للرسائل على مرِّ التأريخ أثرٌ كبيرٌ في النفوس، وقد كان لأدب الرسائل منزلةٌ عند العرب، وللمغتربين السودانيين ذكرياتٌ لا تُنسى مع الرسائل، وإنِّي أرى أنَّ الرسائل من أبواب الأدب التي أُهملت، لذلك فإنِّي أشارك بهذا الموضوع عارضاً مقتطفاتٍ من رسائل شخصية، وهي مما كتب الوالد محمد خالد مضوي، والعم عمر محمد أحمد إبراهيم، ومما كتبتُ. وأبدأ برسالة الأديب العم عمر محمد أحمد، وقد كان مما كتب فيها : « الشوقُ كلُّهُ لكم أهل وُدِّي، وتحيَّة العروة الوُثقى على الدرب المنير. عزيزي يحرِّكنا ذكرُ الأحاديثِ عنكُمُ ٭٭ ولولا هواكم في الحشا ما تحرّكنا أخي.. كنا نجدُ في الحوارِ مُتعةً متواصلةً متصاعدة، ومازالت الكلماتُ والتعليقاتُ متألِّقةً مُتجدِّدة ومتوهِّجةً في الذاكرة. عزيزي.. نُقدِّرُ بعض معاناتكم لأنَّ الغربة أقسى نضال تُرى هل شغلتكم أم درمان؟ امتى أرجع لأمدر وأعودها ٭٭ وأشوف نعيم دنيتي وسعودها سأقول على لسانك يا عزيزي: لا تحسبوا نأيكم عنَّا يُغيِّرنا ٭٭ إن طالما غيَّر النَّأيُ المحبينا ونحنُ نردِّدُ مع حسن البحر: ارحم يا سمير قلبي الما نساك» . متَّع الله العم عمر محمد أحمد بالصحة والعافية، ورحم جارنا العم حسن خليل البحر الذي أشار إليه عمر في رسالته. وهذه رسالة أخرى أرسلها والدي محمد خالد مضوي إلى صديقٍ له، قال فيها: «لعلَّه من دواعي السرور أن أمسك بقلمي وأخط إليك هذه الرسالة بعد مضي ربع قرنٍ من الزمان، إنَّه لعمرٌ طويلٌ، وأحداثٌ جسامٌ مرَّت علينا. إنَّهُ لشيءٌ جدّ عسير أن تكتب لصديقٍ لم ترهُ منذ فترة طويلة، فلعلَّ أحداثاً كثيرةً بدَّلت في تركيبته، فأصبح مثلاً كاتباً مرموقاً، أو محدِّثاً مفوّهاً، أو فيلسوفاً أو أديباً، أو صاحب مجلسٍ وعلم، أو صاحب ثروةٍ وجاه. ومن كل هذه الصفات يجب أن تكون صفة واحدة هي الوفاء. أخي حاتم.. ما زال الأخ عمر محمد أحمد كما هو الوفي الصابر المحتسب، وما فتئ يذكركم، وهو كما عهدته صاحب مجلسٍ وحديث، يتَّجهُ إليه الأحبَّة للتزوُّد بروائعه وأحاديثه، أمّا باقي الإخوة فقد تفرّقوا أيدي سبأ». وأخيرًا أختتمُ هذه المقتطفات بشيءٍ مما كتبت، فقد كتبتُ رداً على رسالة عمر محمد أحمد: «مجالسكم لا زلتُ أذكرُ عهدها ٭٭ ولا زلتُ أذكرُ ما بها من أطايب وأنتم وبحرٌ تمخرون عُباب السنين، تقولُ لبحرٍ: أنت ما قبل التأريخ وأنا ما بعد ذلك، فتحدِّثون عن أم درمان وأحيائها، وعن قبائلها وأنسابها، ثمَّ تُعرِّجون على السياسة ودهاليزها، فيكون حديثكم عن مجمل الأيام وتقلباتها، حلوها ومُرِّها، فهو حلومر رمضان، وخبيز العِيد، وقِلادةُ الجيد، وهو برد الإيمان ودفء السودان». ومن العبارات التي لا أنساها تلك العبارات التي كتبتها للصديق العزيز محمد حمد النويري، فقد قلت له: «تحية عطرها الشوقُ، وكلماتٌ ملؤها المحبَّة، ونسماتٌ استعرتها من الصباح الجميل لأبعث بها إلى شخصكم الكريم محمد حمد النويري، ذلك الصديق العزيز». يا لها من أيام، وما أحلاها من ذكريات لا تُنسى. ٭ كاتب وشاعر سوداني مقيم بالمملكة العربية السعودية.