عندما كنت أشاهد مباراة المريخ ومازيمبي الكنغولي في دوري أبطال أفريقيا لفت نظري خواجة يرتدي شعار المريخ، ويجلس بجوار السيد جمال الوالي رئيس نادي المريخ، ويبدو على ملامحه الاهتمام بمتابعة مجريات المباراة.. ونشرت بعض الصحف صباح اليوم التالي للمباراة بأن الخواجة الذي كان يجلس بجوار الوالي هو نائب السفير الأمريكي، وتحدث للصحف قائلاً بأن الوالي قد أحضره من المقصورة الشعبية إلى المقصورة الرئيسية، وتكرر نفس المشهد في مباراة الهلال وهلال الساحل وظهر نفس الخواجة جالساً بجوار السيد الأمين البرير ولا أدري ما الرسالة التي أراد نائب السفير الأمريكي توصيلها للشعب السوداني، ولكني سوف أخمن ما قصده الخواجة من حضور تلك المباريات باعتبار أن الهلال والمريخ هما أكبر الأندية السودانية شهرة على النطاقين الإقليمي والعالمي وأكثر الأندية جمهوراً.. والرسالة ربما كان مفادها أننا كشعب أمريكي لا نحمل ضغائن للشعب السوداني، والدليل أنني هنا أشارككم حضور المبارايات التي تهم كل الشعب السوادني، ويحاول أن يجعل فاصلاً بين السياسة وتواصل الشعبين عبر الدبلوماسية الشعبية وعدم تحميل الشعب الأمريكي أخطاء الحكومة في البيت الأبيض، وإن صحت هذه التوقعات وصدقت تلك النوايا أو لم تصدق نريد أن نطرح على نائب السفير الأمريكي هذه الاسئلة: ماذا قدمتم من أفكار ومقترحات للإدارة الأمريكية التي تمثلونها في السودان عن الشعب السوداني؟ وما هي مجهوداتكم في تحسين الصورة الذهنية لدى الشعب الأمريكي عن الشعب السوداني؟ وما هو طرحكم لشكل العلاقة بين البلدين وعلى ماذا تقوم وكيفية إزالة الآثار السالبة التي ترسبت في نفوس السودانيين عن الأمريكان وإداراتهم المتعاقبة من لدن بوش الأب وكلينتون وبوش الابن مروراً بأوباما؟ وماذا فعلتم لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أم أنكم جئتم لمشاهدة مباريات كرة القدم؟ وكنا نعتقد بعد حضوركم لتلكم المباراتين سوف ترفع السفارة تقريرها وتحديداً نائب السفير الذي كان وسط الجمهور السوداني غنيهم وفقيرهم صبيهم وكهلهم ولم يصب ولو بخدش على مرفقه حتى لحظة جلوسه بالقرب من جمال الوالي ولكن هاهي الإدارة الأمريكية تخذل الشعب السوداني، وتسعى إلى استعدائه بكل السبل، وهي تصدر قراراً يلزم الدول بعدم استقبال البشير، وإلا سوف توقف عنها المساعدات الامريكية بحجة انه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية التي لا يقف أمامها من كان أمريكياً أو أوربياً أو ممن ترضى عنهم أمريكا وان جاء بما في الارض من انتهاكات وجرائم! من الذي ينبغي أن يمثل أمام المحكمة الجنائية بوش أم البشير كلينتون أم البشير أوباما أم البشير؟. فالقرار الذي صدر يؤكد فشل الدبلوماسية الأمريكية وعدم مراعاتها لمصالح شعبها، وذلك بمعاداة دولة تملك كل مقومات الشريك الاستراتيجي في افريقيا والوطن العربي بما يملكه السودان من امكانات مهولة يمكن أن يستفيد منها البلدان من خلال خلق علاقات قائمة على تبادل المنافع واحترام سيادة الآخر وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والعمل معاً لتحقيق أفضل أنواع التعاون على الإطلاق من خلال ما يملكه السودان من موارد بكرة لم تستغل بعد والإمكانات الأمريكية المتمثلة في القدرة الاقتصادية والخبرات والتكنولوجيا. وسوف أستعرض مع نائب السفير الأمريكي الأضرار التي ألحقها تهور ورعونة الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالسودان مع أن السودان لم يعتدِ يوماً على أمريكا لا من بعيد أو من قريب وأول هذه الأضرار ما قامت به شركة شيفرون الأمريكية التي كانت تنقب عن النفط، وبعد أن اكتشفت البترول وكمياته المهولة في السودان ماذا فعلت؟ قامت بإغلاق الآبار وغادرت في واحدة من أبرز علامات الغدر والخيانة وعدم مراعاة العهود والمواثيق ثم قامت امريكا بدعم تمرد الجنوب، واستمرت في ذلك الدعم حتى تكللت مساعيها بالانفصال الذي رسمت ملامحه عبر عملائها في الحركة الشعبية التي صادرت حريات شعب الجنوب وزورت إرادته لتسلم الجنوب لقمة سائغة لأمريكا، وبعد أن كانت أمريكا توعدنا بأن اتفاقية السلام هي بوابة السودان نحو النهضة والتنمية غير المسبوقة، ولكن قبل أن يجف مداد الاتفاقية اشعلت امريكا قضية دارفور وحولتها بفضل الآلة الإعلامية إلى كارثة الالفية الثالثة وبثت الاكاذيب والشائعات حتى قضى التمرد على الاخضر واليابس في دارفور، وصار إنسانها يتوسل المنظمات والاغاثات والسبب أمريكا وأعوانها وعملاؤها في افريقيا وأوروبا، وخاصة التابع الذليل ساركوزي الذي احتضن عبد الواحد واختطف اطفال دارفور ليبيعهم في سوق النخاسة الأوربية، وها هو يذهب بإرادة الشعب الفرنسي الذي نتمنى أن ينأى بنفسه عن قذارة السياسة ويتمسك بمبادئه الراسخة الحرية والعدالة والمساواة وعدم الانقياد وراء امريكا وسياساتها الرعناء التي اوردت العالم موارد الهلاك، ثم قامت أمريكا قبل ذلك بقصف مصنع الشفاء بسبب شائعة بأنه ينتج مواد كيميائية تستخدم في الحروب وحُرم آلاف الاطفال بسبب تدميرهم للمصنع الذي كانوا يعتمدون عليه في مد المستشفيات بالأدوية، وتتواصل حلقات المكر والإضرار بالسودان من قبل امريكا بشتى الطرق غير المشروعة وتأمرت أمريكا على شركة تلمسان الكندية وضغطت على حكومتها بسحب الشركة من السودان وعدم التنقيب عن النفط، ولكن مشيئة الله هي الغالبة فسخر للسودان الصين التي تعرف كيف تستفيد وتُفيد، وقد استفادت من الاخطاء السياسية والدبلوماسية الامريكية ورسمت سياسة ناجحة بكل المقاييس في التعامل مع السودان، وذلك باحترام سيادته، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية واحترام شعبه وثقافته، ولم تحاول ان تفرض أو تملي شروطاً على السودان؛ لأنها علمت ان السودان لا يجدي معه التهديد والوعيد، وهو ما فشلت فيه أمريكا باعتبارها قد مارست ذلك الأسلوب عبر الحصار الاقتصادي وتأليب دول الجوار ودعم التمرد والتدخلات السافرة في الشؤون الداخلية للسودان، لكنها لم تحقق ما تصبو اليه، وإذا كان لأمريكا مراكز للبحوث والدراسات لعكفت على دراسة طباع الشعب السوداني حتي تقدم لحكامهم خلاصة مفادها أن السودانيين لا يمكن أن يهانوا أو يذلوا لشيء في هذه الدنيا الفانية، وإن كان لأمريكا مراكز دراسات لأخبرت الإدارات الأمريكية بأن التاريخ قد تحدث عن السودانيين، والفضل ما شهد به الأعداء، فهذا ونستون تشرشل قد قال في كتابه معركة النهر: (ما هزمناهم ولكن قتلناهم) والتعبير دقيق جداً لوصف شخص يحمل سلاحاً بدائياً والآخر يحمل سلاحاً حديثاً كالذي تملكه أمريكا اليوم. ونحن نعلم أمريكا جيداً، فهي تحدث العالم عن ديمقراطيتها المزعومة، ولكنها لن ترضى عمن ترفضه وإن جاء عبر انجيل الديمقراطية الذي تؤمن به امريكا والامثلة لا يمكن حصرها ودونكم حماس في فلسطين وما يتعرض له البشير بعد فوزه في الانتخابات السابقة. فحضوركم يا نائب السفير للمباريات وجلوسكم بالقرب من رؤساء الاندية لن يغير الصورة الذهنية السيئة التي تغلغلت في نفوس الشعب السوداني ما لم تقدم امريكا افكاراً تحترم ثقافتنا وقيمنا، وقبل ذلك سيادتنا، وتسعى إلى التعامل معنا بالاحترام الذي نستحقه وترك سياسة ابراز العضلات وارهاب الشعوب بالقوة، فإننا لن نركع لكم ولن نحني جباهنا خوفنا من تهديداتكم أو طمعاً في مساعداتكم. وقد قلتها من قبل لاحد الامريكان عندما سألني ماذا انتم فاعلون اذا القت الجنائية الدولية القبض على البشير، فقلت له سوف تقوم ثورة تقضي على كل شئ وعندها لن تنفعكم حصونكم ولن تنفعكم جيوشكم. وانتم تعلمون ما فعل بكم الصوماليون، فما بالكم بالسودانيين عندما يمس رمز سيادتهم، فنحن الذين اخترنا البشير، ونحن من نقول له اذهب إلى بيتك، ولكن قطعاً ليس انتم.