عادت للسطح مرة أخرى المطالبات لوزارة المالية لإيفائها بالتزامها بتحويل الأموال لجهة ما أو ولاية، فلم يمضِ وقت طويل منذ أن لوّح والي القضارف كرم الله عباس الشيخ بتقديم استقالته حال إغفال وزارة المالية الاتحادية تحويل استحقاقات الولاية المالية حتى مطلع مايو الجاري، وهدّد بأخذ حقوق ولايته (بيده ولسانه) أو قبول استقالته ووجه كرم الله انتقادات غير مسبوقة للحكومة الاتحادية ووزارة المالية بسبب إحجامهما عن تحويل الدعم الاتحادي المخصص لولايته، وليس ببعيد عن ذلك كان والي جنوب دارفور المقال عبد الحميد موسى كاشا قد بثّ شكواه من ظلم وزارة المالية والاقتصاد الوطني بعدم تحويل ما يحق لولايته السابقة من أموال وقال كاشا حينها: «هناك تعقيدات وتآمر من المركز على الولاية ويفترض حدوث تنسيق بين الجهتين حول التدفقات المالية»، وأخيراً بث رئيس السلطة الإقليمية لدارفور التجاني السيسي شكواه لنواب المجلس الوطني المتعلقة بعدم توفر المال لضمان إنفاذ الوثيقة التي تواضعت حولها حركة التحرير والعدالة بزعامته والحكومة ومجموعة من الحركات المسلحة الأخرى التي آمنت بها. لعلّ هذه الوقائع تؤكد أن هنالك حلقة مفقودة في الأمر مع الإقرار بأن هنالك إشكالية في موازنة الدولة جراء عدد من الأسباب على رأسها انفصال الجنوب ومن ثم خروج رسوم عبور النفط فضلاً عن توقف نفط هجليج جراء اعتداء دولة الجنوب وتخريب بنيات النفط ولكن الأهم من ذلك هو كيف يُحدد وزير المالية أولويات الصرف على الموازنة في ظل الظروف الراهنة؟! وهل السلطة التقديرية الممنوحة لوزير المالية تمكنه من محاباة أو (مجاملة) من يحب؟! وهل هو الذي يحدد الصرف أم أن هنالك إدارة كاملة تحدد؟! ويؤكد امين دائرة دارفور بالمؤتمر الوطني د. أزهري التجاني أن الخلافات بين المالية وولاة الولايات ليس أمراً مستغربا، وأكد أن كل الولايات تعاني من ذات المشكل ويشرح الإشكالية بأن علاقة المركز بالولايات لم تصل الى مرحلتها الكاملة من النضوج وأن التجربة مازالت في البداية الأمر الذي يجعل الشكاوى تتزايد من الولايات بعدم إيفاء المالية للمبالغ المخصص لها. وما بين وزارة المالية والولايات تقف مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية كطرف وسيط بين الجانبين وفقاً لنص «قانون تخصيص الموارد والإيرادات لسنة 2008م» لسنة 2007م المادة (4) التي ينص على أن تتولى وزارة المالية والاقتصاد الوطني تسليم كل مستوى من مستويات الحكم الموارد والإيرادات المخصصة له وفق توجيهات مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية، تقوم المفوضية بتوجيه وزارة المالية لتحويل مخصصات مستويات الحكم الثلاثة على أن تقوم وزارة المالية بتحويل مخصصات الولايات الشمالية الواردة في الباب الثالث من الميزانية العامة للتحويلات الجارية المخصصة والتحويلات الجارية غير المخصصة والتحويلات الرأسمالية التي تشتمل على التنمية الولائية (تحويلات نقدية + مصادر التمويل الأخرى) وصناديق الإعمار ودعم الموسم الزراعي.وأوضحت مصادر مطلعة بأن الولايات تقوم في العادة برفع موازنتها الى وزارة المالية الاتحادية بعد تحديد ايرادتها المحلية ومنصرفاتها ليقوم المركز بدفع العجز في الموازنة كدعم منه الى الولاية المحددة من خلال مفوضية تخصيص الايرادات. وأشارت في حديثها ل(الأحداث) الى وجود مؤشرات يتم من خلاله الدعم حصرته في عدد السكان بالولاية ومستوى التنمية والبعد من المركز، مؤكدة على أن الدعم لا يكون مباشر من المالية الى الولاية وانه يمر بالمفوضية. وكشفت أن المبالغ يتم تحويلها من خلال البنك المركزي الى الولاية المعنية. وأبدت ذات المصادر تحفظها حول الشكاوى التي تبثها الولايات من المالية وأن يكون السبب فيها وزارة المالية أو المفوضية لمحت الى احتمالية أن الطرفين قد يُساهما فيها. غير أن المحلل الاقتصادي د. محمد الناير يعترض على أن يكون تحويل الإيرادات الى الولايات من مهام المفوضية لحصر مهمتها الأساسية في وضع المعايير العادلة لتوزيع الإيرادات على الولايات بعدالة وشدد على أهمية أن يكون لوزارة المالية وكافة الوزارات الاتحادية صلة وثيقة بالوزارات الشبيهة لها بالولايات، لافتاً الى عدم وجود ذلك ونبه الناير في حديثه مع (الأحداث) أمس الى اهمية ذلك بغرض ترسيخ مفهوم الحكم الاتحادي وعدم ترك المهمة لديوان الحكم الاتحادي ومجلس الوزراء. واتهم الناير الولايات بمشاركتها في الظلم التي يقع عليها من وزارة المالية، موضحاً ممارسة الولايات عدم الشفافية عند مطالبة وزارة المالية برفع المبالغ التي تجنيها من فرض الرسوم الزراعية قبل إلغائها. وقال إن الولايات قامت برفع مبالغ اقل لظنها أنها سوف تستفيد من الدعم المقدم لها من وزارة المالية غير انها جنت العكس عندما قامت وزارة المالية بإلغاء الرسوم الزراعية وعملت على تعويض الولايات الأمر الذي جعل المبالغ الممنوحة لها اقل نظراً لعدم الشفافية التي مارستها وأكد أن الولايات الزراعية كانت الأكثر تضرراً من ذلك. ويرى الناير أن وزارة المالية ملتزمة حيال الولايات بدفع الدعم الجاري الخاص بمرتبات العاملين والتسيير بعد أن ترفع الولايات موازنتها لدفع العجز ما بين الإيراد والمنصرف في الدعم الجاري. ورجح أن يكون المركز غير ملتزم بدفع التمويل التنموي لجهة ان التركيز في المرحلة الحالية لا يشمل المشاريع التنموية. واعتبر أن الحل لإشكالية المركز والولايات في إعداد موازنة موحدة تبدأ من الأسفل الى اعلى على أن يبدأ إعداد الموازنة من المحليات الى اعلى، لافتاً الى ضرورة أن تتعرف الولايات على حجم المبالغ المرصودة لها من وزارة المالية لتصرف وفقها وتفادياً لأي عقبات يمكن أن تجنى من التوسع في دائرة الصرف خاصة وان الولايات لا تمتلك آليات لسد العجز كما تلك التي تمتلكها الحكومة الاتحادية التي تسد عجزها عبر الاستدانة من الجهاز المصرفي أو إصدار الصكوك. ويشير وزير الدولة بوزارة المالية الاسبق بروفيسور عز الدين إبراهيم إلى أن البلاد تمر بمرحلة استثنائية أدت الى نقص في الايرادات، لافتاً في حديثه ل(الأحداث) أمس إلى أنه وفقاً لذلك فإن وزير المالية يفي بالتزاماته بالكامل في التحويلات الجارية بنسبة 100% ثم يبدأ في اختيار أولويات مخصصات التنمية، منوهاً إلى أن وزير المالية في الظروف الحالية لا يجرؤ على أن يشرع في مشروعات جديدة وأن الوضع يحتم عليه الوفاء بمشروعات لها أثر قومي أولاً علاوة على أن هنالك مشروعات فيها ارتباطات مع مقاولين دوليين لجهة انها تقود لإشكالات قانونية، منوهاً الى أن هنالك مشروعات تنمية تحتاج لعملات أجنبية. وأكد أن هذه لابد من إيقافها لجهة أن هنالك اولويات تحتاج النقد الأجنبي مثل توفير القمح والزيوت، ودعا عز الدين الولاة ومتقلدي المناصب القيادية بتفهم الاوضاع الحالية. ورأى أنه من الغرابة بمكان أن يفي وزير المالية بكل الالتزامات المالية بسبب ما يحدث في هجليج وهو الذي أدى لزيادة توجيه الصرف على الأمن. ورأى انه بهذه الرؤية لا يمكن للولاة ومتقلدي المناصب القيادية أن تسير الأمور كما كان في السابق، في وقت اكد فيه ان وزير المالية لديه عدد من الموظفين ولا يمكنه التدخل بقرار انفرادي لمنح جهة مخصصاتها ما عده يتنافى معه امر المحاباة. وفي الأثناء يرى الباحث الاقتصادي د. عادل عبد العزيز أن مطالبات بعض ولاة الولايات بتحويلات ولاياتهم حسبما هو موضح في الموزانة حق مشروع ولكنه استدرك في حديثه ل(الأحداث) أمس بأن وزارة المالية تعاني في الوقت الحالي في تنفيذ قانون الموازنة كما تمت إجازته من المجلس الوطني لأن ايرادات الدولة تأثرت بنقص يقدر بأكثر من 25% من الإيرادات العامة بسبب عدم الحصول على أي إيرادات مقابل استخدام خط أنابيب البترول، لافتاً الى أن هذا تسبب في الضغط على المنصرفات بصورة عامة بما فيها المخصصات للولايات سواءً كانت مخصصات لتعويضات العاملين أو التسيير أو مخصصات التنمية القومية واكد ان كل هذه المخصصات تم فيها التنفيذ بالنسبة للربع الأول في حدود (60%) فقط وبالتالي تأثرت كل الولايات بعدم التنفيذ بصورة كاملة لبنود الموازنة. ونفى الفكي محاباة وزير المالية لجهة على أساس علاقات شخصية وقال إن السلطة التقديرية لوزارة المالية في هذا الامر سلطة ضئيلة جداً لجهة أنها لا تستطيع أن تحجب التحويلات المخصصة لولاية من الولايات لأنها محددة سلفاً ومعلومة ولكنه أشار الى أنه أحياناً قد يحدث تأخير في التنفيذ لبعض الولايات لأسباب فنية متعلقة بتوفر السيولة والموارد.