د. أحمد جبريل البشير عثمان - اختصاصي أمراض الجهاز التنفسي والصدر رغم النداءات الكثيرة والتحذيرات المتكررة والمنع وأحياناً التجريم، يتزايد عدد المدخنين في العالم، ورغم المرض والعجز والوفاة الناتجة عن تلك الآفة تبقى الأرقام هي الحقيقة الأسوأ والنتيجة المنطقية لعادة أقل ما توصف بأنها الموت البطيء القادم لا محالة . جاءت بداية تعرف العالم على نبات التبغ مع اكتشاف كريستوفر كولموبوس لأمريكا عام 1492 فوجد السكان الأوائل - الهنود الحمر - يستخدمونه، حتى لفظ توباكو مشتق من كلمة (توباجو) وهو الاسم الذي كان يطلقه الهنود الحمر على (البايب) المستخدم في استنشاقه، وقد جاء اسم النكوتين نسبة إلى سفير فرنسا لدى البرتغال (جون نيكوت) الذي أرسله لملكته لعلاج ابنها الأمير من الصداع الذي كان يعانيه. { ما هو التبغ : التبغ من الفصيلة الباذنجية، وهو يحتوي على (400 مادة) مقسمة إلى مجموعات أهمها (النكوتين، أول أكسيد الكربون، القطران)، والنكوتين سم قاتل بل من أشد السموم فتكاً، بحيث لو وضعت منها نقطة على لسان الرجل لمات في الحال. { تأثير النكوتين على جسم المدخن تشتمل على دورته في الجسم، بعد امتصاصه وانتشاره في الأعضاء المختلفة وأخيراً التخلص منه وإفرازه، يمتص النكوتين بعد التدخين من الرئة، ويحمله الدم إلى باقي أنحاء الجسم ويظهر تأثيره على المخ بعد ثوان قليلة (سبع ثوان فقط) وأينما ذهب في الجسم فإنه يتحد مع مستقبلات الأسيتايل كولين النيكوتينية . { الطبيعة الإدمانية للنكوتين في الدماغ يقوم النيكوتين بدوره باستثارة خلايا الدماغ (خلايا معينة) لإفراز مادة (الدوبامين) التي بدورها تؤدي - عن طريق عملية فسيولوجية هرمونية - بإفراز مادة السيروتينين ومادة الاندروفين في دم المدخن، وإفراز هذه المواد يؤدي إلى فهم الطبيعة (الإدمانية الكبيرة) لتدخين السجائر، فمادة الأندروفين تقلل من الشعور بالألم وتؤدي إلى الإحساس بالراحة، ومادة السيروتينين تؤدي عند إفرازها في الجسم إلى الشعور بالسعادة والراحة والحبور وتؤدي إلى علاج حالات القلق والتوتر مما يسبب الاسترخاء الخاص، وأيضاً يؤدي النكوتين إلى ترتيب المعلومات بالدماغ وهو بذلك يزيد الانتباه والتركيز وتنشيط الذاكرة، وهذه الآثار تحدث مع أول سيجارة وتستمر مع استمرار التدخين، مما يقود إلى النتيجة الحتمية (إدمان النكوتين)، وأثبتت الدراسات أنه أشد خطراً من الهيروين، وهذا ما نلمحه في الآثار المترتبة على إيقافه (يعاني المدخن من الصداع وآلام العضلات والمفاصل والوهن الجسماني والنفسي وفقدان الانتباه والتركيز وتبلد الفكر والذاكرة.. الخ). { آثار التدخين التدخين ينبه عدة تجمعات عصبية خارج المخ (العقد العصبية اللا إرادية) ومنها الغدة فوق الكلوية مما يؤدي إلى إفراز كميات كبيرة من الأدرنالين، حيث تزداد ضربات القلب وتنقبض الأوعية الدموية خاصة الشرايين المغذية للجلد وأصابع اليد والقدمين، ويرتفع ضغط الدم، لذلك كثيراً ما يعاني المدخنون من إحساسهم الشديد بالبرد في الشتاء، حتى أن بعض أصابع اليد قد تبدو بيضاء من شدة انقباض الأوعية الدموية فيها، ودخان السجائر غني بغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يقلل كفاءة الدم علي حمل الأوكسجين إلى أعضاء الجسم فتقل اللياقة البدنية ويظهر ذلك بوضوح في نقص القدرة على الجري، والتدخين يقف بلا منافس على قمة الأسباب المؤدية إلى الإصابة بأمراض القلب، علاوة على أن متوسط عمر المدخن يقل بنحو سبع سنوات عن مثيله غير المدخن، إضافة إلى ذلك أكثر من (60) مادة في التبغ تؤثر على الجهاز التناسلي في الجنسين وتؤدي إلى ضعف الانتصاب عند الذكور وقلة حيوية الحيوانات المنوية . { التدخين والصوم : أشارت الدراسات إلى أنه في أيام الصيام يكون جسم المدخن شرهاً ومتشوقاً لمادة النيكوتين السامة، لأن الصائم يمتنع عن التدخين حوالي (13) ساعة يومياً لذلك يمتص الجسم هذه المادة بنسبة 80% في حين يمتصها في الأيام العادية بنسبة 50% فقط، وهنا تكمن خطورة هذه المادة خصوصاً إذا تناولها المدخن قبل الإفطار (سيجارة علي الريق قبل الطعام ترفع الحموضة المعدية وتعرض المدخن لقرحات المعدة وقد تصل للإصابة بالسرطان!)، كما أن مادة النكوتين بما لها من تأثير سام تصيب الإنسان بالأزمات الصدرية والسل الرئوي وقد تصل بعد ذلك لسرطان الرئة والقصبة الهوائية والحنجرة. - نواصل -