[email protected] للرسائل على مرِّ التأريخ أثرٌ كبيرٌ في النفوس، وقد كان لأدب الرسائل منزلةٌ عند العرب، وقد انتشر هذا الفنُّ بعد توسُّع الدولة الإسلامية، ولهذا الفن نوعان: * رسائل الدواوين: وهي التي كانت تتم بين مختلف دوائر ومكاتب الدولة، أو بين دولةٍ وأخرى (2) . * الرسائل الأهلية: (وهي رسائل الأشواق التي تكون بين الأهل والأصدقاء، وفيها يسفر الشخصُ عن مكنون الوداد، وسائر الفؤاد، ولا حرج على الكاتب إذا بسط الكلام فيها على أحواله) (3) . وحديثي هنا عن النوع الثاني الرسائل الأهلية وقد كانت للمغتربين السودانيين ذكرياتٌ لا تُنسى مع الرسائل، وإنِّي أرى أنَّ الرسائل من أبواب الأدب التي أُهملت، لذلك فإنِّي أشارك بهذا الموضوع عارضًا مقتطفاتٍ من رسائل احتفظتُ بها، أي أنها رسائل خاصة، امتازت بأسلوبٍ أدبي رفيع، وليسمح لي القراء الكرام بإشراكهم في رسائلي هذه، وهي مما كتب الوالد محمد خالد مضوي، والعم عمر محمد أحمد إبراهيم، ومما كتبتُ . وأبدأ بمقتطفاتٍ من رسالةٍ جميلةٍ بعث بها إليَّ الأديب العم عمر محمد أحمد إبراهيم، وهو من أخلص أصدقاء والدي محمد خالد مضوي متعهما الله بالصحة والعافية وقد وصلتني رسالة العم عمر في أواخر التسعينات، وقد كان مما كتب فيها : (الشوقُ كلُّهُ لكم أهل وُدِّي، وتحيَّة العروة الوُثقى على الدرب المنير. عزيزي.... يحرِّكنا ذكرُ الأحاديثِ عنكُمُ ولولا هواكم في الحشا ما تحرّكنا أخي.... كنا نجدُ في الحوارِ مُتعةً متواصلةً متصاعدة، ولا زالت الكلماتُ والتعليقاتُ متألِّقةً مُتجدِّدة ومتوهِّجةً في الذاكرة . عزيزي..... نُقدِّرُ بعض معاناتكم لأنَّ الغربة أقسى نضال تُرى هل شغلتكم أم درمان؟ امتى ارجع لأمدر وأعودها واشوف نعيم دنيتي وسعودها سأقول على لسانك يا عزيزي : لا تحسبوا نأيكم عنَّا يُغيِّرنا إن طالما غيَّر النَّأيُ المحبينا ونحنُ نردِّدُ مع حسن البحر : ارحم يا سمير قلبي المانساك اسمح لي بنظرة لو في الطيف عساك وصارم وصلي مالك.... وكلما أطراك بالدموع اتبلَّل عزيزي.... سأكتم الجراح في كبدي غائرات ما لها عددُ، وأنا أردِّدُ مع شخصك : حليلو قال ناوي السفر يا حليلو ويا قطار الشوق... طبعًا تغيَّر إلى آيربص) . متَّع الله العم عمر محمد أحمد بالصحة والعافية، ورحم جارنا العم حسن خليل البحر الذي أشار إليه عمر في رسالته . ومن الرسائل التي احتفظتُ بها كذلك وإن لم تكن مرسلة إليَّ رسالة كتبها الوالد إلى صديقٍ من أصدقائه، فقد احتفظت بصورة من الرسالة، كانت الرسالة إلى: حاتم سليمان لطفي الخانجي، وكانت بتأريخ 27/12/ 1996م، وكان مما كتبه الوالد بتلك الرسالة: (لعلَّه من دواعي السرور أن أمسك بقلمي وأخط إليك هذه الرسالة بعد مضي ربع قرنٍ من الزمان، إنَّه لعمرٌ طويلٌ، وأحداثٌ جسامٌ مرَّت علينا . إنَّهُ لشيءٌ جدّ عسير أن تكتب لصديقٍ لم ترهُ منذ فترة طويلة، فلعلَّ أحداثًا كثيرةً بدَّلت في تركيبته، فأصبح مثلًا كاتبًا مرموقًا، أو محدِّثًا مفوّهًا، أو فيلسوفًا أو أديبًا، أو كاتبًا ألمعيًا، أو صاحب مجلسٍ وعلم، أو صاحب ثروةٍ وجاه. ومن كل هذه الصفات يجب أن تكون صفة واحدة هي الوفاء . أخي حاتم... ما زال الأخ عمر محمد أحمد كما هو الوفي الصابر المحتسب، وما فتئ يذكركم، وهو كما عهدته صاحب مجلسٍ وحديث، يتَّجهُ إليه الأحبَّة للتزوُّد بروائعه وأحاديثه، أمّا باقي الإخوة فقد تفرّقوا أيدي سبأ، فأحمد الصديق عمارة مغترب، وأحمد سعد عمر مغتربٌ كذلك، وعادل عبد العزيز محمد حامد صار رجل أعمال، أمَّا محمد عبد الوهاب الكاشف فقد انتقل إلى رحمة مولاه تاركًا قُصَّر يتامى...) . وأخيرًا أختتمُ هذه المقتطفات بشيءٍ مما كتبت، وهي عباراتٌ من رسالتين بعثتُ بإحداهما إلى العم عمر محمد أحمد ردًا على رسالته التي نقلتُ لكم جانبًا منها، فقد قلتُ له في ردِّي على رسالته: (مجالسكم لا زلتُ أذكرُ عهدها ولا زلتُ أذكرُ ما بها من أطايب) وأنتم وبحرٌ تمخرون عُباب السنين، تقولُ لبحرٍ: أنت ما قبل التأريخ وأنا ما بعد ذلك، فتحدِّثون عن أم درمان وأحيائها، وعن قبائلها وأنسابها، ثمَّ تُعرِّجون إلى السياسة ودهاليزها، فيكون حديثكم مجمل الأيام وتقلباتها، حلوها ومُرِّها، فهو حلومر رمضان، وخبيز العِيد، وقِلادةُ الجيد، وهو برد الإيمان ودفء السودان) . ومن العبارات التي لا أنساها تلك العبارات التي كتبتها للصديق العزيز محمد حمد النويري، فقد قلت له : (تحية عطرها الشوقُ، وكلماتٌ ملؤها المحبَّة، ونسماتٌ استعرتها من الصباح الجميل لأبعث بها إلى شخصكم الكريم محمد حمد النويري ذلك الصديق العزيز) . يا لها من أيام، وما أحلاها من ذكريات، ورغم ثورة الاتصالات فإننا نحِنُّ إلى الرسائل ونقول : ما في حتى رسالة واحدة بيها يتصبَّر شويَّة 1 كاتب وشاعر سوداني مقيم بالمملكة العربية السعودية . 2 من مقال للأستاذ يحيى الصوفي بتصرُف . 3 جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغةالعرب للعلامة المصري أحمد الهاشمي .