{ منذ تزوجت وأنجبت ابنتي الكبرى قبل ما يقارب السنوات العشر وأنا لا أنام! أعني لا أنام كما يجب، ربما لأن الزواج كعلامة فارقة في حياتنا يتطلب شكلاً مختلفاً من الالتزام وترتيب الأولويات، يضعك في حالة من التوتر والقلق في بداياته الأولى حتى تعتاد على مفارقة تفاصيلك القديمة والمضي في حياتك بتفاصيل جديدة قد تكون خصماً على راحتك وعادات أيام العزوبية التي من أبرزها النوم كيفما شئت ومتى شئت. لنباغَت بعد ذلك - نحن معشر النساء - ببوادر الحمل بكل ما يصاحبها من إرهاق وإعياء وتغيير جذري فسيولوجياً وسيكولوجياً، وتبدأ دوامة الآلام غير المفهومة والمحاذير الكثيرة والموانع وضرورة اتخاذ شكل جديد في المأكل والمشرب والحركة والنوم، والبعض منّا يعانين أثناء الحمل من ويلات الحموضة أو ما يعرف ب (الحيرقان) التي تصاحبهن إلى ما بعد الولادة بقليل، وهي حالة من العذاب أقسم أن رجلاً ما غير قادر على احتمالها، لا سيما آناء الليل حين يحول (الحيرقان) اللعين بينك وبين النوم لأن نيرانه تشتعل في جوفك وتمنعك الرقاد، لتظل الواحدة منا في حالة من القلق والعجز لدرجة تستدر الدموع وهي غير قادرة تماماً على أن تنام. { ثم يأتي طفلك الحبيب بعد آلام المخاض المبرّحة، وبعدما تنسيك فرحته كل تاريخك مع الألم والأرق والسهاد، يبدأ هو في فرض سطوته على أيامك ولياليك، ويحول بينك وبين النوم لأنه يحكم ليلك وفقاً لمزاجه المرتبك، فيصرخ بين الحين والآخر مطالباً بحقه في الغذاء والإحساس بالأمان، وليس أمامك سوى الإذعان لرغباته في أوقات متفرقة من الليل مما يجعل بينك وبين النوم فراقاً. { وينمو صغيرك الحبيب رويداً رويداً وأنت تمتلئين بأحاسيس مختلفة وجديدة، وتتعلمين كل صباح فضيلة الصبر والتضحية والتنازل، وتنامين وأنت مغمضة عيناً واحدة وعقلك الباطن متوثب للاستجابة الفورية لنداء «ماما» الخافت في هدأة الليل لغرض الشرب أو الذهاب إلى الحمّام، أو لأي طارئ آخر لا قدر الله من مرض أو عَرَض. وكنت أدهش من انتقالي المباغت إلى حالة اليقظة التامة إذا ما تململ أحد أبنائي في فراشه ولو لم يصدر صوتاً، وأدركت حينها أن غريزة الأمومة هي حقاً أقوى الغرائز البشرية، وهي تجعل منك إنسانة لها من الحواس ما يتجاوز الحاسة السادسة إلى ما فوقها، ويجعلك طوال الليل متوثبة لا تنامين. { وحتى الآن، أجزم أنني منذ أصبحت أماً لا أنام، وأحسب أن مثلي كل الأمهات، فهذه ضريبة الأمومة، وحتى لو لم يكن هناك ما يقلق منامي تجدني لا شعورياً أصحو ببرمجة داخلية لأتفقد الصغار وأصلح من أوضاعهم في النوم أو أحكم الغطاء عليهم ومعظم الأطفال لا يحبون الغطاء في الليل وهذا يجعلك رقيبة دائمة عليهم خوفاً من البرد ولتمنحيهم الدفء والأمان. ومما زاد أرقي مؤخراً، ما أصبحنا نسمعه كل صباح من مفاجآت ومصائب ما أنزل الله بها من سلطان، ولم نكن نعتادها من قبل، فجرائم الاغتصاب والاختطاف وانتهاك الطفولة أصبحت تؤرق نومي وتأخذني الوساوس والافتراضات والأفكار السوداء إلى حيث لا نوم البتة. أصبحت أخاف من الشارع والحي والناس، فقدت إحساسي بالثقة في جميع من حولي، كيف لا والمآسي التي تتوالى تأتي من حيث لا نحتسب ومن أقرب الناس وأبعدهم عن شكوكنا! فماذا أفعل بربكم كي أنام ملء عينيّ قريرة الأجفان؟ كيف أنام وأنا أخشى على هؤلاء الصغار الذين كنت سبباً في دخولهم إلى الدنيا؛ من اليوم والغد وبني الإنسان وغدر الزمان؟!.. أنا أعاني من كوني لا أنام.. فهل تنامون؟! { تلويح: من يشتري أرقي ويمنحني بعض النعاس اللذيذ؟!