(في الحلقات السابقة من هذه السلسلة، تحدثنا عن شروط النهوض ممثلة في إدارة مثلث الحضارة السودانية بأضلاعه الثلاثة، ضلع إدارة الموارد، ضلع إدارة التنوع، وضلع إدارة الاتصال الخارجي.. وبدأنا من حضارة «تا سيتي 3800–2700 ق. م» الرائدة، حتى وصلنا لنهوض الكونفدراليات الإسلامية، ونجاحها في إدارة المثلث أعلاه، وهنا نصل الى بدء فشل مثلثها، وبالتالي زوال ريحها). الهبوط السادس.. زمن الضعف، فشل روح التسويات والمشاركة لكن لم تكن هذه القوة النفسية/ المجتمعية/ السياسية/ الثقافية، على مستوى واحد في مرحلة الكونفدراليات الإسلامية، فما لبث أن فقدت المرحلة، مبادرتها المجتمعية، في شخص فشل روح (التسويات والمشاركة)، وهو خام الحضارة، والاستقرار السوداني، حيث بدأت تتفكك على أثر ذلك عرى مثلث الحضارة السودانية بأضلاعه الثلاثة (ضلع إدارة الموارد، التنوع، والاتصال الخارجي) في الكونفدراليات، معلنة بداية النهاية. ويمكن إعطاء بداية للاضمحلال، وبدء فشل روح التسويات والمشاركة، وبالتالي بدء الاضطراب في عهد السلطان (بادي الأحمر 1689–1715م) وفي عهده خرج عن طاعته أهله الفونج، ونصرهم شيخ قري، وأقاموا عليهم ملك من الفونج اسمه (أوكل)، ولكنه انتصر عليهم. ولكن هذه كانت فقط بداية التدهور حيث تولى الملك بعده السلطان (أنسة الثالث 1715–1718م) والذي انهمك في اللعب واللهو، وارتكاب الفحشاء، فتمرد عليه جنوده، ويلقبون بجنود (لولو)، وتمركزوا على مشارف سنار، طالبين منه قتل وزيره إن أراد البقاء في السلطة! وقبل شرطهم بعد تردد، ولكنهم لم يلتزموا بالاتفاق، وأصروا على عزله، فتنازل عن السلطة طالباً الأمان!، ويعتبر عهد (بادي أبوشلوخ 1724–1762م) هو سقف مجد الفونج، وبداية الاضمحلال في آن! خاصة بعد انتصاره الكبير على إمبراطور الحبشة.. ولكن الذي حدث أن الاستقرار الكبير الذي حدث، أدى بالسلطان بادي أبو شلوخ الى الدعة والكسل، بعد أن أحس بتحدٍ أقل، وهو دافع الحضارة المهم. وعليه ظهر بادي أبو شلوخ، بعد انتصاره بمظهر المستبد، خاصة بعد موت وزيره الذي كان يقوم على أمر السلطنة بتدبير، وعزم، وقام بادي بتغيير النظامات والقوانين التي كانت سائدة، وقدم النوبة الذين أتى بهم من جبال النوبة على أصحاب الرتب التي كانت سائدة، وكان له أولاد بغوا وأفسدوا، ولم يردعهم، ونفرت منه قلوب الرعية.. مما دعا زعامات الفونج، والشيخ ابولكيلك كبير الهمج، باتخاذ قرار عزل السلطان بادي ونفيه الى سواكن، وهو ما حدث، وعيَّن ابنه (ناصر) محله.. لكن يمكن اعتبار ذلك بداية تراكم، لهبوط نفوذ الفونج، كسلاطين وسلطة ورمزية.. وبدأت السلطة تنتقل الى يد وزرائهم من الهمج. حيث عزل السلطان ناصر (1762-1769) لاحقاً، وقتل!.. وكذلك عزل أخوه السلطان إسماعيل ونفي لسواكن!. وبدأت الصراعات في المرحلة، تشير لتدهور روح التسويات والمشاركة، والنزوع للعنف والحلول المكنيكية بالمقابل.