ثمة تساؤلات تدور في ذهن المواطن منذ صدور قرار مجلس الأمن بشأن السودان وجنوب السودان عشية الأربعاء الماضي، وخاصة أنه جاء في أعقاب قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي، الذي لم يختلف عنه.. أولى تلك التساؤلات: من أين خرج أو من كان خلفه؟ ومن الرابح من قرار كهذا، السودان أم جنوب السودان؟ وما هي مآلاته حال التزمت الحكومة بتطبيقه وحال لم تفعل؟. وكنا كذلك في (الأحداث) مهتمين بتتبع مآلات القرار وما يمكن أن يحدث من تحولات في الأوضاع الداخلية، وقد أشار القرار إلى التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال وأكد على ضرورة حل نزاع أبيي.. وزارة الخارجية بادرت بالإجابة عن ما يدور، وسعت لشرح القرار للمواطنين عبر دعوتها أمس وسائل الإعلام إلى حلقة نقاش عنوانها (قراءة في قرار مجلس الأمن ومآلات التفاوض). وكيل الخارجية رحمة الله عثمان وسفير السودان بدولة الجنوب د.مطرف صديق ومدير إدارة العلاقات الدولية السفير عمر دهب حرصوا على أن يكون النقاش بينهم والصحفيين موضوعياً يستند على الحقائق والشواهد بعيدا عن المواقف السياسية، غير أنهم لم يتحللوا من إرثهم الدبلوماسي . ليست هنالك مؤامرة جرت العادة أن يرفض السودان التدخلات الدولية، خط دفاعه الأول في هذه الحالة أن المجتمع الدولي ينطلق في مواقفه من خانة التآمر عليه، وحتى إن تعلق الأمر بإغاثة متضرري النزاعات والكوارث الطبيعية، المدهش أن هذا ما لم نسمعه في نقاش وزارة الخارجية هذه المرة ، بل العكس، وكيل الخارجية رحمة الله ود. مطرف اتفقا على عدم وجد شبة تآمر وأن السودان من بادر بالشكوى للاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن من الاعتداءات المتكررة من جنوب السودان، والقراران: الأفريقي والأممي يتفقان مع ما طالب به السودان ، وإستراتجيته في تحقيق السلام والأمن على الحدود، وخلق جوار طيب مع دولة الجنوب. د.مطرف قال «نحن من بادرنا بالشكوى لمجلس الأمن والاتحاد الأفريقي» سبب آخر بحسب مطرف ساهم في صدور القرار وهو حالة الاحتقان التي كانت قائمة عقب احتلال هجليج وبعد تحريرها، وبالذات ما رشح في خطابات المسئولين من تهديدات باستمرار الحرب وتبادل العدوان، وقال «الوضع كان ينذر بحرب، وهذا ما كان يسمعه العالم من خلال الخطاب في البلدين وكان لا بد أن يتدخل». خسرنا وربحنا أسئلة الصحفيين بخصوص مكاسب السودان من القرار دار محورها حول هل: ما جرى أفضل ما يمكن؟ وهل بذلت الدبلوماسية السودانية كل جهدها لتحقيق مكاسب؟ دفاع الوكيل عن الدبلوماسية أثناء رده على الأسئلة تلخص في أنها لا يمكن أن تحقق كل المكاسب في قرار واحد ولكنها تكسب شيئاً وتخسر آخر ، أما د. مطرف فجاء حديثه أكثر مباشرة في هذه النقطة، منبها إلى أن القرار نجح في إنقاذ البلدين من نذر حرب شاملة ومفتوحة، كما أنه سيوفر حلا للقضايا العالقة بين الشمال والجنوب التي طال السجال حولها حتى أن صبر المجتمع الدولي نفد بشأنها على حد تعبيره ويريد لها نهاية، إلا أن مطرف نفسه طرح سؤالاً: «هل من مصلحتنا أن نصل في هذه القضايا إلى نهاية سريعة وحاسمة كما يريد المجتمع الدولي في قراره أم مصلحتنا في التطاول» ثم أجاب «مصلحتنا في نهاية مرضية». مدير إدارة الأزمة مع الجنوب عمر دهب أشار إلى مكاسب أخرى تحققت من القرار، منها إتاحته لإعمال مبدأ الاحتكام إلى القانون الدولي في نزاعات البلدين، وتقيده للقضايا الأمنية بإطار زمني ضيق الأمر الذي قد يعجل بهدوء الأوضاع على الحدود ومناطق النزاع الخطاب السياسي.. (أزمة) انتقادات شديدة وحادة وُجهت من حضور حلقة النقاش للخطاب السياسي في الدولة، ابتدرها الصحفيون وأيدهم فيها الدبلوماسيون، الذين تضمن حديثهم شكوى واضحة من أضرار الخطاب السياسي، ولم يسلم من النقد حتى أعلى مسئول سياسي في الدولة. حالة الناقض بين الخطابين السياسي والدبلوماسي أقر بها د. مطرف وأعاد هذه الظاهرة إلى أنها تحدث عندما يسعى المسئول السياسي أن يعبء الداخل، وفي ذات الوقت يرسل رسائل للخارج، إلا أنه يفشل في الأمرين وقال «يحاول أن يصيب أكثر من عصفور بحجر واحد إلا أنه في الآخر يجده حجر «مُجلِّي». رحمة الله أشار إلى أنهم في الخارجية دورهم لا يزيد عن كونهم مستشارين للمسئولين السياسيين ويوضحون لهم مخاطر وحساسية الخطاب السياسي في مواقف كثيرة، ولكنهم لا سلطة لهم عليهم لإلزامهم بخطاب معين، د. مطرف وجه حديثه لرافضي القرار وقال «دائما ما نسمع هذه القرار يبلوا ويشربوا مويته ونحن في الآخر من نشرب موية الغسيل». مدير دار الخرطوم للنشر الطاهر حسن التوم اجتهد في الدفاع عن السياسيين وبالذات رئيس الجمهورية المشير عمر البشير عندما أشار إلى أن خطابه يوم تحرير هجليج الذي قال فيه «حدنا جوبا وسنغير نظام الحركة الشعبية» كان حديثا في موقف محدد أمام الجنود، وألقى الطاهر باللائمة على أجهزة الإعلام التي تنقل الخطاب، وطالب بآلية ل(فلترة) ما يرد في أجهزة الإعلام، إلا أن رد سفير جنوب السودان عليه كان مفحماً عندما ذكره بأن الخطاب يبث على الهواء مباشرة ولا يمكن فلترته وأن المجتمع الدولي لا يهتم لحالة الحماس والعرضة على حد تعبيره، وطلب من الطاهر أن ينصح السياسيين بضبط الخطاب بدلا عن الفلترة. وكيل الوزارة حكى موقفت له مسئول كبير عندما زار هجليج بعد التحرير، المسئول الذي أمسك عن ذكر اسمه بطريقة دبلوماسية هتف مع الجنود» جوبا جوا جوبا جوا» وعندما جاء دور رحمة الله في المنصة هتفوا له جوبا جوا قال لهم «لا أنا ما جوبا جوا أنا مع السلام وعلاقات الجوار الحسن» وبرر موقفه بأنه كمسئول رفيع في الخارجية يكون لحديثه وقع مختلف عن حديث السياسيين، التناقض بين الخطابيين استأثر بحيز واسع من النقاش وطالب البعض بوضع حد لهذا التناقض انعكاسات القرار على الداخل دون مواربة تحدث قرار مجلس الأمن عن عودة الحكومة للتفاوض مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال، بل أكثر من ذلك طالب بتفعيل الانفاق الإطاري بين الحركة والحكومة الذي وقع في أديس أبابا وعرف باتفاق نافع –عقار، خلال جلسة النقاش سعى عمر دهب إلى التقليل مما جاء في القرار بشأن الحركة الشعبية قطاع الشمال في إشارته لما ورد على أنه في إطار الاتفاق على تقديم المساعدات الإنسانية للمتأثرين في مناطق الحرب، إلا أن د. مطرف في حديث للأحداث أمن على أن التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال سيكون شاملا ويجب أن يصل إلى اتفاق سياسي، وبهذا بات من المؤكد أن تحولات كبيرة ستجري في الداخل على المستوى السياسي، وهنا نذكر بأن الاتفاق الإطاري تضمن شراكة الحركة الشعبية في الحكم في جنوب كردفان والنيل الأزرق على الأقل ، وقبل ذلك الاعتراف بها حزب سياسي في الشمال، كما أن الاتفاق تحدث في بعض الجوانب بإشراك القوى السياسية في وضع دستور يلزم الحكومة بالديمقراطية وحكم القانون والاعتراف بالتنوع الثقافي والسياسي والعرقي في السودان. رافضين للقرار وجد القرار في أيامه الأولى رفضا من بعض السياسيين والمسئولين في الدولة على حد سواء، إلا أن الملاحظ أن الخطاب مؤخرا بشأن القرار صار أقل حدة وبالذات من رجال الدولة، أئمة المساجد في خطبة الجمعة الماضية شنوا هجوما كاسحا عليه، وإن لم تخرج انتقاداتهم من نظرية المأمرة واستهداف السودان في دينه. أبرز مناهضي القرار كان منبر السلام العادل الذي هدد رئيسه الطيب مصطفى في حديثه ل»الأحداث» باستخدام كافة الوسائل لمناهضة القرار، وأشار إلى أن مؤيديه في وزارة الخارجية وفي وفد التفاوض سيضيعون السودان ووصفهم بعصافير الخريف، إلا أن د. مطرف أكد على أن الخارجية لا يمكن أن توافق على قرار كهذا دون استشارة القيادة السياسية في الدولة، في إشارة إلى رئيس الجمهورية الزمن غير ملزم قلل د. مطرف من دقة المواقيت التي حددها القرار الذي جاء فيه أن يجلس الطرفان للتفاوض في مدة لا تزيد عن أسبوعين، كما طالبهما بالوصول إلى اتفاق في فترة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، إلا أنه أوضح بأنه بعد أن يبدأ التفاوض ويبدي الطرفان حسن تعاون وتتبدل أجواء العداء إلى أجواء سلام وتفاهم يمكن أن تستمر المفاوضات حتى إلى ستة أشهر، كما أشار إلى أن التفاوض يحتاج إلى ترتيبات قد لا تنتهي خلال الفترة المحددة التي انقضى منها فعليا خمسة أيام. وعن المادة 41 في الفصل السابع أشار إلى أنها تتعلق بعقوبات اقتصادية حال لم تتوصل الأطراف لاتفاق ورفضت تطبيق خارطة الطريق التي سيحددها الاتحاد الإفريقي بعد انتهاء فترة التفاوض. عبارات قاطعة ومحددة استخدمتها مندوبة الولاياتالمتحدة سوزان رايس في خطابها بشأن القرار الصادر في حق دولتي السودان وجنوب السودان عشية يوم الأربعاء الماضي حينما قالت (يجب وقف المعارك الدائرة فوراً)، وأضافت (في مرات كثيرة يقطع الطرفان وعوداً ولا يفيان بها ولكن هذه المرة سنحكم عليهما بأفعالهما)، القرار نفسه الذي لعبت فيه رايس دوراً محورياً، جاء قاطعاً وتفصيلياً وأمر الدولتين بالعودة فوراً للمفاوضات، مستنداً إلى مصفوفة زمنية دقيقة بدأت فعليا عدها التنازلي وفي أقل من أسبوعين عليهما العودة للتفاوض، وفي غضون ثلاثة أشهر يجب أن يتوصلا إلى اتفاق شامل، القرار أيضا حصر القضايا التي سيتم التفاوض حولها (النفط والحدود وأوضاع رعاية الدولتين) بيد أن البنود التي ستصب مباشرة في أوضاع الشمال وعلى أراضيه هي المتعلقة بالحرب الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.