لماذا هجليج؟ بل ما هو الدافع للعدوان من الأساس؟ ولماذا استطاعوا أن يصلوا الى آبار النفط وألحقوا بها هذا الحجم من الدمار؟.. ولكن قبل ذلك لماذا شمت من شمت في قواتنا المسلحة وفي نظام الانقاذ؟ هل وصلت العداوة ببعض بني وطني أن يفرحوا بنصر الأعداء؟ أم أنهم صاروا لا يفرقون بين ما يمس السودان وما يجرح الوطن؟ أم كان الغزو –في رأيهم- مقدمة لدبابات الأمريكان تجتاح السودان وتلحق بها الدمار كما فعلت بالعراق من قبل؟ بل ربما كانوا يعلمون أن هذه إنما هي حرب بالوكالة قامت بها الحركة الشعبية ل»تحرير» «السودان» –وكالة عن أسياد الفريقين؟. هذا العدوان مهما كانت دوافعه، يؤكد أن حكومة الجنوب ما زالت تتعامل بعقلية حركات التمرد وحرب العصابات (التي تعامل بها الهالك جون قرنق طوال فترة تمرده على السودان)، ولم تعِ أن قدراتها لن تمكنها من الاحتفاظ بمدينة من مدن السودان لفترة طويلة قبل أن تتكبد خسائر لا قبل لها بها، وأن التفكير التخريبي الذي يحكم قادة حركات التمرد الفوضوية لايصلح لإدارة سياسة خارجية مع الدول. وربما كان إشارة أيضاً لأن القرار داخل تلك الحكومة-الحركة لا ينبع من جهة مسيطرة على مقاليد الأمور تماماً كما يرى بعض المحللين. إلا أن اختيار هجليج يثبت شيئين: الأول أن منطق التخريب الذي يسيطر على عقليات قادة حركات التمرد يركز دائماً على أكثر ما يتضرر منه من يعتبرونه عدواً (هو في هذه الحالة النفط). والأمر الثاني أن سياسة الحصار التي انتهجتها حكومتنا مع الجنوب سياسة خاطئة ويمكن للطرف الثاني أن يندفع إلى حافة هاوية الانتحار تماما كما يقاتل القط الحبيس وهو يعلم (وربما لا يعي) أنه قد لا ينجو من محاولته اليائسة هذه. لابد لحكومة الإنقاذ أن تراجع سياسة الحصار التي كثيرا ماتضر –في المدى البعيد- المحاصر (بالكسر) أكثر مما تضر المحاصر (بالفتح)، ولنا في نظام مبارك مثال حينما حاصر السودان حصاراً خانقاً في التسعينيات، إلا أن مصراً فقدت سوقاً ضخماً، وكسب التاجر السوداني أسواقاً بديلة. ولكن ينبغي ألا تنسينا الفرحة باسترداد هجليج ودحر العدوان (وهي فرحة مستحقة) أسئلة أخرى، فهل نسيت القيادات العليا للبلاد والمسؤولون عن شأن البترول أهمية هذه المدينة بالنسبة للسودان واقتصاده؟ هل كانت القوات المؤمنة لهذه المنطقة أقل مما ينبغي؟ وهل فشلت أجهزة الأمن –التي لا تغفل عن حركة نملة في السودان كما تشعر الناس بذلك- عن توقع عدوان كهذا؟ أم أنها علمت ولم يستمع لها السياسيون؟. إن المواطنين أصبحوا يحسون أن قيادة البلاد لا تتوقع الأخطار ولا تؤُمِن –احتياطا- أرواح المواطنين وممتلكاتهم إلا بعد وقوع الكارثة، كما حدث يوم الاثنين الأسود، والذي توقعه كل الناس إلا حكومة السودان، أو ربما توقعته ولم تحرك ساكناً إلا بعد وقوع الكارثة، وكما تكرر في أحداث أمدرمان «أم در أمان»، والتي إن علمت بها فتلك مصيبة، وإن لم تعلم بها ف...لا أعلم حقيقة أيهما أعظم. وفي كل الأحداث. فالمتضرر هو المواطن المسكين. أما برلماننا الهمام، فقد اكتفى بعد العدوان على هجليج بتجديد الثقة في القوات المسلحة التي لم تهتز ثقتنا فيها ولا في وطنيتها أصلاً ولا في قدرتها، ولكن السؤال المهم لماذا لم تُطْلَق يدُها من قبل لتؤمِّن الحدود وتطهر البلد من جيوب المتمردين؟ هذا هو السؤال الذي كان ينبغي أن يطرح على القيادات العليا في البلاد. فالشعب ينتظر إجابات عنه وعن أسئلة أخرى مماثلة. أما الفرحة التي تلت التحرير والاسترداد، فهي فرحة مستحقة، ولكنها ينبغي ألا تنسينا أخذ العبر والعظات من هذه الأحداث. وما أثار تعجبي واستغرابي هو هوجة جمع التبرعات التي عمت السودانيين داخل وخارج القطر وكأن دولة الجباية التي ظلت شريكة للمواطن البسيط في أي دخل يدخل إليه منذ يوليو 89، وتبالغ في كم وعدد محطات الرسوم التي يتعثر بها في كل خطوة في حياته، كأن هذه الحكومة تجبي وتجمع لأمور أخرى أهم من أمن الوطن والمواطنين؟ بل أخشى أن يستغل ضعاف النفوس هذه الهوجة في ثراء سريع كما هم أثرياء الحرب عبر التاريخ.