الخالة عائشة إبراهيم زيدان، من جنوب السودان، تنتمي إلى منطقة (أمادي) بولاية غرب الاستوائية، ونشأت في توريت ودرست بها الابتدائي، ثم انتقلت أسرتها إلى أعالي النيل، وبدأت بها دراسة المرحلة الثانوية، حتى لجوء أسرتها إلى الشمال بسبب الحرب منذ أكثر 35 عاماً واستقرارها بأم درمان حيث واصلت دارسة الثانوية العامة بمدرسة محمد حسين بحي المظاهر. التقتها «الأهرام اليوم» وهي امرأة مجتهدة تقية نشيطة متعاونة تعمل في الكثير من المجالات الإنسانية، فهي داعية إسلامية، ورئيسة رابطة المرأة في مريدي بالجنوب، حيث أوضحت أنه وبعد استقرارها بالشمال والعاصمة تزوجت مبكراً لذلك لم تستطع حينها إكمال دراستها بل اتجهت للعمل في مجال الأنشطة التي تخدم الإنسان وتطوره فدرست كورسات الحاسوب والتثقيف الصحي والرعاية الأولية والحياكة وتعليم مهارات الخياطة بجانب اهتمامها بالعمل الدعوي واكتسابها لمزيد من علوم الدين الإسلامي. وقالت إنها ركزت على التجويد والأحاديث وفقه المرأة المسلمة والعلوم الأسرية. وأكدت الخالة عائشة أنها عاشت في الشمال أجمل أيام حياتها مع جيرانها الذين كانوا لها إخوة وأهلاً ولم تشعر أبداً بأنها غريبة أو غير مرغوب فيها بينهم حيث سكنت الصحافة والامتداد. كما روت لنا بعض علاقاتها المتينة مع جيرانها من قبيلة الجعليين عندما كانت تسكن في منطقة اللاماب قبل أكثر من 26 عاماً فأوضحت أن صاحب المنزل حينها اسمه «مجذوب عبد القادر» وكان رجلاً شهماً كريماً وكانت امرأته وزوجة أخيه صديقتين وأختين بالنسبة لها، وقالت: كنا نأكل ونشرب مع بعض كذلك الحنة والمشاط وحتى الخروج وكانت الدعوة للمناسبات تأتينا باسم نساء «مجذوب» حتى أطلق علينا جميعاً نساء مجذوب في الحي. مشيرة إلى أن بيته كان ملكه وهم مستأجرون. وأردفت: علاقتنا قوية جداً حتى بأسرته في عطبرة ومنطقة العفاض، وكانت أمه عندما تأتي إلينا زائرة في الخرطوم تهديني صرة فيها (شمار وتوم وفول وبلح) كذلك أهله، كما إنني أقوم بدوري بإهدائهم زيت اللؤلؤ والنخيل والأناناس الذي آتي به من الجنوب. وذكرت أنه وعند وصول أسرتها من اللاماب إلى منزلها الملك الكائن حتى الآن بمنطقة الكلاكلة البقعة؛ ذهب معهم عدد كبير من الجيران رجالاً ونساء وأطفالاً لدرجة أن أهل الكلاكلة اندهشوا ولم يعرفوا الراحلين هل هم «الزرق ولا الحمر» ومما خلق في نفسوهم طابعاً جميلاً وأتوا بدورهم مبكرين إليها ليتعارفوا. وأضافت أن صاحب اللوري الذي نقل لهم عفشهم وأغراضهم ترك لهم مبلغ الأجرة وأعجب جداً بتعاملهم كأسرة واحدة وكان ذلك في العام 1980م. وفي ذات الاتجاه أكدت أنها تعيش في وحدة وسلام وأمن مع جيرانها حتى الآن في الكلاكلة واستطاعت أن تفعِّل في الحي عدداً من النشاطات للشباب والشابات في التدريب على نظافة البيئة والإسعافات الأولية بجانب كورسات الخبائز والحلويات للنساء، مشيرة إلى أنها استطاعت أن تجلب النساء اللائي كن لا يخرجن من بيوتهن أبداً، مبينة أن الجانب الدعوي أكسبها ثقة الكثيرات واستطاعت أن تدخل على كافة الناس وتوجه رسالتها الهادفة حتى صارت عضواً في اللجنة الشعبية بحيها. وعن العمل في مجال الدعوة أوضحت أنها بدأت بالشماليات أنفسهن إذ علمتهن كيفية غسل الجنازة، وقرأت القرآن للنساء الأميات بجانب عملها في محو الأمية. في ذات الإتجاه أبانت عائشة أنها سافرت إلى بورتسودان وعملت في مجال الدعوة هناك، واستطاعت أن تدخل بيوت الخمور بغرض التجارة ثم إنها قابلت الوالي وقالت له «المريض بيعطوه دواء ما كفن» وهذه مسؤوليتك. مبينة أن الوالي نظر في طلبها مع مدير الشرطة بالولاية وقدمت له دراسة جدوى لمهن مختلفة تمتهنها هؤلاء النسوة اللاتي كان بعضهن يحملن شهادات جامعية وما فوقها مشيرة إلى أن النساء استفدن من البرامج التي قدمتها لهن في المشاريع والدعوة. الخالة عائشة أكدت حبها للسودان شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً وتحدثت عن الوحدة التي هي موجودة منذ وجود السودانيين، مشيرة إلى أن انفصال الجنوب سيغير السودان ككل ويؤدي إلى تدهوره. وقالت «أنا أدعو لأن تكون جل أفكار الناس وقلوبهم ولسان حالهم (الوحدة) وأن تردد هذه الكلمة كثيراً على الرغم من قصر الزمن لأن الحديث له أثر قوي وأكيد في الاستفتاء» كما طالبت بالتحدث بموضوعية عن مضار الانفصال، وأردفت «نحن نعمل من أجل الوحدة، ونتكلم في هذا الجانب بصورة واضحة جداً لكي يفهم الناس مضار الانفصال»، مضيفة «علينا بمحاربة الأقاويل الهادمة لها لأن الوحدة موجودة من زمان»، موضحة في ذات الجانب أن المسلم وغير المسلم في الجنوب وفي شهر رمضان يجلسون ويأكلون في صينية واحدة، وفي الأعياد الإسلامية والمسيحية يتشاركون كذلك، وفي المدارس حيث لا فرق بين جنوبي وشمالي. وفي ذات الصدد قالت عائشة زيدان إنه من المفترض أن تكثف الأجهزة الإعلامية جهودها للتوعية بمخاطر الانفصال، والدعوة للوحدة الجاذبة بأن تُنتج أعمال بلهجات جنوبية تخاطب الجنوبيين في كافة السودان والجنوب خاصة. وأردفت أن على الجميع التوقف عن إحصائيات الزواج بين الشماليين والجنوبيين والعكس، فعلاقتهم ببعضهم سمن على عسل، وهم ضد الانفصال الذي يخلق الضحايا. والخالة عائشة لها اهتمامات ومواهب أخرى، فهي متخصصة في صناعة العطور السودانية المصنوعة من خلاصة الفواكه الطبيعية كالموز والتفاح والأناناس والمانجو بجانب الدلكة من الجزر والبامبي ومستحضرات التجميل الطبيعية التي تنتجها من زيت النخيل الاستوائي ودهن الساق، موضحة أن منتجاتها هذه وجدت رواجاً كبيراً داخل وخارج البلاد كما أنها فازت بالجائزة الأولى في المعرض السياحي الدولي الثاني قبل عامين بقاعة الصداقة بالخرطوم. وكشفت أن منتجاتها تصل حتى اليونان ودبي والقاهرة والطلبات كثيرة عليها لكنها مشغولة بالمأكل والملبس وتربية أولادها الأربعة وبناتها الثلاث الذين هم في مراحل تعليمية مختلفة، ولأنها أرملة وتعول أسرتها فعملها هذا يكفيها بحيث لا تمد يدهاإلى أي أحد. واستطردت أنها مُنحت قطعة أرض بالجنوب في منطقة أمادي لاستثمارها كشركة عطور صغيرة، وذلك كان شكراً وتقديراً لجهودها التي بذلتها في المنطقة إلى جانب الدعوة الإسلامية وهداية الأخوات الجنوبيات للإسلام مشيرة إلى أن منطقتها كانت متشددة جداً ولكنها استطاعت أن تنادي بالدعوة الإسلامية بعد إقناعهم، كما سمحوا لها بإنشاء مركز إسلامي للدعوة. وفي ذات الصدد أكدت أنها كداعية لن تتوقت عن نشر رسالتها بالجنوب حتى إذا حصل انفصال، على الرغم من أن وجودها بالخرطوم قطعها عن الدعوة بسبب عملها والتذاكر الغالية للسفر لكنها ستواصل. وفي خاتمة حديثها أكدت أن علاقتها قوية مع الشماليين، موضحة أنها الآن بصدد الاستعداد لشهر رمضان الكريم إذ تستعد هذه الأيام ل «عواسة الآبري» الحلو مر وذلك بمساعدة جاراتها وصديقاتها الشماليات، وقالت «أنا أهدي لهم الآبري وهن بدورهن يهدين لي الملابس التي آخذها كهدايا لأخواتي في الجنوب».