اليوم يبدأ العد التنازلي لانتهاء الفترة الانتقالية التي شهدتها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وأطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك ، ستة عشر شهرا يتركها العسكر خلفهم وهم في طريقهم لثكناتهم ملتزمين بما قطعوا من وعود، وهي ذات اللحظة التي يتوجه فيها المصريون صوب مراكز الاقتراع لاختيار رئيسهم الجديد من بين أحد عشر مرشحا بعد انسحاب محمود فوزي لصالح عمرو موسى وانحياز السفير عبدالله الأشعال لصفوف محمد مرسي ، انتخابات ديموقراطية طال انتظارها وشكك البعض في إمكانية وصولها إلى هذه المحطة، لكن قطار الديموقراطية المصري وصل – بالفعل - محطته الأخيرة من عمر دورته الأولى، مدفوعا بقوة الثورة و محملا بآمال الملايين ومحمولا بتبعات فترة عصيبة شهدت تحولات وتحديات جسيمة. اليوم فقط يصمت المرشحون في حضرة الصناديق بعد يومين من صمت انتخابي – بلا صامتين – بعد تسجيل لتجاوزات طالت جميع المرشحين في اختراق واضح لعرف الصمت الانتخابي الذي يتوجب فيه أن يكف المرشح عن الكلام المباح ، ليترك المجال لناخب أرهقه كثرة الحديث وتعدد البرامج الانتخابية بالتزامتها الصادقة ووعودها الكاذبة، فسحة من الصمت ليقرر الناخب – بعد طول رهق - من يراه مناسبا دون ضغط ، لكن الواقع كشف أن الحملات الدعائية استمرت ويتوقع أن تستكمل في أيام الانتخاب التي تنطلق اليوم لتنهي غدا ، لتتكشف بعدها الصورة «التعبيرية» للرئيس الجديد ، في ظل تكهنات عديدة بصعوبة حسم الأمر من جولته الأولى ، ليترشح الأعلى صوتا لمرحلة ثانيه تنطلق منتصف الشهر القادم . نتائج تصويت المصريين في الخارج التي مالت ميلا عظيما لمرشح جماعة الإخوان المسلمين ورئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي ، غيرت من معطيات المشهد الانتخابي في مصر ، وبالرغم من صعوبة الربط بين نتائج الخارج ومدى انعكاسها على أصوات الداخل إلا أنها تعطي المؤشر على ارتباك المشهد وتلبكه ، وإن دلت على فرص مرسي الجيدة، التي تجاهلتها مراكز الرصد واستبعدها المراقبون، في تقديرات افترضتها انحسار شعبية الإخوان في الشارع المصري في أعقاب انتخاب مجلس الشعب وما رافق ذلك من ضعف أدائه وإحباط الشارع ، لتأتي تلك النتائج الصادمة للبعض والمفاجئة لبعض آخر لتعيد جدول الترتيب وتفتح المجال لتوقعات جديدة ومختلفه يجد فيها مرسي مكانا عليا لم يحظى به منذ أن دفعت به الجماعة كمرشح بديل لنائب المرشد العام ورجل الجماعة القوي المهندس خيرت الشاطر . اليوم .. يتوجه الناخبون لصناديق الاقتراع وفي صدارة المشهد خمسة أسماء لا سادس لها تلوح في الأفق وتتنازع أصوات المصريين وتتجاذبها ، دون عزاء لباقي المتنافسين ، الخمسة المبشرون بحكم مصر هم: وزير الخارجية الأسبق والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى الذي سجل حضورا كبيرا منذ إعلان موقفه بالترشح لرئاسة مصر ، حضورا تراجع قليلا في الأسبوعين الماضيين وبلغت حدة التراجع تلك ذروتها بتوليه للمرتبة الرابعة ضمن كوتة أصوات الخارج ، تراجعا بدا قياسه بعد المناظرة التاريخية مع المرشح الثاني في - سلم الترتيب حسب نتائح الخارج - الدكتورعبدالمنعم أبوالفتوح نقيب الأطباء العرب والقيادي المنسلخ عن جماعة الإخوان المسلمين ، بينما تدرج رويدا رويدا محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة الحائز على ثقة المصريين في الخارج بنسبة بلغت 48% ، بالإضافة إلى حمدين صباحي مرشح التيار المدني ورئيس حزب الكرامة الذي حل ثالثا في ترتيب المرشحين بالخارج ، فضلا عن رئيس وزراء مبارك الفريق أحمد شفيق الذي واجه حملات اغتيال سياسي كبيرة خلال فترة الدعائية الانتخابيه مما أثر على أدئه وبالتالي أضعف فرصه وإن حفظ لنفسه مكانا بين الخمسة الكبار . على الرغم من حالة الشد والجذب التي صاحبت الدعائية الانتخابية وحالة الانقسام العنيف حول المرشح الانسب ، واستحالة اتفاق أخوين في بيت واحد على مرشح بعينه ، إلا أن الأيام الأخيرة سجلت قبولا ورضى لمن سيختاره الشعب أيا كان – فلول أو إخوان أو من ينتمي إلى صفوف الثوار - ، والتزمت الأحزاب والحركات بدعم الرئيس الذي سيحظى بثقة الغالبية من بين 50 مليون ناخب مسجل في جدول الانتخابات ، قبول لا يخلو من أصوات قليلة أعلنت سلفا رفضها لرئيس إن كان من بين صفاته أنه كان حتى وقت قريب ضمن صفوف النظام ، مواصفات لو فصلت قميصا لما ارتداه إلا أحمد شفيق . كحال انتخابات البرلمان التي أجريت نهاية العام الماضي وسبقها انفلات أمني كبير تم ضبطه بكفاءة عاليه قبل أيام من الاقتراع ، فقد صاحب عملية الاستعدادات لانتخابات الرئاسة ترتيبات أمنية كبيرة نجحت في تجاوز انفلات الأمن الذي تم في الميادين المختلفة خلال الاسابيع الماضية، وانتشرت الشرطة والجيش في الشوارع وحول مراكز الاقتراع بأعداد وفيرة، مما أشاع أجواء من الطمائنينة في صفوف المواطنين يشجع على خروج الملايين من كل فج عميق لاختيار الرئيس الجديد ، وكلهم أمل في أن يأتيهم من يقودهم إلى مستقبل أفضل .