عدت مجددا يا أعظم الشهور، وكنت أظنني سأقابلك نقيا كالأنبياء، ورعا كالنساك، أبيض الصحائف من كل دنس، فإذا بجاهليتي كما هي، وإذا بي ذاك الغر الذي لم تنضجه السنوات، ولم يعقل جموحه تقادم السنوات وتسارع الآجال! أيامك يا رمضان هي فرصة العمر، أحاول جاهدا كل عام أن أغرف فيها من خيراتك، فما أحوج النفس ل (كلوروكس) يعيد بياضها، لكنك ما أن تطل بوجهك الصبوح، حتى تهرول أيامك ولياليك مسرعة، فتنطوي سويعاتك ونحن في لهاث الحياة، وتضيع الفرصة إلا من نزر يسير .. نحاول أن نلملم شتاته، لمخادعة النفس بأن الخير لم يتبخر كله بمضي بركاتك !! الحياء يملأ حناياي يا رمضان، فلو لم تكن هذا العام ملاذنا وفرصتنا، فما اضيعنا، وما أتعس أعمارنا في هذه الفانية ! تجيء يا رمضان مرة أخرى، وتتجدد الفرصة .. فرصة عشناها، مرارا، ووسواس النفس يباعد بيننا وفكرة أنها قد تكون (الأخيرة)، الفرص قد تتكرر، لكن كل مرة يمكن أن تكون الأخيرة، فلا أحد غير فاطر السموات يعرف خبايا الأيام . إنك يا رمضان موئل الغفران، والبركة، والرحمة، وحياتنا باتت خواء من كل ذلك، فلا أحد يغفر لأحد، ولا البركة باتت كما كانت، ولا أحد يرحم أحدا !! ويلاه يا رمضان إن لم نغتنم مجيئك، وويلاه إن لم تكن لحيظاتك القنطرة التي نعبر منها، متجاوزين كل أوزارنا، متسامين عن كل هواننا وضعفنا، منفتحي القلب لكل خير يأتي منك، وهل أعظم خيرا منك يا شهر الخير ؟! أيا رمضان .. هذا هو الشاطرابي .. يغطي وجهه بيديه حياء منك، فما أكثر ما اضاعه في حياته .. بحضورك وغيابك، وما أكثر الغنائم التي فاتته .. بحضورك وغيابك، وما أكثر ما فرط فيه من عظائم الكسب للحياة الأخرى .. في حضورك وفي غيابك !! ورب الكعبة يا رمضان .. ورب الكعبة .. أحس بضآلتي .. وضياعي .. وهواني .. من كل ما فات، وأحس الرهبة والخسران .. إن لم يكن مجيئك هذه المرة .. غفرانا يعيد النفس لصفائها حين مجيئها للحياة، ويعيد الصحائف ناصعة مبرأة من كل دنس الدنيا، فتالله تلك الفرصة التي قد لا تتكرر .. مهما كان وسواس النفس .. التي تشاهد كل يوم أرتال الراحلين .. لكنها تحقن الوهم ب (الخلود) لصاحبها الفاني رغم أنفه !! اللهم أعنا على صيام الشهر الكريم، اللهم أعنا على كسب المغفرة من الغفور الرحيم، اللهم أعده علينا سنوات عديدة، واغفر للشاطرابي، ولذويه، ولكل المسلمين . آمين يا رب العالمين.