عشرات الأغنيات خرجت من وجدان شعراء وملحني ومطربي شمال السودان تغازل جنوبه المخضر بأن يبقى على العُشرة بضم العين في مطلع عام 2011م القادم موعد الاستفتاء، وكل هذه الأعمال الجميلة رفضت الانفصال.. منذ العهد المايوي وقبله كانت محاولات الوحدة (الغنائية) جاذبة.. ففي سبعينيات القرن الماضي تغنى صلاح مصطفى برائعته (أنا وأخوي ملوال.. بلدنا في أمان.. ما في شمال بدون جنوب.. ما في جنوب بدون شمال كلنا إخوان). ونحن صبية، كنا نهتف ونردد الكلمتين الأخيرتين (كلنا إخوان) مع الموسيقى وفي حقائبنا المدرسية كان كتاب المحفوظات والأناشيد يقبع ضمن الكتب وفيه (منقو قل لا عاش من يفصلنا.. نحن روحان حللنا بدنا.. قل معي لا عاش من يفصلنا)، وحينها كان الفريق جوزيف لاقو قائداً لحركة أنانيا (2) التي وقع معها الرئيس الراحل نميري اتفاقية السلام في 3 مارس 1972م ليصدح المطرب صلاح مصطفى (3 مارس عيد.. يوم وحدة السودان). وتوالى تقديم المشهيات للشق الجنوبي من الوطن لدرجة أزعجت المواطن في الشرق والغرب والشمال، وما زال الجنوبي يردد (نحن مهمشون) ولا يدري بأن التهميش الذي يعيشه مواطنو (كريمة والجنينة وسنكات) إذا قدر له أن يصبح حركة مسلحة لقضى على الأخضر واليابس. ولكن الجنوبي ما زال (حارناً) لا تطربه كل تلك الأناشيد والأهازيج و(اللولاي) فإذا افترضنا أن الخرطوم هي الآن بمثابة الأم للسودان والأقاليم الأربعة «شمال، جنوب، شرق، غرب» هم أبناؤها، فإن الابن الجنوبي قد استأثر بكل الاهتمام لدرجة وصلت إلى (فرز العيشة)، والثلاثة الباقون لا ينظرون حتى في وجهها احتراماً للأمومة. رئيس تحرير «الأهرام اليوم» الأستاذ الهندي عز الدين عبر سلسلة مقالاته «تحية واحتراماً» قد وضع النقاط على الحروف، وكشف ما سيحدث عقب التصويت للانفصال بكل وضوح، وما يهمنا هنا أين ستذهب عشرات الأناشيد والأغنيات والأهازيج بعد إعلان دولة الجنوب؟ وكيف سيكون مصير أكثر من مليون سوداني أو أكثر من أب شمالي وأم جنوبية أو العكس؟ وهل ستطالب حكومة الجنوب المستقلة الكوميديين محمد موسى أو فخري أو أسامة جنكيس بعدم ترديد النكات الخاصة بالجنوبيين؟ كل مطربي السودان تقريباً تغنوا للوحدة، والإذاعة والتلفزيون القوميان صرفا ملايين الجنيهات لهذا النوع من الغناء حتى غدا بمثابة مكتبة مستقلة، فإن حدث الانفصال أين سيذهب هذا الحب الأخوي المدوزن؟ لن نغازل الجنوبيين مرة أخرى، ولكن الوحدة ستظل باقية لأنها في دمائنا، وسيمضي دعاة الانفصال ويعود السودان لأصله الذي خلقه الله عليه. وما في شمال بدون جنوب وما في جنوب بدون شمال وكلنا إخوان.