{ أنا من ذلك الجيل القلق والمقلق، جيل الإنجازات والثقافة والآثار الواضحة في شتى المجالات، وأعترف بانحيازي التام والواضح لذلك الجيل الذي أنتمي إليه، جيل السبعينيات في ربعه الأخير - إنصافاً لفطرتي الأنثوية - الجيل الثائر والمتمرد والكادح والناجح. ولا أنفك أعقد المقارنات بين جيلنا المميز والأجيال اللاحقة به، فأحمد الله كثيراً في كل مرة لأنه اختصني به دون سواه، فواقع الحال لدى ما عداه من أجيال يدعو للأسف والحسرة، فالأجيال المعاصرة - رغم ما تتمتع به من إمكانيات ومعينات كبيرة على كافة الأصعدة ورغم سهولة الحياة والتطور الكبير الذي توفر لها - إلا أن شبابها أبعد ما يكونون عن الوعي اللازم والثقافة المفترضة والإحساس بالمسؤولية إلا مَنْ رَحِمَ ربي. { ومهما أثار رأيي حفيظة الكثيرين ومنهم قراء أعزاء أحترمهم وأفخر بهم، إلا أن واقع الحال يؤكد أن معظم بني جيلنا تحديداً يتمتعون بقدر كبير من الطموح والتطلعات والتعطش الدائم للمعرفة والاطلاع والإحساس بالوطن وبالآخر، بينما بالمقابل ينحدر أبناء الأجيال الحديثة نحو هوة سحيقة من الخواء والتردي واللامبالاة والسطحية رغم أن ذلك قطعاً لا ينفي وجود بعض النماذج الناجحة والمشرفة. { أما نحن، فأذكر كم كنا تواقين لإحداث تغيير ما، وكيف كانت القراءة طقساً ثابتاً نمارسه بمحبة وشغف، وكيف كنا في سعي دائم للإلمام بكافة المستجدات من حولنا والإلمام بتفاصيل السياسة والمجتمع والاقتصاد دون أن يؤثر ذلك على تحصيلنا الأكاديمي واهتمامنا بالدراسة، بل أنه حتى المدرسة كانت بالنسبة لنا حرماً مقدساً، والمعلمون رُسلاً مبجلين نبذل لهم الاحترام الكامل والإعجاب والامتنان ونتفانى لكسب ودهم وثقتهم ورضاهم، فأين نحن من كل هذا الآن؟ وهل رأيتم ما آل إليه الحال في المدارس الثانوية وشكل العلاقة القائمة بين المعلم والتلاميذ؟! { لقد سألت أختي الصغرى يوماً - وهي من مواليد التسعينيات - عن عاصمة ماليزيا، كان سؤالاً عارضاً وساذجاً ولكن الإجابة كانت مروعة فقد سألتني بدورها عن موقع ماليزيا الجغرافي وهل هي ضمن القارة الآسيوية أم الأوروبية؟! ناهيك عن فداحة الرسائل التي تتبادلها مع صديقاتها عبر الجوال بكل ما تحويه من ركاكة في الأسلوب وأخطاء إملائية يندى لها الجبين. فهل أعفيها من المسؤولية وألقي بها على عاتق السلم التعليمي الحديث العقيم؟ أم أنهم وحدهم المسؤولون عن حالهم المزري وافتقارهم لأي اهتمام بالأدب والعلوم والثقافة والسياسة؟! { وهل يمكن اعتبار الأمر خطأ فسيولجياً جينياً في هؤلاء الشباب؟ أم هو نتاج طبيعي للغزو الإعلامي الفضائي وإفراز ثورة الاتصالات والفضائيات والشبكات؟ يجب أن نتساءل جميعاً ونبحث عن الأسباب، فالوضع خطير إذا وضعنا في الاعتبار أنهم أجيال المستقبل!! { تُرى لماذا يحجم هؤلاء الفتية عن المطالعة؟ ومتى كانت آخر مرة رأيت أحدهم يقرأ رواية لنجيب محفوظ أو ديكنز أو يردد شعراً لمصطفى سند أو أحمد مطر أو يستمع لأم كلثوم وفيروز ومحمد وردي والكابلي؟ إنني ضد صراع الأجيال أو التقليل من شأن الشباب، وأعلم جيداً أن لكل وقت آذان، ولكن هذا لا يعني أن يتجرد هؤلاء من الاهتمام بأساسيات الفهم الإنساني المتحضر، وأنا لا أريد أن أسجن هذه الأجيال في ماضينا، ولا أن ألغي أمزجتهم وميولهم وأفكارهم، ولكن الذهب لا يصدأ، والعديد من الاهتمامات التي تعاطيناها تساهم في تكوين إنسانية الإنسان، فلماذا يعرضون عنها؟! { أياً كانت مبرراتهم التي أنتظرها - أبقى على قناعتي التامة وأحمد الله على أن جعلني من جيل السبعينيات، ذلك الجيل الحساس، العاشق، الناجح، الذي شق طريقة في أحلك الظروف وبأضعف الإمكانيات وبلغ سدة المجد في العديد من المؤسسات والمواقع الحساسة المؤثرة، وحتى لا تتهموني بالمبالغة انظروا حولكم لكل نموذج شاب ناجح واسألوه: «أنت من مواليد كم؟». تلويح: جيلي أنا.. جيل العطاء المشرئب إلى النجوم.