنية ألا يتقاطع القرار وحالة عدم توفر الثقة تجاه تلك العمالة؟ - طلبنا من حركات التمرد السماح للمفوضية بتوصيل المساعدات، وعندما أعلن الرئيس وقف اطلاق النار من جانب واحد لمدة أسبوع كان الغرض من القرار توصيل المساعدات، ولكن الحركات المتمردة رفضت رفضا تاما، وحتى الآن يرفضون، وحسبما علمنا أن الحركات قبلت مبادرة الأطراف الثلاثة ولكنها ترفض دخول الحكومة لأي منطقة، ولكننا نفتكر أن أي مواطن سوداني سواء أكان في مناطق الحكومة؛ أوحتى لو كان داخل مناطق الحركة أخلاقيا وقانونيا يعتبر تحت مسؤوليتنا، لذلك نتطرق لضرورة السماح لحكومة السودان بضرورة توصيل مساعدات انسانية. * هناك أحاديث متكررة عن أن قرار قصر مهمة اغاثة المناطق المنكوبة على المنظمات الوطنية قرار لم يراع الجانب الانساني؛ لجهة أن المنظمات الوطنية بحسب البعض ضعيفة الامكانية تعليقك؟ - ليس من العدل اتهام المنظمات الانسانية كلها، ولكن هناك ممارسات سالبة صدرت من المنظمات في دارفور، وحصل خرق للاتفاقيات التي تمت بين الدولة وبين المنظمات والوكالات؛ مما أدى إلى تردد الدولة في قبول المنظمات الأجنبية؛ لأنها لعبت دورا سالبا، الآن هناك مشكلة ثقة بيننا وبين الأممالمتحدة من حيث التعامل، ويجب علينا كطرفين أن نعمل على بناء الثقة بيننا؛ لأننا الآن ننظر إلى كل ما تقوم به الأممالمتحدة بعين الشك، نحن بحاجة ضمانات للتأكيد على أن الغرض من دخول السودان تقديم مساعدات انسانية لا غير. وذكرت كل تلك التحفظات في المقابلات التي جمعتنا بالمبعوث الامريكي للسودان ليمان ومدير الصليب الأحمر الدولي منسق العمليات الانسانية، وكل من زارني في مكتبي من المسؤولين الدوليين أوقابلتهم في نيويورك. وهناك تجربة شريان الحياة والمنظمات الدولية واحدة من الأسباب التي أطالت أمد الحرب في الجنوب. * ولكن.. هناك اتهامات بأن المنظمات الوطنية غير محايدة في توزيع الاغاثات على المناطق المتضررة؟ - «ما صحيح الكلام بالمناسبة» أنا من الذين يتابعون متابعة تفصيلية واقوم بمراجعة أي مواد إغاثية تصل الولاية المنكوبة مع أكثر من جهة للتأكد من أن الإغاثة وصلت للشخص المتضرر، والواقع عكس تماما من خلال تجربتنا في جنوب كردفان افتكر أن المنظمات الوطنية لعبت دورا ممتازا وهي قرابة خمس منظمات، ولو ظللت أردد أن المنظمات الوطنية ضعيفة واستبعدها لن تتحسن أبدا، إخضاعها للتجربة يقويها اكثر، قمت بتجريبهم في ولاية النيل الأزرق وبصورة أوسع في ولاية جنوب كردفان ولا زلت اتحدث مع «اخونا» المفوض على مستوى الولاية في أن يعتمد أي منظمة وطنية كشفت عن رغبتها في العمل، تعدد المظلمات الوطنية وإشراكها واحدة من ضمانات وصول المساعدات للمستهدفين، ولا يفترض أن تتولى المفوضية وحدها مهمة توصيل المساعدات بل يجب أن يكون هناك اشراك للمنظمات الوطنية وقادات المجتمعات المحلية؛ لأن عمليات التوزيع مهما كانت واسعة لن يتسنى الوصول لكل الناس عبر المفوضية وحدها. والحديث عن ضعف المنظلمات غير صحيح، وخطتنا في الفترة المقبلة ترمي إلى تأهيل ما لا يقل عن مائة منظلمة وطنية مع تكثيف التدريب والتأهيل ومدها بالمعينات التي من شأنها تقويتها حتى لا يقتصر حديثنا عن سودنة العمل الانساني في الاطار النظري فقط. * و لكن راهن الإقليم الآن متجدد كما ذكرتي ويفاقم من أزمة الوضع الانساني الأمر الذي ربما لن يحتمل انتظار تأهيل المنظمات الوطنية حسب خطتكم؟ - لأن العبء الانساني كبير.»زول فقد أمنه» يعني إنه فقد بيته ومدرسته، هناك طلاب شهادة سودانية لم يكملوا امتحاناتهم بسبب الأحداث إلى شهدتها منطقة تلودي مؤخرا، الأمر الذي اضطر وزارة التربية لمعالجة الظرف، لذلك أردد في كل المنابر الاعلامية الحديث عن ضرورة إعلاء صوت التفاوض لحل المشكلة؛ لأن السلاح لن يوصل لحل، والحرب ليس فيها كاسب من الطرفين، ويجب أن يكون الحديث عن ضرورة التفاوض بصورة يومية وهذا لا يعني أننا لن نقوي من موقف القوات المسلحة بل سنقف خلفها ونساندها ونستنفر الجهد الشعبي معها ولكن يظل رأينا هو أن الحل في السلام ووضع السلاح؛ لأن المواطنين في جنوب كردفان يتضررون أكثر بمرور كل يوم.