حفل رائع في قرعة دورة الصداقة بالضعين    دولة تسجل 16 ألف إصابة بسبب ذبح الأضاحي    تواصل العمل في صيانة وتأهيل مباني هيئة البراعم والناشيئن بمحلية بورتسودان    أكاديمية الفريع (A) تقلب الطاولة على أكاديمية الفريع (B) في ديربي الفريع الأهلي بالدامر    إجتماع ثلاثي مصغر لترتيب الاوضاع داخل الأكاديمية القضارف    شعار براؤن يصل يورو 2024 روديغر لاعب منتخب المانيا يقلد المصباح ابو زيد والاتحاد الأوروبي يتدخل    برمة: لا سبيل لمخرج آمن للبلاد إلا بالحوار الذي يفضي إلى إيقاف الحرب    تونس تفتح أبوابها لإيران.. ماذا يريد قيس سعيّد؟    يورو 2024: تعادل أول وتراجع بمعدل التسجيل 17 يونيو، 2024    مناوي: حرب 15 أبريل حربُ من أجل الحرب ولا أهداف سياسية أو رؤية وطنية    حكومة دارفور: نحذر جميع قادة مليشيات قوات الدعم السريع في النزاع من مغبة جرائمهم واحترام القانون الدولي    بالأرقام.. السعودية تكشف أعداد و"تصنيفات" الحجاج في 2024    جبريل: سائلاً المولى عز و جلّ أن يحقق لبلادنا العزيزة نصراً عاجلاً غير آجل على المليشيا الآثمة و على مرتزقتها و داعميها    شاهد بالصور.. الحسناء السودانية "لوشي" تبهر المتابعين بإطلالة مثيرة في ليلة العيد والجمهور يتغزل: (بنت سمحة زي تجديد الإقامة)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في بريطانيا يحاصرون الناشط البارز بالدعم السريع الربيع عبد المنعم داخل إحدى المحلات ويوجهون له هجوم عنيف والأخير يفقد أعصابه ويحاول الإعتداء عليهم بالعصا    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. حسناء سودانية تستعرض مفاتنها بوصلة رقص تثير بها غضب الجمهور    الخراف السودانية تغزو أسواق القاهرة    كيف ستنقلب موازين العالم بسبب غزة وأوكرانيا؟    مدرب تشيلسي الأسبق يقترب من العودة للبريميرليج    ترامب: لست عنصرياً.. ولدي الكثير من "الأصدقاء السود"    مسجد الصخرات .. على صعيد عرفات عنده نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم"    بالأرقام والتفاصيل.. بعد ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل السوداني تعرف على سعر "خروف" الأضحية السوداني في مصر وإقبال كبير من المواطنين السودانيين بالقاهرة على شرائه    بالفيديو.. تعرف على أسعار الأضحية في مدينة بورتسودان ومتابعون: (أسعار في حدود المعقول مقارنة بالأرقام الفلكية التي نسمع عنها على السوشيال ميديا)    رئيس وأعضاء مجلس السيادة يهنئون المنتخب القومي لكرة القدم    بالصورة.. المريخ يواصل تدعيم صفوفه بالصفقات الأجنبية ويتعاقد مع الظهير الأيسر العاجي    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدفع نحو النموذج الإثيوبي الأريتري... لمصلحة مَنْ؟
نشر في الأحداث يوم 28 - 05 - 2012

إن المتتبع لما حدث وما زال يحدث من توتر في العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان يصل إلى قناعة ثابتة بأن هناك قوىً مؤثرة في الدولتين تدفع العلاقات بين البلدين نحو النموذج الإثيوبي الأريتري، وأهم سماته القطيعة الشاملة والكاملة على جميع المستويات الشعبية والرسمية، وفي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد يتساءل القارئ المحترم قائلاً: كيف يصل التوتر إلى مرحلة المواجهة العسكرية بين طرفين حاكمين في بلدين نجحا معاً في توقيع اتفاقية للسلام الشامل في عام 2005م وتقاسما السلطة في السودان الموحد كشركاء طوال ست سنوات وأدارا استفتاءً نزيهاً وسلمياً واعترفا بنتائجه؟
وأقول إن هذه ليست مسألة شاذة سياسياً في إفريقيا... فالقوى الحاكمة في إثيوبيا وأريتريا التي تقاتلت أيضاً كانت في حالة تحالف ثوري في مواجهة نظام مانقستو... وهذه سمة من السمات الرئيسية للحركة السياسية في الدول المتخلفة، وهي أن تباين واختلاف الرؤى والأفكار والمواقف داخل الكيان السياسي الواحد سواء أكان تحالفاً أو حتى تنظيماً سياسياً واحداً سرعان ما يتحول إلى مواجهة حادة تصل إلى مرحلة رفع السلاح... فمن الطبيعي بل ومن البديهي سياسياً أن تحدث تباينات واختلافات بين أي مجموعات بشرية تتعاون مع بعضها البعض في إطار واحد في شكل حزب أو تحالف أو شراكة أو غير ذلك... ولكن يمكن أن تعالج تلك التباينات والاختلافات في إطار ودي عقلاني حواري يطور العلاقة بين الأطراف وليس في إطار المواجهة التي تصل إلى حد الاقتتال... هذا هو الفرق بين العقلية السياسية المتقدمة والمتخلفة.
إن العلاقة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ظلت في حالة تأرجح سياسي منذ عام 2005م... وهذا التأرجح كان بسبب توازن القوى داخل الطرفين... ففي عام 2005م عندما وقعت اتفاقية السلام الشامل كان ذلك في لحظة تغلبت فيها القوى العقلانية داخل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية... ولا يستطيع أحد أن ينكر التأثير الإيجابي للزعيم الراحل د. جون قرنق في دعم تلك القوى... ولكن مع بداية المرحلة الانتقالية وغياب الزعيم الراحل بدأت القوى التهريجية في التغلب... ففي المؤتمر الوطني كانت هناك قوى ترى في اتفاقية السلام الشامل جريمة وطنية وخيانة للشهداء وكانت هذه القوى متغلغلة في جميع جوانب السلطة الحاكمة فعملت بأساليب مباشرة أو غير مباشرة على تشويه الاتفاقية بتطبيق بعض بنودها بطريقة مبتورة أو تعطيل تطبيقها تماماً وهكذا نجحت تلك القوى في إلغاء روح الاتفاقية وانحيازها للوحدة وتحويلها إلى أداةٍ لتحقيق الانفصال... أما في جانب الحركة الشعبية فكانت هناك قوى تعتقد أن اتفاقية السلام الشامل تمثل فرصةً ذهبيةً لتحقيق الانفصال في نهاية الفترة الانتقالية فكانت تستجيب لاستفزاز القوى التهريجية في الطرف الآخر وتضخمها وتتخذها حجة لعدم جدوى الوحدة وترجيح خيار الانفصال.
مرة أخرى تغلبت القوى العقلانية وتم إجراء استفتاء سلمي وودي ونزيه. واعترف الطرفان بنتائجه وتم الإعلان عن دولة جنوب السودان في مناخ ودي صحيح وسليم... ولكن بعد ذلك تغلبت القوى التهريجية التي كانت تعتقد أن قيام دولة جنوب السودان يعني القطيعة الأبدية بين الشمال والجنوب واستعراض العضلات السياسية والاقتصادية والعسكرية في وجه كل طرف... وحدث ما حدث من استفزازات متبادلة وإفشال كل بادرة عقلانية ودفع الدولتين نحو مواجهة عسكرية.
إن تلك القوى التهريجية داخل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ما زالت تتصرف سياسياً بعقلية المناكفة بين شركاء الحكم في الخرطوم.
إنني أصف تلك القوى التهريجية بأنها متخلفة لأنها تعمل ضد مصلحة شعوبها وأوطانها بل وضد سلطتها الحاكمة... فحالة التوتر والاقتتال بين السودان ودولة جنوب السودان هي ضد مصالح الشعبين في البلدين بل وضد مصالح السلطتين الحاكمتين وهما سلطة المؤتمر الوطني وسلطة الحركة الشعبية... وهذه حالة عمىً سياسي تصيب القوى التهريجية وتجعلها تتصرف بطريقة جنونية تدمر مصالح شعوبها ومصالحها السياسية السلطوية الذاتية.
إن الدفع نحو النموذج الإثيوبي الأريتري ليس لمصلحة السودان ولا لمصلحة جنوب السودان وإنما لمصلحة الشيطان السياسي الذي يدمر الطرفين ويحيل حياة شعوبهما إلى جحيم لا يطاق... فالفقر والبؤس والجوع والمرض في الدولتين عندما تضاف إليه الحرب يصبح الجحيم بذاته.
كما ذكرت في مقال سابق فإن السودان الدولة الأم عليها مسؤولية سياسية وأخلاقية تجاه الدولة الوليدة ويجب أن يكون سلوكها السياسي مختلفاً مهما حدث من قبل الطرف الآخر... لذلك في تقديري أن هناك بعض الملاحظات التي ينبغي تسجيلها:-
أولاً: إن انسحاب القوات المسلحة لدولة جنوب السودان من هجليج سواءً أكان بقرار من الدولة أو كنتيجة للضغط العسكري من قبل القوات المسلحة السودانية كان من الممكن أن يثمن ويستخدم للانطلاق نحو تهدئة الأوضاع... ولكن الإصرار على التعبئة والاحتفالية بالنصر وتجاهل الانسحاب يعني أن هناك اتجاهاً للتصعيد.
ثانياً: إن انسحاب قوات دولة الجنوب من أبيي أيضاً كان يمكن أن يثمن ويستخدم كمدخل للتهدئة ولكن الحكومة السودانية خرجت بموضوع مختلف وهو موضوع إدارة المنطقة ثم بعد أيام تحدثت عن ضمانات أمنية... وهذا أيضاً دليل على الرغبة في التصعيد.
ثالثاً: هناك حملة شائعات سودانية تهدف إلى تشويه صورة دولة الجنوب في ذهن المواطن الشمالي كالحديث عن الأوضاع الأمنية داخل مدينة جوبا... وأنها محاصرة وغير ذلك وأن هناك طرداً للشماليين وغير ذلك وجميعها معلومات غير صحيحة... فقد أتيحت لي فرصة زيارة جوبا لأكثر من مرة خلال الفترة الماضية قبل وبعد أحداث هجليج... فالمدينة آمنة والحياة تسير داخلها بشكل طبيعي دون أي توترات أمنية، والمواطنون السودانيون متواجدون دون أي مضايقات، ويمارسون أعمالهم التجارية والوظيفية والاستثمارية بشكل طبيعي، وقد توجهوا للحصول على الإقامة وبالفعل حصلوا عليها بيسر وبكل سهولة وباحترام وتقدير ومعاملة حسنة. وأذكر في هذا المجال على سبيل المثال ما ورد في بعض الصحف بالخرطوم عن حريق سوق كنجو كنجو بجوبا، وأنه قد تم بفعل الحكومة بغرض طرد التجار الشماليين بالسوق... حرصت على زيارة السوق بعد الحريق ومقابلة السودانيين أصحاب المحلات بالسوق... فقالوا لي أنه ليس الحريق الأول فقد حرق السوق أكثر من مرة قبل ذلك؛ لأنه مشيد بمواد بسيطة وأن السوق به جنسيات مختلفة وليس سودانيين فقط وأن الحريق انطلق من محل مغلق... هذا بالإضافة إلى أنني قد وجدتهم يعيدون تشييد نفس محلاتهم المحروقة وأمامهم بضائعهم التي كانت بمستودعات بعيدة عن السوق أو التي قاموا بشرائها بغرض معاودة العمل من جديد وهذا يؤكد عدم صحة رواية الحريق بغرض الطرد... عموماً أستطيع أن أؤكد أنه لا يوجد استفزاز أو استهداف للمواطن السوداني المقيم بالجنوب، وهذا لا ينفي أنه قد يتعرض مواطن سوداني لاستفزاز شخصي من أحد المواطنين الجنوبيين، ولكن هذه حالات فردية يحدث مثلها في السودان في مواجهة الجنوبيين المقيمين، ولكن لا تستطيع أن تقول أننا نسيء معاملة الأخوة الجنوبيين بسبب تصرف فردي.
رابعاً: لقد عرف السودان خلال تاريخه الحديث عدة نزاعات وتوترات مع دول الجوار... مصر وليبيا وتشاد وإثيوبيا والسعودية...الخ ولكن لم تصل المسائل إلى تصوير الأمر وكأنه حرب شاملة وعداء كامل... فما بالكم بنزاع وتوتر بيننا وبين دولة جارة جواراً خاصاً لأنه جوار شقيق كان يقيم معنا بالأمس في دولة واحدة... لذلك أعتقد أنه ليس من الحكمة أن تتم تعبئة الشعب السوداني على أساس أنه في حالة حرب شاملة مع دولة الجنوب... فليكن نزاعاً مسلحاً نعمل على معالجة أسبابه وآثاره دون هذه التعبئة الضارة بالعلاقة بين الشعبين.
والسؤال المطروح الآن بشدة علينا جميعاً كمواطنين وكمسؤولين في الدولتين هو: كيف نعالج التوتر بين الدولتين؟
في تقديري أننا يمكن أن نتجاوز هذه المرحلة الحرجة إذا اتبعنا الخطوات التالية بشرط أن نضع نصب أعيننا مصلحة الشعوب في الدولتين وتقديم التنازلات المتبادلة للوصول إلى مرحلة السلام الدائم بين الدولتين... فلا الجنوب يمكن أن يستغني عن الشمال ولا الشمال يمكن أن يستغني عن الجنوب وهذه حقيقة يجب أن ندركها في الدولتين بوعي دون مغالطة ومكابرة:-
1. العودة سريعاً إلى طاولة التفاوض دون شروط مسبقة فالتفاوض في مثل هذه الظروف ضروري وحيوي ومفيد.
2. أن يتم رفع مستوى وفدي التفاوض... فإذا كان التفاوض للوصول إلى اتفاقية السلام الشامل بقيادة النائب الأول لرئيس الجمهورية فالوضع الحالي لا يقل أهمية عن اتفاقية السلام الشامل... فالوفدان يجب أن يكونا على مستوىً رفيع وبصلاحيات عالية.
3. إن الحديث عن أولوية الملفات الأمنية في التفاوض يتناقض تماماً مع المنطق السياسي السليم لأنه ببساطة لا توجد قضية أمنية إلا ولها أسباب سياسية واقتصادية فليس هناك قضايا أمنية تثار هكذا بدون أسباب سياسية واقتصادية وبالتالي علينا أن نعالج الأسباب لكي ينتهي تلقائياً التوتر الأمني... فالآن هناك حالة «خنق» اقتصادي متبادل فكيف تخنقني اقتصادياً وتطلب مني في نفس الوقت أن أضمن استقرارك الأمني؟... ساعدني على معالجة مشاكلي الاقتصادية لتصبح لدي مصلحة حقيقية في أن أضمن لك استقرارك الأمني.
4. أن يتم التفاوض في سرية تامة وبعيداً عن أجهزة الإعلام ولا يتم الإعلان عن أي اتفاق إلا بعد اعتماده من قيادة البلدين ويصبح نهائياً... لأن الإعلان الفوري عن الاتفاقات المبدئية يمكن أن يكون ضاراً للغاية ويهيج القوى التهريجية لدى الطرفين والمعادية بطبيعتها لأي توجه يؤسس لعلاقة ودية بين الدولتين كما حدث بعد الاتفاق المبدئي الخاص بالحريات الأربعة.
5. وقف الحملات التعبوية والتجريح الإعلامي المتبادل... والصمت قليلاً... فالصمت ليس دليل ضعف كما يتصور البعض وإنما هو دليل حكمة وعقلانية سياسية... فهذا السيل من الخطب والتصريحات المتبادلة يؤدي إلى استفزاز الطرف الآخر ودفعه للمزيد من الخطب والتصريحات النارية... وكلها كما نعلم تهويشات سياسية ضررها أكثر من نفعها.
6. تهيئة المناخ السياسي المناسب للجلوس مع الحركات المسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق للتفاوض عبر وساطة إفريقية أو إقليمية أو حتى وساطة دولة جنوب السودان إذا نجحنا في تهدئة الأوضاع معها... وأرجو أن لا نغالط ونرفض ونكابر كما حدث في عام 2003م و2004م فيما يتعلق بالحركات المسلحة في دارفور حتى تم تدويل المشكلة وأجبرنا على الجلوس مع الحركات المسلحة التي كنا ندعي أنها عبارة عن مجموعات من قطاع الطرق.
7. التفاوض حول مسألة دعم وإيواء الحركات المعارضة للدولة الأخرى في إطار وفدي التفاوض المعتمدين بعد أن تعالج الملفات السياسية والاقتصادية وتصل إلى مرحلة معقولة من الارتخاء السياسي في العلاقات بين البلدين لأنه في ظل حالة التوتر في العلاقات لا يمكن أن يوافق الطرفان على مسألة عدم إيواء ودعم الحركات المعارضة.
8. يجب على القوى العقلانية داخل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وبالأحزاب المعارضة في الشمال والجنوب وبمنظمات المجتمع المدني وخاصةً بجمعية الأخوة السودانية الجنوب سودانية أن ترفع صوتها بجرأة في مواجهة القوى التهريجية التي تدفعنا بقوة نحو النموذج الإثيبوبي الأريتري... وأن نعمل معاً بجدية على عدم تحول الانفصال السياسي إلى انفصال وجداني... فالشعوب لا تنفصل عن بعضها البعض تماماً مهما فعل الحكام... فها هي تجربة ألمانيا تقف دليلاً على ذلك... فبعد أكثر من نصف قرن من الانفصال السياسي التعسفي بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية... وبالرغم من الأسلاك المكهربة على الحدود والأسوار العالية والكلاب البوليسية والتخويف والقتل عاد الشعب الألماني موحداً وكأن شيئاً لم يكن بعد أن سقط المعسكر الاشتراكي وسقط النظام الاشتراكي في ألمانيا الشرقية.
9. قبول قرار مجلس الأمن رقم 2046 بكل تفاصيله دون تحفظات والعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على تطبيقه دون مراوغة ولف ودوران بهدف خلق مناخ إيجابي في مجال العلاقة بين السودان والدول أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي والإقليمي بشكل عام واضعين في اعتبارنا أن القرار قد أحيل نصه من الاتحاد الإفريقي وبالتالي قبوله والتجاوب معه فيه تحسين للعلاقات الدولية والإفريقية.
10. يجب أن نتيح الفرصة لوزارة الخارجية أن تتحرك دولياً وإقليمياً بأساليب دبلوماسية هادئة بعيداً عن الانفعالات والحماس السياسي الضار في معظم الأحيان.
11. هناك حاجة إلى تكوين مجلس أعلى للمشورة الوطنية يتكون من رئيس الجمهورية ونوابه الاثنين ورؤساء الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة والمعارضة ليس بهدف التنوير المتبادل وإنما بهدف الاتفاق على رؤى ومسالك وطنية لمعالجة العلاقة مع دولة جنوب السودان ومعالجة الوضع في جنوب كردفان والنيل الأزرق تلتزم بها الحكومة وتساعد الأحزاب المعارضة على تطبيقها على الواقع.
12. أن يكون أحد بنود جدول أعمال التفاوض بين السودان وجنوب السودان مسألة توقيع اتفاقية تجارية تفتح الحدود التجارية بين البلدين وفق نظام خاص للجمارك يلتزم به الطرفان يسمح بانسياب البضائع دون صعوبات وبرسوم صادر ووارد رمزية يتفق عليها بالإضافة إلى تضمين الاتفاقية التجارية استخدام دولة الجنوب لميناء بورتسودان لوارداتها برسوم رمزية خاصة تدعم بناء الدولة الوليدة اقتصادياً وفي نفس الوقت تحقق ازدهاراً لنشاط ميناء بورتسودان.
13. إعادة الطيران المباشر بين الخرطوم وجوبا بشكل عاجل خلال الأيام القادمة لأن في توقف هذا الطيران المباشر تعذيب للمواطنين من الدولتين الذين لا ذنب لهم في الذي يحدث بين الحكومتين.
14. هناك ضرورة لتوقيع اتفاقية تعاون إداري وفني وتعليمي بغرض دعم السودان لدولة الجنوب بكوادر في عدة مجالات لحين اكتمال بناء الدولة الوليدة لصعوبة اللجوء إلى دولة أخرى للحصول على هذا الدعم فمعظم الكوادر العاملة الآن بالدولة الجنوبية هي كوادر تلقت تعليمها العالي وخبرتها في الشمال واعتادت على التعامل مع الأنظمة والسياسات في الشمال.
15. علينا أن نتعلم لعبة المصالح ونجعل هدفنا الرئيسي عندما نتحرك دولياً وإقليمياً هو تحقيق مصحلة السودان الوطن والشعب... فالعالم حولنا يتصارع حول المصالح ونحن نقف خارج العصر ونعزف مقطوعات لا يفهمها أحد... ولا أريد أن أفصل... فالدول المجاورة لدولة جنوب السودان قد أصبحت لديها مصالح حقيقة في عدم تحسن العلاقة بين السودان ودولة جنوب السودان وإذا استمر الوضع كما هو عليه الآن دون معالجة فلا أستبعد أن تصبح لهم أذرع لتدمير العلاقة بين البلدين والحيلولة دون تحسنها... وأرجو أن ندرك ذلك بوعي قبل فوات الأوان !!
خلاصة ما أردت أن أقوله في هذا المقال هي أننا جميعاً في الشمال وفي الجنوب يجب أن نعمل بهمة عالية وبروح وطنية مجردة بعيداً عن المناكفات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتجاوز ما حدث من تدهور مخيف في العلاقات بين الدولتين... فلا مخرج للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها السودان ودولة جنوب السودان إلا بخلق علاقات ودية طيبة وخاصة بينهما لأن المصالح المشتركة بيننا هي الضمانة الوحيدة للأمن والاستقرار في الدولتين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.