لم يتوقع أحد من حضور صالون الراحل سيد أحمد خليفة أن تمتزج السياسة مع الشعر بالطريقة التي حدثت أمس، وإن كان ذلك عند كثيرين أشبه بخلط العسل بالخل، عندما استضاف الصالون في فترته الأولى عدد من الشعراء.. التجاني حاج موسى، مدني النخلي، السر الطيب ليطرحوا خلافهم مع لجنة المصنفات الأدبية التي رفضت أن تجيز مجموعة من أشعارهم، وفي فترته الثانية استضاف الفريق بالجيش الشعبي دانيل كودي لطرح مبادرته لحل الأزمة في جنوب كردفان والنيل الأزرق التي وضعها أمام رئيس الجمهورية الثلاثاء الماضي. ووجدت قبولا شديداً من المؤتمر الوطني، لدرجة أن رئيس الجمهورية المشير عمر البشير تسلمها شخصيا من كودي في اجتماع مطول دام قرابة الساعة ونصف وشاهده الجميع عبر الكاميرات وهو يضحك بشدة ويده في يد الرئيس البشير، بجانب كودي حضر الصالون ممثلين لولاية النيل الأزرق وهم عبد الرحمن أبو مدين الوالي الأسبق ورئيس حزب الحركة القومية للسلام والتنمية سراج حامد وأمين الحزب رمضان وهو حزب تكون من المنسلخين عن الحركة. المبادرة والقديم الجديد قبل أن يبدأ الفريق دانيل كودي في طرح المبادرة كان الشاعر السر الطيب قد فرغ من قرأة قصيدة حجبها مجلس المصنفات الأدبية، معانيها تدور عن التعايش بين الشمال والجنوب والمسلم والمسيحي، وعن أن السودان واحد، ليستهل كودي حديثه بها «هذه القصيدة التي كتبت من 1988 كانت ستكون أفضل من هيئة دعم الوحدة التي فشلت في جعل الوحدة جاذبة» ومن ثم في نقاط طرح المبادرة بعد أن قال إنها لا تختلف عن مبادرته التي طرحها في أيام الأزمة الأولى، ومرتكزاتها الساسية، وقف إطلاق النار وتنفيذ الترتيبات الأمنية كما ودرت في اتفاقية السلام الشامل وإجراء المشورة الشعبية، إلا أن كودي أشار إلى أن الجديد في ما قدمه لرئيس الجمهورية ضمن في المبادرة أشياء تتماشى مع المستجدات وبالذات التداعيات التي خلفها احتلال هجليج، وأهمها قرار مجلس الأمن رقم (2046) ، كما أنها دفعت كثيرا من الجنود والضباط في الجيش الشعبي إلى رفض الحرب والعودة الطوعية وأشار إلى أن الحركة طلبت منهم التوجه إلى كاودا لحمايتها إلا أن كثيرين رفضوا وعسكروا في منطقة (توانجا). حرب بلا طائل أكثر من مرة ردد كودي أن الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق لن تنتهي بمنتصر ومهزوم وهي عنده حرب بلا طائل وقد تطول إلى أكثر مما يتوقع الطرفان، وأوضح أن مبادرته ترتكز على إقناع الأطراف وخاصة الجنود في الميدان بأن السلام أفضل من الحرب، وقال كودي «طبيعة المنطقة تجعل الحرب بلا نهاية ومن قبل حاربتنا الخرطوم ولم تستطيع هزيمتنا».. و أشار دانيل إلى خلافات بين قيادة الجبهة الثورية واحتجاجات بالذات من أبناء النوبة لعدم تمثيلهم في قيادة الجبهة الثورية على الرغم من أن معظم الجنود المقاتلين من بينهم. حلول المبادرة ثلاثة حلول تقدمت بها المبادرة، الأول سوداني سوداني ، ويقوم على إقناع الأطراف المتحاربة في الجبهة الثورية والحكومة بجدوى السلام، واقترحت المبادرة إشراك شخصيات قومية في إدارة الحوار، كما اقترحت إشراك المعارضة السياسة وقال كودي» المعارضة يمكن أن تقنع حاملي السلاح لأنهم يقولون أن هدفهم واحد إسقاط النظام مع اختلاف الوسائل» الحل الثاني هو حل بين الدولتين دولة السودان ودولة جنوب السودان، والحديث هنا يجب أن يتركز حول المصالح المشتركة ويدعم إقلميا ودولياً، أما الحل الثالث بالعودة إلى اتفاقية السلام الشامل والعمل على تنفيذ بنودها التي لم تنفذ وخاصة جانب الترتيبات الأمنية الذي هو أس المشكلة عند كودي. المبادرة والقرار الأممي ..تقاطعات بدا واضحا التقاطع بين المبادرة التي طرحها كودي وقرار مجلس الأمن الأخير للدرجة التي يرى معها البعض أن المبادرة لم تعد ذات جدوى، ونذكر هنا أن القرار الأممي ألزم الحكومة بالحوار مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال وضروة التوصل إلى حل سياسي وسبق أن قال سفير السودان بدولة الجنوب د. مطرف صديق للأحداث بأن الحوار مع الحركة الشعبية ملزم ويجب أن ينتهي باتفاق سياسي، المبادرة تطرح في حلولها الترتيبات الأمنية وتضعها كأولوية وكذلك القرار الأممي. إلا أن المكتب القيادي للمؤتمر الوطني في اجتماعه نهاية الأسبوع الماضي لمناقشة قرار مجلس الأمن الدولي شدد على عدم الحوار مع الحركة الشعبية شمال السودان. كما المبادرة ترى العودة إلى اتفاق السلام الشامل وتنفيذ بنوده وهذا ما ذكره القرار الأممي صراحة في أكثر من بند.. إلا أن الفرق بينهما أن القرار الأممي مقيد بمواقيت محددة وملزمة لكل الأطراف، كما أنه مدعوم بقوة مجلس الأمن ولا خيار للأطراف فيه فهي حال لم تنفذه كاملا ستتعرض لعقوبات مجلس الأمن عبر البند السابع الذي سيفرض على البلدين حصار اقتصادي خانق، سيشمل حظر الطيران والبترول وكل الصادرات ومعظم الواردات، لذا من المنطق أن تقبل الحركة الشعبية التي تحارب في المنطقتين بالقرار الأممي وترحب به ولا تلتفت لمبادرة كودي. هل كودي مقبول للحركة الشعبية؟ من المهم لنجاح المبادرة أن يكون طرحها مقبول للطرفين، فهل الفريق كودي كذلك؟، من المؤكد أنه مقبول للمؤتمر الوطني وليس هنالك دليل أقوى من استقبال الرئيس البشير له، فهل هو مقبول للحركة الشعبية؟ منذ مدة ولم تعد مكانة كودي في الحركة كما هي في السابق، قبل الانتخابات أبعد من منصب نائب الوالي ثم من رئاسة الحركة في جنوب كردفان، وفي لقاء سابق بالصالون حكى كيف هرب من جوبا ومن استخبارات الحركة الشعبية بعد الحرب التي وقعت في كادقلي، إلا أن السؤال الذي طرحه عليه عادل سيد أحمد يجيب على علاقته بقيادات الحركة، والسؤال «هل طرحت هذه المباردة على قيادة الحركة التي تحمل السلاح مالك عقار والحلو وهل رحبوا بها» تردد دانيل كثيرا في الإجابة، قال أولا» من المؤكد أنهم سمعوا بها عبر الإعلام» أعاد عليه السؤال «رحبوا بها» أجاب «سمعوا بها ولكن لم يكن هنالك رد منهم لا رفض ولا قبول» وفي رده على سؤال آخر عن أن القرار الأممي جعل المباردة دون أثر قال «إن كان حل المشكلة عبر القرار الأممي فسأقبل وأنا غير متمسك بالمبادرة ولكن متمسك بالحل فقط» التجاني .. السياسي الشاعر بلا شك كان الشاعر التجاني حاج موسى ريحانة الصالون، فبعد أن ألقى أشعارا رائعة جدا، قدم محاضرة ضافيه عن دور المثقف وأهليته لقيادة قافلة الحياة على حد تعبيره، التجاني استطاع بمرافعته أن يقنع الحضور بأهمية الثقافة في تشكيل الوجدان في السودان والحفاظ على قواسم مشتركة بين أهله، وأشار إلى أنها الواقية التي هي خيرا من العلاج الف مرة منبها إلى أنها أجدى فمنع وقوع النزاع، التجاني حكى تجاربه مع أثر الثقافة على الناس بأسلوب شيق بديع صفق له الحضور كثيرا وخرجوا بانطباع أن التجاني سياسي في ثوب شاعر أو العكس.