إن لقاء رئيس جمهورية السودان ورئيس جمهورية جنوب السودان في أديس أبابا على هامش مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح نحو العقلانية السياسية لأنه سيساهم إيجابياً بشكل مباشر في مناخ التفاوض بين وفدي البلدين في مدينة بحردار بإثيوبيا... فكلما حدث تبريد وتلطيف للعلاقة السياسية ارتفعت معنويات المفاوضين وأصبحوا أكثر قدرة على التفكير الهادئ الودي المرن الذي يؤدي إلى رفع درجة استعداد كل طرف لتقديم التنازلات بالقدر الذي يقربهما إلى نقطة التقاء المصالح وللأسف الشديد فإن قوى الجنون السياسي في السودان هي الأكثر قدرة على رفع الصوت وإحداث التعبئة السياسية وسط الجماهير في السودان وفي جنوب السودان عندما تتوتر العلاقات... أما قوى العقلانية السياسية فإنها تجيد الصمت ولا تجيد لعبة التعبئة السياسية وإطلاق الحناجر عندما تحدث مثل هذه الخطوة الإيجابية في الاتجاه العقلاني الصحيح... لذلك أدعو تلك القوى العقلانية في السودان وفي جنوب السودان أن ترفع صوتها دعماً لمثل هذه الخطوة ولما حدث من تطور إيجابي في مناخ التفاوض. في تقديري أننا في حاجة إلى خطوة أخرى تعزز هذا المناخ وتسرع في الوصول إلى اتفاق ودي يحقق مصالح البلدين... فكمثال يمكن أن تبادر الحكومة السودانية بإنهاء إجراءات الطيران المدني الخاصة بشركات الطيران ومعاودة رحلات الطيران بين الخرطوم وجوبا وعدم مطالبة المواطنين الجنوبيين حاملي جوازات السفر الجنوبية بتأشيرة دخول مسبقة... فإذا حدث ذلك وتبعته خطوة مماثلة من دولة الجنوب فسيمثل ذلك نوعاً من إبداء حسن النوايا وتهيئة المناخ لخطوات أكبر لمصلحة المواطنين في البلدين وإزالة آثار موجة العداء المفتعل خلال الفترة الماضية التي أعقبت أحداث هجليج. أما فيما يتعلق بأساليب التفاوض ببحردار فأعتقد أنه ليس منطقياً أن نرتب أجندة التفاوض تسلسلياً لأن الترتيب الذي يراه الطرف السوداني صحيحاً حسب مصالحه لن يراه الطرف الجنوبي صحيحاً حسب مصالحه... فإذا كانت الترتيبات الأمنية لها الأولوية لدى الطرف السوداني فإن المسألة النفطية لها الأولوية لدى الطرف الجنوبي... لذلك الأفضل أن يتفق الطرفان على فتح جميع الملفات في وقت واحد والسير فيها بخطوات متوازنة لأنها بطبيعتها قضايا متداخلة لا يمكن فصلها بطريقة أولاً وثانياً وثالثاً... فالقضايا الأمنية جذورها اقتصادية... والتوترات الأمنية لها آثار اقتصادية حادة... وهكذا يمكن تناول القضايا الاقتصادية والأمنية معاً والربط بينهما وتقديم تنازلات متبادلة بين الجانبين لمعالجة جميع تلك الملفات الاقتصادية والأمنية. أكرر ما ذكرته في مقالات سابقة بأنه لا مخرج أمامنا في السودان وفي جنوب السودان من هذا المأزق السياسي والاقتصادي الذي وضعنا شعوبنا فيه إلا بعلاقات ودية وطيدة وعميقة ومتميزة وذات خصوصية بين البلدين... فإذا أصررنا على هذا الخنق المتبادل فسنعذب شعبي البلدين اللذين هما وجدانياً شعب واحد بالرغم من الانفصال السياسي الذي حدث... فالسودان لن يفرح لمعاناة الجنوبي والجنوبي لن يفرح لمعاناة السوداني... فلندعم هذه الخطوة الإيجابية في الاتجاه العقلاني الصحيح لمصلحتنا جميعاً حاضراً ومستقبلاً.