أدى وقف جنوب السودان لإنتاج النفط منذ يناير إلى توقف تدفق الدولارات على اقتصاد لا ينتج شيئا آخر تقريبا، وهوى بسعر صرف جنيه جنوب السودان مقابل الدولار. ورفع ذلك تكاليف كل شيء من الوقود إلى زيت الطهي والأرز الفحم والموز. واضطرت الحكومة إلى خفض الإنفاق على التعليم والصحة في بلد لا تزال مؤشرات التنمية تقترب فيه بالفعل من أدنى المستويات العالمية. وعندما أصبح جنوب السودان أحدث دولة في العالم في يوليو ورث ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي للسودان. والنفط هو شريان الحياة للشمال والجنوب معا. وقد أدى قرار وقف إنتاج النفط -الذي أقدمت عليه الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة بالجنوب، في ذروة الخلاف مع السودان على رسوم عبور الصادرات النفطية وترسيم الحدود- إلى حرمان الجنوب من 98% من إيراداته، الأمر الذي أحدث هزة لاقتصاد البلدين وسبب صدمة للمانحين الأجانب. البقاء دون نفط خرافة ومع تحذير الخبراء من انهيار الدولة، فإن الرسالة التي يبلغها المانحون الغربيون لقادة جنوب السودان خلف الأبواب المغلقة هي أن الحديث البطولي عن البقاء بدون النفط إنما هو خرافة، وإنه يتعين عليهم التباحث مع السودان. وقال خبير تنمية أجنبي: إن الجميع يقول للجنوبيين أن يتفقوا مع السودان إذ لا توجد خطة بديلة. ويقول محللون: إنه في ظل بعض الدراسات التي تظهر أن إنتاج السودان وجنوب السودان من النفط وصل إلى ذروته بالفعل، فهناك شكوك جادة بشأن الجدوى التجارية لخط أنابيب بديل. ومما يغذي النقاش مذكرة جرى تسريبها في أول مارس نقلت عن مسؤول كبير في البنك الدولي تحذيره جنوب السودان من مواجهة انهيار كارثي في الناتج المحلي الإجمالي، ونفاد الاحتياطيات بحلول يوليو، وارتفاع التضخم بشدة، وتفاقم مستويات الفقر كنتيجة مباشرة لوقف إنتاج النفط. وسعى البنك الدولي إلى النأي بنفسه رسميا عن المذكرة المسربة التي أغضبت حكومة جنوب السودان. وتحت ضغوط أيضا من الصين المستثمر النفطي الرئيسي في كلتا الدولتين، وافق السودان وجنوب السودان على استئناف المفاوضات لمحاولة تسوية خلافاتهما. شد الأحزمة وفي ظل احتمالات غير مؤكدة للتوصل إلى اتفاق دائم، طلب رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت من مواطنيه أن يشدوا الأحزمة ويزرعوا محاصيل غذائية لتعويض الواردات، مع تطلع حكومته للاستفادة من الاحتياطيات النفطية للحصول على القروض. وتعتمد الحركة الشعبية لجنوب السودان على خفض الإنفاق المستهدف والقروض الأجنبية والمساعدات لإبقاء جنوب السودان قائما على قدميه إلى أن يتم مد خطوط أنابيب جديدة ما بين عامين وثلاثة أعوام لنقل النفط إلى كينيا وأثيوبيا بدلا عن مروره عبر السودان. ويطلق مسؤولون على ذلك حربا اقتصادية. ومن الممكن قياس الثمن الذي يدفعه مواطنو جنوب السودان لتلك الحرب بالطوابير الطويلة من المركبات والدراجات المصطفة خارج محطات البنزين للحصول على الوقود الشحيح، وبشكوى المشترين في الأسواق من الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء والمواد الأساسية. وارتفع سعر كيس الفحم -وهو الوقود الأساسي للطهي- من 50 جنيها (عملة جنوب السودان) إلى 75 جنيها في شهر. ومنذ إيقاف الإنتاج النفطي انخفض جنيه جنوب السودان إلى نحو خمسة جنيهات مقابل الدولار من 3.55 جنيهات، الأمر الذي أثر على الأعمال وأصحاب المتاجر والمطاعم، وحتى على التجار الصغار الذين يضطرون لاستيراد كل شيء بالدولار من أوغندا وكينيا باستخدام الشاحنات. وفي نفس الوقت، تستعد وكالات الأممالمتحدة لإطعام 2.7 مليون من سكان جنوب السودان، حيث تتوقع أن تؤثر الأزمة الاقتصادية على عشرات الآلاف من الأسر وتجعل الكثيرين لا يقدرون على شراء الطعام. وقالت ليز غراند منسقة العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في جنوب السودان في جوبا «إن أولويتنا الأولى خلال فترة التقشف هي المساعدة على إبقاء الناس على قيد الحياة».